Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 32-33)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالُواْ سُبْحَـٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا } اعتراف بالعجز والقصور ، وإشعار بأن سؤالهم كان استفساراً ولم يكن اعتراضاً ، وأنه قد بان لهم ما خفي عليهم من فضل الإنسان والحكمة في خلقه ، وإظهار لشكر نعمته بما عرفهم وكشف لهم ما اعتقل عليهم ، ومراعاة للأدب بتفويض العلم كله إليه . وسبحان : مصدر كغفران ولا يكاد يستعمل إلا مضافاً منصوباً بإضمار فعله ، كمعاذ الله . وقد أُجْرِيَ علماً للتسبيح بمعنى التنزيه على الشذوذ في قوله : سبحان من علقمة الفاخر . وتصدير الكلام به اعتذار عن الاستفسار والجهل بحقيقة الحال ، ولذلك جعل مفتاح التوبة فقال موسى عليه السلام : { سُبْحَـٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 143 ] وقال يونس : { سُبْحَـٰنَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } [ الأنبياء : 87 ] { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَلِيمُ } الذي لا يخفي عليه خافية . { ٱلْحَكِيمُ } المحكم لمبدعاته الذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة . وأنت فصل ، وقيل : تأكيد للكاف كما في قولك : مررت بك أنت ، وإن لم يجز : مررت بأنت ، إذ التابع يسوغ فيه ما لا يسوغ في المتبوع ، ولذلك جاز : يا هذا الرجل ، ولم يجز : يا الرجل ، وقيل : مبتدأ خبره ما بعده والجملة خبر إن . { قَالَ يَـاءادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ } أي : أعلمهم ، وقرىء بقلب الهمزة ياء وحذفها بكسر الهاء فيهما . { فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِم قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } استحضار لقوله تعالى : { إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 30 ] لكنه جاء به على وجه أبسط ليكون كالحجة عليه ، فإنه تعالى لما علم ما خفي عليهم من أمور السماوات والأرض ، وما ظهر لهم من أحوالهم الظاهرة والباطنة علم ما لا يعلمون ، وفيه تعريض بمعاتبتهم على ترك الأولى ، وهو أن يتوقفوا مترصدين لأن يبين لهم ، وقيل : { مَا تُبْدُونَ } قولهم : أتجعل فيها من يفسد فيها . وما { تَكْتُمُونَ } استبطانهم أنهم أحقاء بالخلافة ، وأنه تعالى لا يخلق خلقاً أفضل منهم . وقيل : ما أظهروا من الطاعة ، وأسر إبليس منهم من المعصية ، والهمزة للإنكار دخلت حرف الجحد فأفادت الإثبات والتقرير . واعلم أن هذه الآيات تدل على شرف الإنسان ، ومزية العلم وفضله على العبادة ، وأنه شرط في الخلافة بل العمدة فيها ، وأن التعليم يصح إسناده إلى الله تعالى ، وإن لم يصح إطلاق المعلم عليه لاختصاصه بمن يحترف به ، وأن اللغات توقيفية ، فإن الأسماء تدل على الألفاظ بخصوص أو عموم ، وتعليمها ظاهر في إلقائها على المتعلم مبيناً له معانيها ، وذلك يستدعي سابقة وضع ، والأصل ينفي أن يكون ذلك الوضع ممن كان قبل آدم فيكون من الله سبحانه وتعالى ، وأن مفهوم الحكمة زائد على مفهوم العلم وإلا لتكرر قوله : { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } وأن علوم الملائكة وكمالاتهم تقبل الزيادة ، والحكماء منعوا ذلك في الطبقة العليا منهم ، وحملوا عليه قوله تعالى : { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [ الصافات : 164 ] وأن آدم أفضل من هؤلاء الملائكة لأنه أعلم منهم ، والأعلم أفضل لقوله تعالى : { هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر : 9 ] وأنه تعالى يعلم الأشياء قبل حدوثها .