Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 215-217)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَسْـئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ } عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ( أن عمرو بن الجموح الأنصاري كان شيخاً ذا مال عظيم ، فقال يا رسول الله ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها فنزلت ) { قُلْ مَا أَنفَقْتُم مّنْ خَيْرٍ فَلِلْوٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينَ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } سئل عن المنفق فأجيب ببيان المصرف لأنه أهم فإن اعتداد النّفقة باعتباره ، ولأنه كان في سؤال عمرو وإن لم يكن مذكوراً في الآية ، واقتصر في بيان المنفق على ما تضمنه قوله ما أنفقتم من خير . { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ } في معنى الشرط . { فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } جوابه أي إن تفعلوا خيراً فإن الله يعلم كنهه ويوفي ثوابه ، وليس في الآية ما ينافيه فرض الزكاة لينسخ به . { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ } شاق عليكم مكروه طبعاً ، وهو مصدر نعت به للمبالغة ، أو فعل بمعنى مفعول كالخبز . وقرىء بالفتح على أنه لغة فيه كالضعف والضعف ، أو بمعنى الإِكراه على المجاز كأنهم أكرهوا عليه لشدته وعظم مشقته كقوله تعالى : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } [ الأحقاف : 15 ] { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } وهو جميع ما كلفوا به ، فإن الطبع يكرهه وهو مناط صلاحهم وسبب فلاحهم . { وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ } وهو جميع ما نهوا عنه ، فإن النفس تحبه وتهواه وهو يفضي بها إلى الردى ، وإنما ذكر { عَسَى } لأن النفس إذا ارتاضت ينعكس الأمر عليها . { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ } ما هو خير لكم . { وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ذلك ، وفيه دليل على أن الأحكام تتبع المصالح الراجحة وإن لم يعرف عينها { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } روي ( أنه عليه الصلاة والسلام بعث عبد الله بن جحش ابن عمته على سرية في جمادى الآخرة قبل بدر بشهرين ليترصّد عيراً لقريش فيها عمرو بن عبد الله الخضرمي وثلاثة معه ، فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير وفيها من تجارة الطائف ، وكان ذلك غرة رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة ، فقالت قريش : استحل محمد الشهر الحرام شهراً يأمن فيه الخائف ، وينذعر فيه الناس إلى معايشهم . وشق ذلك على أصحاب السرية وقالوا ما نبرح حتى تنزل توبتنا ، ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسارى ) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما ( لما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنيمة وهي أول غنيمة في الإسلام ) والسائلون هم المشركون كتبوا إليه في ذلك تشنيعاً وتعييراً وقيل أصحاب السرية . { قِتَال فِيهِ } بدل اشتمال من الشهر الحرام . وقرىء « عن قتال » بتكرير العامل . { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } أي ذنب كبير ، والأكثر أنه منسوخ بقوله تعالى : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] خلافاً لعطاء وهو نسخ الخاص بالعام وفيه خلاف ، والأولى منع دلالة الآية على حرمة القتال في الشهر الحرام مطلقاً فإن قتال فيه نكرة في حيز مثبت فلا يعم . { وَصَدٌّ } صرف ومنع . { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي الإسلام ، أو ما يوصل العبد إلى الله سبحانه وتعالى من الطاعات . { وَكُفْرٌ بِهِ } أي بالله . { وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } على إرادة المضاف أي وصد المسجد الحرام كقول أبي دؤاد : @ أَكْلَّ امرِىءِ تَحْسَبِينَ امرأ وَنَار توقدُ بِاللَّيْلِ نَارا @@ ولا يحسن عطفه على { سَبِيلِ ٱللَّهِ } لأن عطف قوله : { وَكُفْرٌ بِهِ } على { وَصَدٌّ } مانع منه إذ لا يتقدم العطف على الموصول على العطف على الصلة ولا على الهاء في { بِهِ } ، فإن العطف على الضمير المجرور إنما يكون بإعادة الجار . { وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ } أهل المسجد الحرام وهم النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون . { أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } مما فعلته السرية خطأ وبناء على الظن ، وهو خبر عن الأشياء الأربعة المعدودة من كبائر قريش . وأفعل مما يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث . { وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ } أي ما ترتكبونه من الإخراج والشرك أفظع مما ارتكبوه من قتلى الحضرمي . { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ } إخبار عن دوام عداوة الكفار لهم وإنهم لا ينفكون عنها حتى يردوهم عن دينهم ، وحتى للتعليل كقولك أعبد الله حتى أدخل الجنة . { إِنِ اسْتَطَاعُواْ } وهو استبعاد لاستطاعتهم كقول الواثق بقوته : على قرنه إن ظفرت بي فلا تبق علي ، وإيذان بأنهم لا يردونهم . { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ } قيد الردة بالموت عليها في إحباط الأعمال كما هو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى ، والمراد بها الأعمال النافعة . وقرىء { حَبَطَتْ } بالفتح وهي لغة فيه . { فِى ٱلدُّنْيَا } لبطلان ما تخيلوه وفوات ما للإسلام من الفوائد الدنيوية . { وَٱلاْخِرَةِ } بسقوط الثواب . { وَأُوْلـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } كسائر الكفرة .