Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 43-50)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَبَتِ إِنّى قَدْ جَاءَنِى مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِى أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } ولم يسم أباه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق ، بل جعل نفسه كرفيق له في مسير يكون أعرف بالطريق ، ثم ثبطه عما كان عليه بأنه مع خلوه عن النفع مستلزم للضر ، فإنه في الحقيقة عبادة الشيطان من حيث إنه الآمر به فقال : { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَـٰنَ } ولما استهجن ذلك بين وجه الضر فيه بأن الشيطان مستعص على ربك المولي للنعم كلها بقوله : { إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً } ومعلوم أن المطاوع للعاصي عاص وكل عاص حقيق بأن تسترد منه النعم وينتقم منه ، ولذلك عقبه بتخويفه سوء عاقبته وما يجر إليه فقال : { يٰأَبَتِ إِنِّى أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَـٰنِ وَلِيّاً } قريناً في اللعن والعذاب تليه ويليك ، أو ثابتاً في موالاته فإنه أكبر من العذاب كما أن رضوان الله أكبر من الثواب . وذكر الخوف والمس وتنكير العذاب إما للمجاملة أو لخفاء العاقبة ، ولعل اقتصاره على عصيان الشيطان من بين جناياته لإِرتقاء همته في الربانية ، أو لأنه ملاكها أو لأنه من حيث إنه نتيجة معاداته لآدم وذريته منبه عليها . { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِى يٰإِبْرٰهِيمُ } قابل استعطافه ولطفه في الارشاد بالفظاظة وغلظة العناد فناداه باسمه ولم يقابل { يَا أبَتِ } : بيا بني ، وأخره وقدم الخبر على المبتدأ وصدره بالهمزة لإِنكار نفس الرغبة على ضرب من التعجب ، كأنها مما لا يرغب عنه عاقل ثم هدده فقال : { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ } عن مقالك فيها أو الرغبة عنها . { لأَرْجُمَنَّكَ } بلساني يعني الشتم والذم أو بالحجارة حتى تموت ، أو تبعد مني . { وَٱهْجُرْنِى } عطف على ما دل عليه { لأَرْجُمَنَّكَ } أي فاحذرني واهجرني . { مَلِيّاً } زماناً طويلاً من الملاوة أو ملياً بالذهاب عني . { قَالَ سَلَـٰمٌ عَلَيْكَ } توديع ومتاركة ومقابلة للسيئة بالحسنة ، أي لا أصيبك بمكروه ولا أقول لك بعد ما يؤذيك ولكن : { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِِّي } لعله يوفقك للتوبة والإِيمان ، فإن حقيقة الاستغفار للكافر إستدعاء التوفيق لما يوجب مغفرته وقد مر تقريره في سورة التوبة { إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً } بليغاً في البر والإِلطاف . { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } بالمهاجرة بديني . { وَأَدْعُو رَبِّى } وأعبده وحده . { عَسَىٰ أَن لا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّى شَقِيّا } خائباً ضائع السعي مثلكم في دعاء آلهتم ، وفي تصدير الكلام بـ { عَسَى } التواضع وهضم النفس ، والتنبيه على أن الإِجابة والإِثابة تفضل غير واجبتين ، وأن ملاك الأمر خاتمته وهو غيب . { فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } بالهجرة إلى الشام . { وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ } بدل من فارقهم من الكفرة ، قيل إنه لما قصد الشام أتى أولاً حران وتزوج بسارة وولدت له إسحق وولد منه يعقوب ، ولعل تخصيصهما بالذكر لأنهما شجرتا الأنبياء أو لأنه أراد أن يذكر إسمعيل بفضله على الانفراد . { وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } وكلا منهما أو منهم . { وَوَهَبْنَا لَهْمْ مِّنْ رَّحْمَتِنَا } النبوة والأموال والأولاد . { وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً } يفتخر بهم الناس ويثنون عليهم ، استجابة لدعوته { وَٱجْعَل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى ٱلآخِرِينَ } والمراد باللسان ما يوجد به ، ولسان العرب لغتهم وإضافته إلى الصدق وتوصيفه بالعلو للدلالة على أنهم أحقاء بما يثنون عليهم ، وأن محامدهم لا تخفى على تباعد الأعصار وتحول الدول وتبدل الملل .