Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 195-199)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } ولا تمسكوا كل الإِمساك . { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } بالإسراف وتضييع وجه المعاش ، أو بالكف عن الغزو والإِنفاق فيه ، فإن ذلك يقوي العدو ويسلطهم على إهلاكهم . ويؤيده ما روي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه قال : لما أعز الله الإسلام وكثر أهله رجعنا إلى أهالينا وأموالنا نقيم فيها ونصلحها فنزلت ، أو بالإمساك وحب المال فإنه يؤدي إلى الهلاك المؤبد ، ولذلك سمي البخل هلاكاً وهو في الأصل انتهاء الشيء في الفساد ، والإِلقاء : طرح الشيء ، وعدى بإلى لتضمن معنى الانتهاء ، والباء مزيدة والمراد بالأيدي الأنفس ، والتهلكة والهلاك والهلك واحد فهي مصدر كالتضرة والتسرة ، أي لا توقعوا أنفسكم في الهلاك وقيل : معناه لا تجعلوها آخذة بأيديكم ، أو لا تلقوا بأيديكم أنفسكم إليها فحذف المفعول . { وَأَحْسِنُواْ } أعمالكم وأخلاقكم ، أو تفضلوا على المحاويج . { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } { وَأَتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ لله } أي ائتوا بهما تامين مستجمعي المناسك لوجه الله تعالى ، وهو على هذا يدل على وجوبهما ويؤيده قراءة من قرأ { وَأَقِيمُواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ } ، وما روى جابر رضي الله تعالى عنه « أنه قيل يا رسول الله العمرة واجبة مثل الحج ، فقال : " لا ولكن إن تعتمر خير لك " فمعارض بما روي « أن رجلاً قال لعمر رضي الله تعالى عنه ، إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليَّ أهللت بهما جميعاً ، فقال : هديت لسنة نبيك » ولا يقال إنه فسر وجد أنهما مكتوبين بقوله أهللت بهما فجاز أن يكون الوجوب بسبب إهلاله بهما ، لأنه رتب الإِهلال على الوجدان وذلك يدل على أنه سبب الإِهلال دون العكس . وقيل إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك ، أو أن تفرد لكل منهما سفراً ، أو أن تجرده لهما لا تشوبهما بغرض دنيوي ، أو أن تكون النفقة حلالاً . { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } منعتم ، يقال حصره العدو وأحصره إذا حبسه ومنعه عن المضي ، مثل صده وأصده ، والمراد حصر العدو عند مالك والشافعي رحمهما الله تعالى لقوله تعالى : { فَإِذَا أَمِنتُمْ } ولنزوله في الحديبية ، ولقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لا حصر إلا حصر العدو وكل منع من عدو أو مرض أو غيرهما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، لما روي عنه عليه الصلاة والسلام " من كسر أو عرج فقد حل فعليه الحج من قابل " وهو ضعيف مؤول بما إذا شرط الإِحلال به لقوله عليه الصلاة والسلام لضباعة بنت الزبير " حجي واشترطي وقولي : اللهم محلي حيث حبستني " { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } فعليكم ما استيسر ، أو فالواجب ما استيسر . أو فاهدوا ما استيسر . والمعنى إن أحصر المحرم وأراد أن يتحلل تحلل بذبح هدي تيسر عليه ، من بدنة أو بقرة أو شاة حيث أحصر عند الأكثر . لأنه عليه الصلاة والسلام ذبح عام الحديبية بها وهي من الحل ، وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يبعث به ، ويجعل للمبعوث على يده يوم أمار فإذا جاء اليوم وظن أنه ذبح تحلل لقوله تعالى : { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ } أي لا تحلوا حتى تعلموا أن الهدي المبعوث إلى الحرم بلغ محله أي مكانه الذي يجب أن ينحر فيه ، وحمل الأولون بلوغ الهدي محله على ذبحه حيث يحل الذبح فيه حلاً كان أو حرماً ، واقتصاره على الهدي دليل على عدم القضاء . وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يجب القضاء ، والمحل بالكسر يطلق على المكان والزمان . والهدي : جمع هدية كجدي وجدية ، وقرىء { مِنَ ٱلْهَدْىيِ } جمع هدية كمطى في مطية { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا } مرضاً يحوجه إلى الحلق . { أَوْ بِهِ أَذًى مّن رَّأْسِهِ } كجراحة وقمل . { فَفِدْيَةٌ } فعلية فدية إن حلق . { مّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } بيان لجنس الفدية ، وأما قدرها فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام قال لكعب بن عجرة " لعلك آذاك هَوَامُكَ ، قال : نعم يا رسول الله قال : احلق وصم ثلاثة أيام أو تصدق بفرق على ستة مساكين أو انسك شاة " والفرق ثلاثة آصع { فَإِذَا