Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 6-6)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } لما ذكر خاصة عباده ، وخلاصة أوليائه بصفاتهم التي أهلتهم للهدى والفلاح ، عقبهم بأضدادهم العتاة المردة ، الذين لا ينفع فيهم الهدى ولا تغني عنهم الآيات والنذر ، ولم يعطف قصتهم على قصة المؤمنين كما عطف في قوله تعالى : { إِنَّ ٱلاْبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ } [ الإنفطار : 13 - 14 ] لتباينهما في الغرض ، فإن الأولى سيقت لذكر الكتاب وبيان شأنه والأخرى مسوقة لشرح تمردهم ، وانهماكهم في الضلال ، و ( إن ) من الحروف التي تشابه الفعل في عدد الحروف والبناء على الفتح ولزوم الأسماء وإعطاء معانيه ، والمتعدي خاصة في دخولها على اسمين . ولذلك أعملت عمله الفرعي وهو نصب الجزء الأول ورفع الثاني إيذاناً بأنه فرع في العمل دخيل فيه . وقال الكوفيون : الخبر قبل دخولها كان مرفوعاً بالخبرية ، وهي بعد باقية مقتضية للرفع قضية للاستصحاب فلا يرفعه الحرف . وأجيب بأن اقتضاء الخبرية الرفع مشروط بالتجرد لتخلفه عنها في خبر كان ، وقد زال بدخولها فتعين إعمال الحرف . وفائدتها تأكيد النسبة وتحقيقها ، ولذلك يُتَلَقَّى بها القَسَم ويصدر بها الأجوبة ، وتذكر في معرض الشك مثل قوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مّنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى ٱلأَرْضِ } [ الكهف : 83 - 84 ] ، { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنَ إِنّى رَسُولٌ مِن رَّبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [ الأعراف : 104 ] قال المبرد : " قولك : عبد الله قائم ، إخبار عن قيامه ، وإن عبد الله قائم ، جواب سائل عن قيامه ، وإن عبد الله لقائم ، جواب منكر لقيامه " . وتعريف الموصول : إما للعهد ، والمراد به ناس بأعيانهم كأبي لهب ، وأبي جهل ، والوليد بن المغيرة ، وأحبار اليهود . أو للجنس ، متناولاً من صمم على الكفر ، وغيرهم . فخص منهم غير المصرين بما أسند إليه . والكفر لغة : ستر النعمة ، وأصله الكَفْر بالفتح وهو الستر ، ومنه قيل للزارع ولليل كافر ، ولكمام الثمرة كافور . وفي الشرع : إنكار ما علم بالضرورة مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم به ، وإنما عُدَّ لبس الغيار وشد الزنار ونحوهما كفراً لأنها تدل على التكذيب ، فإن من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجترىء عليها ظاهراً لا أنها كفر في أنفسها . واحتجت المعتزلة بما جاء في القرآن بلفظ الماضي على حدوثه لاستدعائه سابقة المخبر عنه ، وأجيب بأنه مقتضى التعلق وحدوثه لا يستلزم حدوث الكلام كما في العلم . { سَوَاء عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ } خبر إن وسواء اسم بمعنى الاستواء ، نعت به كما نعت بالمصادر قال الله تعالى : { تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } [ آل عمرآن : 64 ] رفع بأنه خبر إن وما بعده مرتفع به على الفاعلية كأنه قيل : إن الذين كفروا مستوٍ عليهم إنذارك وعدمه ، أو بأنه خبر لما بعده بمعنى : إنذارك وعدمه سيان عليهم ، والفعل إنما يمتنع الإخبار عنه إذا أريد به تمام ما وضع له ، أما لو أطلق وأريد به اللفظ ، أو مطلق الحدث المدلول عليه ضمناً على الاتساع فهو كالاسم في الإضافة ، والإسناد إليه كقوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءامِنُواْ } [ البقرة : 13 ] وقوله : { يَوْمَ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدْقُهُمْ } [ المائدة : 119 ] وقولهم : تَسْمَعُ بِالْمِعيديِّ خَيرٌ مِنْ أَنْ تَراَه . وإنما عدل ههنا عن المصدر إلى الفعل لما فيه من إيهام التجدد وحسن دخول الهمزة ، وأم عليه لتقرير معنى الاستواء وتأكيده ، فإنهما جردتا عن معنى الاستفهام لمجرد الاستواء ، كما جردت حروف النداء عن الطلب لمجرد التخصيص في قولهم : اللهم اغفر لنا أيتها العصابة . والإنذار : التخويف أريد به التخويف من عذاب الله ، وإنما اقتصر عليه دون البشارة لأنه أوقع في القلب وأشد تأثيراً في النفس ، من حيث إن دفع الضر أهم من جلب النفع ، فإذا لم ينفع فيهم كانت البشارة بعدم النفع أولى ، وقرىء { ءَأَنذَرْتَهُمْ } بتحقيق الهمزتين وتخفيف الثانية بين بين ، وقلبها ألفاً وهو لحن لأن المتحركة لا تقلب ، ولأنه يؤدي إلى جمع الساكنين على غير حده ، وبتوسيط ألف بينهما محققتين ، وبتوسيطها والثانية بين بين وبحذف الاستفهامية ، وبحذفها وإلقاء حركتها على الساكن قبلها . { لاَ يُؤْمِنُونَ } جملة مفسرة لإجمال ما قبلها فيما فيه الاستواء فلا محل لها أو حال مؤكدة . أو بدل عنه . أو خبر إن والجملة قبلها اعتراض بما هو علة الحكم . والآية مما احتج به من جوز تكليف ما لا يطاق ، فإنه سبحانه وتعالى أخبر عنهم بأنهم لا يؤمنون وأمرهم بالإيمان ، فلو آمنوا انقلب خبره كذباً . وشمل إيمانهم الإيمان بأنهم لا يؤمنون فيجتمع الضدان ، والحق أن التكليف بالممتنع لذاته وإن جاز عقلاً من حيث إن الأحكام لا تستدعي غرضاً سيما الامتثال ، لكنه غير واقع للاستقراء ، والإخبار بوقوع الشيء أو عدمه لا ينفي القدرة عليه كإخباره تعالى عما يفعله هو أو العبد باختياره ، وفائدة الإنذار بعد العلم بأنه لا ينجح إلزام الحجة ، وحيازة الرسول فضل الإبلاغ ، ولذلك قال { سَوَاء عَلَيْهِمْ } ولم يقل سواء عليك . كما قال لعبدة الأصنام { سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَـٰمِتُونَ } . وفي الآية إخبار بالغيب على ما هو به إن أريد بالموصول أشخاص بأعيانهم فهي من المعجزات .