Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 61-65)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ } بدل من الجنة بدل البعض لاشتمالها عليها ، أو منصوب على المدح ، وقرىء بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وعدن لأنه المضاف إليه في العلم أو علم للعدن بمعنى الإِقامة كبرة ولذلك صح وصف ما أضيف إليه بقوله : { ٱلَّتِى وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ } أي وعدها إياهم وهي غائبة عنهم ، أو وهم غائبون عنها ، أو وعدهم بإيمانهم بالغيب . { إِنَّهُ } إن الله . { كَانَ وَعْدُهُ } الذي هو الجنة . { مَأْتِيّاً } يأتيها أهلها الموعود لهم لا محالة ، وقيل هو من أتى إليه إحساناً أي مفعولاً منجزاً . { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } فضول كلام . { إِلاَّ سَلَـٰماً } ولكن يسمعون قولاً يسلمون فيه من العيب والنقيصة ، أو تسليم الملائكة عليهم أو تسليم بعضهم على بعض على الاستثناء المنقطع ، أو على أن معنى التسليم إن كان لغواً فلا يسمعون لغواً سواه كقوله : @ وَلاَ عَيْبَ فِيهِم غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُم بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الكتَائِبِ @@ أو على أن معناه الدعاء بالسلامة وأهلها أغنياء عنه فهو من باب اللغو ظاهراً وإنما فائدته الإِكرام . { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } على عادة المتنعمين والتوسط بين الزهادة والرغابة ، وقيل المراد دوام الرزق ودروره . { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } نبقيها عليهم من ثمرة تقواهم كما يبقى على الوارث مال مورثه ، والوراثة أقوى لفظ يستعمل في التملك والاستحقاق من حيث إنها لا تعقب بفسخ ولا استرجاع ، ولا تبطل برد ولا إسقاط . وقيل يورث المتقون من الجنة المساكن التي كانت لأهل النار لو أطاعوا زيادة في كرامتهم ، وعن يعقوب « نورث » بالتشديد . { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } حكاية قول جبريل عليه الصلاة والسلام حين استبطأه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ولم يدر ما يجيب ، ورجا أن يوحى إليه فيه بأبطأ عليه خمسة عشر يوماً ، وقيل أربعين يوماً حتى قال المشركون ودعه ربه وقلاه ، ثم نزل ببيان ذلك . والتنزل النزول على مهل لأنه مطاوع نزل وقد يطلق بمعنى النزول مطلقاً كما يطلق نزل بمعنى أنزل ، والمعنى وما ننزل وقتاً غب وقت إلا بأمر الله على ما تقتضيه حكمته ، وقرىء « وما يتنزل » بالياء والضمير للوحي . { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ } وهو ما نحن فيه من الأماكن والأحايين لا ننتقل من مكان إلى مكان ، ولا ننزل في زمان دون زمان إلا بأمره ومشيئته . { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } تاركاً لك أي ما كان عدم النزول إلا لعدم الأمر به ، ولم يكن ذلك عن ترك الله لك وتوديعه إياك كما زعمت الكفرة وإنما كان لحكمة رآها فيه . وقيل أول الآية حكاية قول المتقين حين يدخلون الجنة ، والمعنى وما ننزل الجنة إلا بأمر الله ولطفه ، وهو مالك الأمور كلها السالفة والمترقبة والحاضرة فما وجدناه وما نجده من لطفه وفضله وقوله { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } تقرير من الله لقولهم أي وما كان ربك نسياً لأعمال العاملين وما وعد لهم من الثواب عليها وقوله : { رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } بيان لامتناع النسيان عليه ، وهو خبر محذوف أو بدل من { ربك } { فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم مرتب عليه ، أي لما عرفت ربك لأنه لا ينبغي له أن ينساك ، أو أعمال العمال فأقبل على عبادته واصطبر عليها ولا تتشوش بإبطاء الوحي وهزء الكفر ، وإنما عدي باللام لتضمنه معنى الثبات للعبادة فيما يورد عليه من الشدائد والمشاق كقولك للمحارب : اصطبر لقرنك . { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } مثلاً يستحق أن يسمى إلهاً أو أحداً سمي الله فإن المشتركين وإن سموا الصنم إلهاً لم يسموه الله قط ، وذلك لظهور أحديته تعالى ، وتعالى ذاته عن المماثلة بحيث لم يقبل اللبس والمكابرة ، وهو تقرير للأمر أي إذا صح أن لا أحد مثله ولا يستحق العبادة غيره لم يكن بد من التسليم لأمره والاشتغال بعبادته والاصطبار على مشاقها .