أَمِنتُمْ } الإِحصار . أو كنتم في حال سعة وأمن . { فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجّ } فَمن استمتع وانتفع بالتقرب إلى الله بالعمرة قبل الانتفاع بتقربه بالحج في أشهره . وقيل : فمن استمتع بعد التحلل من عمرته باستباحة محظورات الإِحرام إلى أن يحرم بالحج . { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } فعليه دم استيسره بسبب التمتع ، فهو دم جبر أن يذبحه إذا أحرم بالحج ولا يأكل منه . وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى ، إنه دم نسك فهو كالأضحية { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } أي الهَدي . { فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجّ } في أيام الاشتغال به بعد الإِحرام وقبل التحلل . قال أبو حنيفة رحمه الله في أشهره بين الإحرامين ، والأَحب أن يصوم سابع ذي الحجة وثامنه وتاسعه . ولا يجوز صوم يوم النحر وأيام التشريق عند الأكثرين . { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } إلى أهليكم وهو أحد قولي الشافعي رضي الله تعالى عنه ، أو نفرتم وفرغتم من أعماله وهو قوله الثاني ومذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى . وقرىء { سَبْعَة } بالنصب عطفاً على محل { ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ } . { تِلْكَ عَشَرَةً } فذلكة الحساب ، وفائدتها أن لا يتوهم متوهم أن الواو بمعنى أو ، كقولك جالس الحسن وابن سيرين . وأن يعلم العدد جملة كما علم تفصيلاً فإن أكثر العرب لم يحسنوا الحساب ، وأن المراد بالسبعة هو العدد دون الكثرة فإنه يطلق لهما { كَامِلَةٌ } صفة مؤكدة تفيد المبالغة في محافظة العدد ، أو مبينة كمال العشرة فإنه أول عدد كامل إذ به تنتهي الآحاد وتتم مراتبها ، أو مقيدة تقيد كمال بدليتها من الهدي . { ذٰلِكَ } إشارة إلى الحكم المذكور عندنا . والتمتع عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأنه لا متعة ولا قران لحاضري المسجد الحرام عنده ، فمن فعل ذلك أي التمتع منهم فعليه دم جناية . { لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } وهو من كان من الحرم على مسافة القصر عندنا ، فإن من كان على أقل فهو مقيم في الحرم ، أو في حكمه . ومن مسكنه وراء الميقات عنده وأهل الحل عند طاوس وغير المكي عند مالك . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في المحافظة على أوامره ونواهيه وخصوصاً في الحج { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } لمن لم يتقه كي يصدكم للعلم به عن العصيان . { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ } أي وقته . كقولك البرد شهران . { مَّعْلُومَـٰتٌ } معروفات وهي : شوال وذو القعدة وتسعة من ذي الحجة بليلة النحر عندنا ، والعشر عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى . وذي الحجة كله عند مالك . وبناء على الخلاف على أن المراد بوقته وقت إحرامه ، أو وقت أعماله ومناسكه ، أو ما لا يحسن فيه غيره من المناسك مطلقاً ، فإن مالكاً كره العمرة في بقية ذي الحجة . وأبو حنيفة رحمه الله وإن صح الإِحرام به قبل شوال فقد استكرهه . وإنما سمي شهران وبعض شهر أشهراً إقامة للبعض مقام الكل ، أو إطلاقاً للجمع على ما فوق الواحد . { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ } فمن أوجبه على نفسه بالإحرام فيهن عندنا ، أو بالتلبية أو سوق الهدي عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهو دليل على ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله تعالى وأن من أحرم بالحج لزمه الإِتمام . { فَلاَ رَفَثَ } فلا جماع ، أو فلا فحش من الكلام . { وَلاَ فُسُوقَ } ولا خروج عن حدود الشرع بالسيئات وارتكاب المحظورات . { وَلاَ جِدَالَ } ولا مراء مع الخدم والرفقة . { فِي ٱلْحَجّ } في أيامه ، نفي الثلاثة على قصد النهي للمبالغة وللدلالة على أنها حقيقة بأن لا تكون ، وما كانت منها مستقبحة في أنفسها ففي الحج أقبح كلبسة الحرير في الصلاة . والتطريب بقراءة القرآن لأنه خروج عن مقتضى الطبع والعادة إلى محض العبادة . