Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 282-282)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ } أي إذا داين بعضكم بعضاً ، تقول : داينته إذا عاملته نسيئة معطياً أو آخذاً . وفائدة ذكر الدين أن لا يتوهم من التداين المجازاة ويعلم تنوعه إلى المؤجل والحال ، وأنه الباعث على الكتبة ويكون مرجع ضمير فاكتبوه { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } معلوم الأيام والأشهر لا بالحصاد وقدوم الحاج . { فَٱكْتُبُوهُ } لأنه أوثق وادفع للنزاع ، والجمهور على أنه استحباب . وعن ابن عباس رضي الله عنهما ( أن المراد به السلم وقال لما حرم الله الربا أباح السلم ) . { وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُم كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ } من يكتب السوية لا يزيد ولا ينقص ، وهو في الحقيقة أمر للمتداينين باختيار كاتب فقيه دين حتى يجيء مكتوبه موثوقاً به معدلاً بالشرع . { وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ } ولا يمتنع أحد من الكتاب . { أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ } مثل ما علمه الله من كتبة الوثائق ، أو لا يأب أن ينفع الناس بكتابته كما نفعه الله بتعليمها كقوله : { وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } [ القصص : 77 ] { فَلْيَكْتُبْ } تلك الكتابة المعلمة . أمر بها بعد النهي عن الإِباء عنها تأكيداً ، ويجوز أن تتعلق الكاف بالأمر فيكون النهي عن الامتناع منها مطلقة ثم الأمر بها مقيدة . { وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ } وليكن المملي من عليه الحق لأنه المقر المشهود عليه ، والإِملال والإِملاء واحد . { وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ } أي المملي . أو الكاتب . { وَلاَ يَبْخَسْ } ولا ينقص . { مِنْهُ شَيْئاً } أي من الحق ، أو مما أملى عليه . { فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهًا } ناقص العقل مبذراً . { أَوْ ضَعِيفًا } صبياً أو شيخاً مختلاً . { أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ } أو غير مستطيع للإِملال بنفسه لخرس أو جهل باللغة . { فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ } أي الذي يلي أمره ويقوم مقامه من قيم إن كان صبياً أو مختل العقل ، أو وكيل أو مترجم إن كان غير مستطيع . وهو دليل جريان النيابة في الإِقرار ولعله مخصوص بما تعاطاه القيم أو الوكيل . { وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ } واطلبوا أن يشهد على الدين شاهدان . { مّن رّجَالِكُمْ } من رجال المسلمين ، وهو دليل اشتراط إسلام الشهود وإليه ذهب عامة العلماء وقال أبو حنيفة : تقبل شهادة الكفار بعضهم على بعض . { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ } فإن لم يكن الشاهدان رجلين . { فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ } فليشهد أو فليستشهد رجل وامرأتان ، وهذا مخصوص بالأموال عندنا وبما عدا الحدود والقصاص عند أبي حنيفة . { مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَاء } لعلمكم بعدالتهم . { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ } علة اعتبار العدد أي لأجل أن إحداهما إن ضلت الشهادة بأن نسيتها ذكرتها الأخرى ، والعلة في الحقيقة التذكير ولكن لما كان الضلال سبباً له نزل منزلته كقولهم : أعددت السلاح أن يجيء عدو فأدفعه ، وكأنه قيل : إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت ، وفيه إشعار بنقصان عقلهن وقلة ضبطهن . وقرأ حمزة { أَن تَضِلَّ } على الشرط فتذكر بالرفع . وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب { فَتُذَكّرَ } من الإِذكار . { وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ } لأداء الشهادة أو التحمل . وسموا شهداء قبل التحمل تنزيلاً لما يشارف منزلة الواقع و { مَا } مزيدة . { وَلاَتَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوه } ولا تملوا من كثرة مدايناتكم أن تكتبوا الدين أو الحق أو الكتاب . وقيل كنى بالسأم عن الكسل لأنه صفة المنافق ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام " لا يقول المؤمن كسلت " { صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا } صغيراً كان الحق أو كبيراً ، أو مختصراً كان الكتاب أو مشبعاً . { إِلَى أَجَلِهِ } إلى وقت حلوله الذي أقر به المديون . { ذٰلِكُمْ } إشارة إلى أن تَكتبوه . { أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } أكثر قسطاً . { وَأَقْوَمُ لِلشَّهَـٰدَةِ } وأثبت لها وأعون على إقامتها ، وهما مبنيان من أقسط وأقام على غير قياس ، أو من قاسط بمعنى ذي قسط وقويم ، وإنما صحت الواو في { أَقْوَمُ } كما صحت في التعجب لجموده . { وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ } وأقرب في أن لا تشكوا في جنس الدين وقدره وأجله والشهود ونحو ذلك . { إِلا أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا } استثناء من الأمر بالكتابة والتجارة الحاضرة تعم المبايعة بدين أو عين ، وإدارتها بينهم تعاطيهم إياها يداً بيد أي : إلا أن تتبايعوا يداً بيد فلا بأس أن لا تكتبوا ، لبعده عن التنازع والنسيان . ونصب عاصم { تِجَـٰرَةً } على أنه الخبر والاسم مضمر تقديره إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة كقوله : @ بَني أَسَدٍ هَلْ تَعْلَمُونَ بَلاَءَنَا إذَا كَانَ يَوْماً ذَا كَوَاكِبَ أَشْنَعا @@ ورفعها الباقون على أنها الاسم والخبر تديرونها أو على كان التامة . { وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } هذا التبايع ، أو مطلقاً لأنه أحوط . والأوامر التي في هذه الآية للاستحباب عند أكثر الأئمة . وقيل : إنها للوجوب ثم اختلف في إحكامها ونسخها . { وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ } يحتمل البناءين ، ويدل عليه أنه قرىء { وَلاَ يُضَارَّ } بالكسر والفتح . وهو نهيهما عن ترك الإِجابة والتحريف والتغيير في الكتب والشهادة ، أو النهي عن الضرار بهما مثل أن يعجلا عن مهم ويكلفا الخروج عما حد لهما ، ولا يعطى الكاتب جعله ، والشهيد مؤنة مجيئه حيث كان . { وَإِن تَفْعَلُواْ } الضرار أو ما نهيتم عنه . { فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ } خروج عن الطاعة لا حق بكم . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في مخالفة أمره ونهيه . { وَيُعَلّمُكُمُ ٱللَّهُ } أحكامه المتضمنة لمصالحكم . { وَٱللَّهُ بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ } كرر لفظه الله في الجمل الثلاث لاستقلالها ، فإن الأولى حث على التقوى ، والثانية وعد بإنعامه ، والثالثة تعظيم لشأنه . ولأنه أدخل في التعظيم من الكناية .