Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 18-18)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } لما سدوا مسامعهم عن الإصاخة إلى الحق وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم ويتبصروا الآيات بأبصارهم ، جُعِلُوا كأنما أيفت مشاعرهم وانتفت قواهم كقوله : @ صُمُّ إذا سَمِعُوا خَيْراً ذُكِرْتُ بهِ وإنْ ذُكِرْتُ بسوءِ عندَهُمْ أذنوا @@ وكقوله : @ أَصَمُّ عن الشيء الَّذي لا أُريدُهُ وأسمَعُ خَلْقِ الله حينَ أُريدُ @@ وإطلاقها عليهم على طريقة التمثيل ، لا الاستعارة إذ من شرطها أن يطوي ذكر المستعار له ، بحيث يمكن حمل الكلام على المستعار منه لولا القرينة كقول زهير : @ لَدَى أسدٍ شاكي السِّلاحِ مُقَذَّفٍ لَهُ لِبَدٌ أَظفَارُه لم تُقَلْمِ @@ ومن ثم ترى المفلقين السحرة يضربون عن توهم التشبيه صفحاً كما قال أبو تمام الطائي : @ وَيصعَدُ حتى يَظُنَّ الجَهولُ بأنَّ لَهُ حَاجةً في السَّماء @@ وههنا وإن طوى ذكره بحذف المبتدأ لكنه في حكم المنطوق به ، ونظيره : @ أُسَدٌ عليَّ وفي الحُرُوبِ نَعَامة فَتْخاءُ تنفر منْ صَفِير الصَّافرِ @@ هذا إذا جَعَلْتَ الضمير للمنافقين على أن الآية فذلكة التمثيل ونتيجته ، وإن جعلته للمستوقدين ، فهي على حقيقتها . والمعنى : أنهم لما أوقدوا ناراً فذهب الله بنورهم ، وتركهم في ظلماتٍ هائلة أدهشتهم بحيث اختلت حواسهم وانتقصت قواهم . وثلاثتها قرئت بالنصب على الحال من مفعول تركهم . والصمم : أصله صلابة من اكتناز الأجزاء ، ومنه قيل حجر أصم وقناة صماء ، وصمام القارورة ، سمي به فقدان حاسة السمع لأن سببه أن يكون باطن الصماخ مكتنزاً لا تجويف فيه ، فيشتمل على هواء يسمع الصوت بتموجه . والبكم الخرس . والعمى : عدم البصر عما من شأنه أن يبصر وقد يقال لعدم البصيرة . { فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } لا يعودون إلى الهدى الذي باعوه وضيعوه . أو عن الضلالة التي اشتروها ، أو فهم متحيرون لا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون ، وإلى حيث ابتدؤوا منه كيف يرجعون . والفاء للدلالة على أن اتصافهم بالأحكام السابقة سبب لتحيرهم واحتباسهم .