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والأولين بالرفع على معنى : لا يكونن رفث ولا فسوق . والثالث بالفتح على معنى إلا خبار بانتفاء الخلاف في الحج ، وذلك أن قريشاً كانت تحالف سائر العرب فتقف بالمشعر الحرام ، فارتفع الخلاف بأن أمروا أن يقعوا أيضاً بعرفة . { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } حث على الخير عقب به النهي عن الشر ليستدل به ويستعمل مكانه . { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ } وتزودوا لمعادكم التقوى فإنه خير زاد ، وقيل : نزلت في أهل اليمن كانوا يحجون ولا يتزودون ويقولون : نحن متوكلون فيكونون كلا على الناس ، فأمروا أن يتزودوا ويتقوا الإِبرام في السؤال والتثقيل على الناس . { وَٱتَّقُونِ يأُوْلِي ٱلأَلْبَـٰبِ } فإن قضية اللب خشية الله وتقواه ، حثهم على التقوى ثم أمرهم بأن يكون المقصود بها هو الله تعالى فيتبرأ من كل شيء سواه ، وهو مقتضى العقل المعري عن شوائب الهوى فلذلك خص أولي الألباب بهذا الخطاب . { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ } أي في أن تبتغوا أي تطلبوا . { فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ } عطاء ورزقاً منه ، يريد الربح بالتجارة ، وقيل : كان عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقهم في الجاهلية يقيمونها مواسم الحج ، وكانت معايشهم منها ، فلما جاء الإسلام تأثموا منه فنزلت . { فَإِذَا أَفَضْتُم مّنْ عَرَفَـٰتٍ } دفعتم منها بكثرة ، من أفضت الماء إذا صببته بكثرة . وأصله أفضتم أنفسكم فحذف المفعول كما حذف في دفعت من البصرة . و { عَرَفَـٰتٍ } جمع سمي به كأذرعات ، وإنما نون وكسر وفيه العلمية والتأنيث لأن تنوين الجمع تنوين المقابلة لا تنوين التمكين ولذلك يجمع مع اللام ، وذهاب الكسرة تبع ذهاب التنوين من غير عوض لعدم الصرف ، وهنا ليس كذلك . أو لأن التأنيث إما أن يكون بالتاء المذكورة وهي ليست تاء تأنيث . وإنما هي مع الألف التي قبلها علامة جمع المؤنث ، أو بتاء مقدرة كما في سعاد ولا يصح تقديرها لأن المذكورة تمنعه من حيث إنها كالبدل لها لاختصاصها بالمأنث كتاء بنت ، وإنما سمي الموقف عرفة لأنه نعت لإِبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فلما أبصره عرفه أو لأن جبريل عليه السلام كان يدور به في المشاعر فلما أراه إياه قال قد عرفت ، أو لأن آدم وحواء التقيا فيه فتعارفا . أو لأن الناس يتعارفون فيه . وعرفات للمبالغة في ذلك وهي من الأسماء المرتجلة إلا أن يجعل جمع عارف ، وفيه دليل على وجوب الوقوف بها لأن الإفاضة لا تكون إلا بعده وهي مأمور بها بقوله تعالى : { ثُمَّ أَفِيضُواْ } أو مقدمة للذكر المأمور به وفيه نظر إذ الذكر غير واجب بل مستحب . وعلى تقدير أنه واجب فهو واجب مقيد لا واجب مطلق حتى تجب مقدمته والأمر به غير مطلق . { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } بالتلبية والتهليل والدعاء . وقيل : بصلاة العشاءين . { عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ } جبل يقف عليه الإمام ويسمى « قزح » . وقيل : ما بين مأزمي عرفة ووادي محسر ، ويؤيد الأول ما روي جابر : أنه عليه الصلاة والسلام لما صلى الفجر يعني بالمزدلفة بغلس ، ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام فدعا وكبر وهلل ، ولم يزل واقفاً حتى أسفر وإنما سمي مشعراً لأنه معلم العبادة ، ووصف بالحرام لحرمته : ومعنى عند المشعر الحرام : مما يليه ويقرب منه فإنه أفضل ، وإلا فالمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر . { وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } كما علمكم ، أو اذكروه ذكراً حسناً كما هداكم هداية حسنة إلى المناسك وغيرها . وما مصدرية أو كافة . { وَإِن كُنتُمْ مّن قَبْلِهِ } أي الهُدى . { لَمِنَ ٱلضَّالّينَ } أي الجاهلين بالإيمان والطاعة ، وإن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة . وقيل ؛ إن نافية واللام بمعنى إلا ، كقوله تعالى : { وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ } [ الشعراء : 186 ] { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ } أي من عرفة لا من المزدلفة ، والخطاب مع قريش كانوا يقفون بجمع وسائر الناس بعرفة ويرون ذلك ترفعاً عليهم ، فأمروا بأن يساووهم . وثم لتفاوت ما بين الإِفاضتين كما في قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم . وقيل : من المزدلفة إلى منى بعد الإِفاضة من عرفة إليها والخطاب عام . وقرىء { ٱلنَّاسِ } بالكسر أي الناسي يريد آدم من قوله سبحانه وتعالى : { فَنَسِيَ } [ طه : 88 ] والمعنى أن الإِفاضة من عرفة شرع قديم فلا تغيروه . { وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ } من جاهليتكم في تغيير المناسك ونحوه . { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } يغفر ذنب المستغفر وينعم عليه .