Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 10-20)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِذْ رَأَى نَاراً } ظرف للـ { حَدِيثُ } لأنه حدث أو مفعول لأذكر . قيل إنه استأذن شعيباً عليهما الصلاة والسلام في الخروج إلى أمه ، وخرج بأهله فلما وافى وادي طوى وفيه الطور ولد له ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة ، وكانت ليلة الجمعة وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته إذا رأى من جانب الطور ناراً . { فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُواْ } أقيموا مكانكم . وقرأ حمزة « لأهله امكثوا ها هنا » ، وفي « القصص » بضم الهاء في الوصل والباقون بكسرها . { إِنّى آنَسْتُ نَاراً } أبصرتها إبصاراً لا شبهة فيه ، وقيل الإيناس إبصار ما يؤنس به . { لَّعَلِّي آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ } بشعلة من النار وقيل جمرة . { أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } هادياً يدلني على الطريق أو يهديني أبواب الدين ، فإن أفكار الأبرار مائلة إليها في كل ما يعن لهم . ولما كان حصولهما مترتباً بني الأمر فيهما على الرجاء بخلاف الإيناس ، فإنه كان محققاً ولذلك حققه لهم ليوطنوا أنفسهم عليه ، ومعنى الاستعلاء في { عَلَى ٱلنَّارِ } أن أهلها مشرفون عليها أو مستعلون المكان القريب منها كما قال سيبويه في : مررت بزيد إنه لصوق بمكان يقرب منه . { فَلَمَّا أَتَـٰهَا } أي النار وجد ناراً بيضاء تتقد في شجرة خضراء . { نُودِىَ يٰمُوسَىٰ } . { إِنّى أَنَاْ رَبُّكَ } فتحه ابن كثير وأبو عمرو أي بأني وكسره الباقون بإضمار القول أو إجراء النداء مجراه ، وتكرير الضمير للتوكيد والتحقيق . قيل إنه لما نودي قال : من المتكلم قال : إني أنا الله ، فوسوس إليه إبليس لعلك تسمع كلام شيطان فقال : أنا عرفت أنه كلام الله بأني أسمعه من جميع الجهات وبجميع الأعضاء . وهو إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام تلقى من ربه كلامه تلقياً روحانياً ، ثم تمثل ذلك الكلام لبدنه وانتقل إلى الحس المشترك فانتقش به من غير اختصاص بعضو وجهة . { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ } أمره بذلك لأن الحفوة تواضع وأدب ولذلك طاف السلف حافين . وقيل لنجاسة نعليه فإنهما كانتا من جلد حمار غير مدبوغ . وقيل معناه فرغ قلبك من الأهل والمال . { إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ } تعليل للأمر باحترام البقعة والمقدس يحتمل المعنيين . { طُوًى } عطف بيان للوادي ونونه ابن عامر والكوفيون بتأويل المكان . وقيل هو كثني من الطي مصدر لـ { نُودِىَ } أو { ٱلْمُقَدَّسِ } أي : نودي نداءين أو قدس مرتين . { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ } اصطفيتك للنبوة وقرأ حمزة « وإنا اخترناك » . { فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } للذي يوحى إليك ، أو للوحي واللام تحتمل التعلق بكل من الفعلين . { إِنَّنِى أَنَا ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلا أَنَاْ فَٱعْبُدْنِى } بدل مما يوحى دال على أنه مقصور على تقرير التوحيد الذي هو منتهى العلم والأمر بالعبادة التي هي كمال العمل . { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي } خصها بالذكر وأفردها بالأمر للعلة التي أناط بها إقامتها ، وهو تذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره . وقيل { لِذِكْرِى } لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها ، أو لأن أذكرك بالثناء ، أو { لِذِكْرِى } خاصة لا ترائي بها ولا تشوبها بذكر غيري . وقيل لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة أو لذكر صلاتي . لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال " من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها إن الله تعالى يقول أقم الصلاة لذكري " { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءاتِيَةٌ } كائنة لا محالة . { أَكَادُ أُخْفِيهَا } أريد إخفاء وقتها ، أو أقرب أن أخفيها فلا أقول إنها آتية ولولا ما في الأخبار بإتيانها من اللطف وقطع الأعذار لما أخبرت به ، أو أكاد أظهرها من أخفاه إذا سلب خفاءه ، ويؤيده القراءة بالفتح من خفاه إذا أظهره . { لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } متعلق بـ { ءَاتِيَةٌ } أو بـ { أُخْفِيهَا } على المعنى الأخير . { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا } عن تصديق الساعة ، أو عن الصلاة . { مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا } نهي الكافر أن يصد موسى عليه الصلاة والسلام عنها ، والمراد نهيه أن يصد عنها كقولهم : لا أرينك ها هنا ، تنبيهاً على أَن فطرته السليمة لو خليت بحالها لاختارها ولم يعرض عنها ، وأنه ينبغي أن يكون راسخاً في دينه فإن صد الكافر إنما يكون بسبب ضعفه فيه . { وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } ميل نفسه إلى اللذات المحسوسة المخدجة فقصر نظره عن غيرها . { فَتَرْدَىٰ } فتهلك بالانصداد بصده . { وَمَا تِلْكَ } استفهام يتضمن استيقاظاً لما يريه فيها من العجائب . { بِيَمِينِكَ } حال من معنى الإِشارة ، وقيل صلة { تِلْكَ } . { يَا مُوسَىٰ } تكرير لزيادة الاستئناس والتنبيه . { قَالَ هِىَ عَصَايَ } وقرىء « عصي » على لغة هذيل . { أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيْهَا } أعتمد عليها إذا أعييت أو وقفت على رأس القطيع . { وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِى } وأخبط الورق بها على رؤوس غنمي ، وقرىء { أهش } وكلاهما من هش الخبز يهش إذا انكسر لهشاشته ، وقرىء بالسين من الهس وهو زجر الغنم أي أنحى عليها زاجراً لها . { وَلِىَ فِيهَا مَأَرِبُ أُخْرَىٰ } حاجات أخر مثل أن كان إذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته ، وعرض الزندين على شعبيتها وألقى عليها الكساء واستظل به ، وإذا قصر الرشاء وصله بها ، وإذا تعرضت السباع لغنمه قاتل بها ، وكأنه صلى الله عليه وسلم فهم أن المقصود من السؤال أن يذكر حقيقتها وما يرى من منافعها ، حتى إذا رآها بعد ذلك على خلاف تلك الحقيقة ووجد منها خصائص أخرى خارقة للعادة مثل أن تشتعل شعبتاه بالليل كالشمع ، وتصيران دلواً عند الاستقاء ، وتطول بطول البئر وتحارب عنه إذا ظهر عدو ، وينبع الماء بركزها ، وينضب بنزعها وتورق وتثمر إذا اشتهى ثمرة فركزها ، على أن ذلك آيات باهرة ومعجزات قاهرة أحدثها الله فيها لأجله وليست من خواصها ، فذكر حقيقتها ومنافعها مفصلاً ومجملاً على معنى أنها من جنس العصي تنفع منافع أمثالها ليطابق جوابه الغرض الذي فهمه . { قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ فَأَلْقَـٰهَا فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } قيل لما ألقاها انقلبت حية صفراء بغلظ العصا ثم تورمت وعظمت فلذلك سماها جاناً تارة نظراً إلى المبدأ وثعباناً مرة باعتبار المنتهى ، وحية أخرى باعتبار الاسم الذي يعم الحالين . وقيل كانت في ضخامة الثعبان وجلادة الجان ولذلك قال { كَأَنَّهَا جَآنٌّ } [ النمل : 10 ] .