Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 25-40)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِى صَدْرِى وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى } لما أمره الله بخطب عظيم وأمر جسيم سأله أن يشرح صدره ويفسح قلبه لتحمل أعبائه والصبر على مشاقه ، والتلقي لما ينزل عليه ويسهل الأمر له بإحداث الأسباب ورفع الموانع ، وفائدة لي إبهام المشروح والميسر أولاً ، ثم رفعه بذكر الصدر والأمر تأكيداً ومبالغة . { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى يَفْقَهُواْ قَوْلِي } فإنما يحسن التبليغ من البليغ وكان في لسانه رتة من جمرة أدخلها فاه ، وذلك أن فرعون حمله يوماً فأخذ بلحيته ونتفها ، فغضب وأمر بقتله فقالت آسية : إنه صبي لا يفرق بين الجمر والياقوت ، فأحضرا بين يديه فأخذ الجمرة ووضعها في فيه . ولعل تبييض يده كان لذلك . وقيل احترقت يده فاجتهد فرعون في علاجها فلم تبرأ ، ثم لما دعاه قال إلى أي رب تدعوني قال إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنه . واختلف في زوال العقدة بكمالها فمن قال به تمسك بقوله { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } [ طه : 36 ] ومن لم يقل احتج بقوله { هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَاناً } [ القصص : 34 ] وقوله { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } [ الزخرف : 52 ] وأجاب عن الأول بأنه لم يسأل حل عقدة لسانه مطلقاً بل عقدة تمنع الإِفهام ولذلك نكرها وجعل يفقهوا جواب الأمر ، ومن لساني يحتمل أن يكون صفة عقدة وأن يكون صلة احلل . { وَٱجْعَل لِّّى وَزِيراً مِّنْ أَهْلِى هَـٰرُونَ أَخِى } يعينني على ما كلفتني به ، واشتقاق الوزير إما من الوزير لأنه يحمل الثقل عن أميره ، أو من الوزر وهو الملجأ لأن الأمير يعتصم برأيه ويلتجىء إليه في أموره ، ومنه الموازرة وقيل أصله أزير من الأزر بمعنى القوة ، فعيل بمعنى مفاعل كالعشير والجليس قلبت همزته واواً كقلبها في موازر . ومفعولاً اجعل وزيراً ، و { هَـٰرُونَ } قدم ثانيهما للعناية به و { لِى } صلة أو حال أو { لّى وَزِيراً } و { هَـٰرُونَ } عطف بيان للوزير ، أو { وَزِيراً مّنْ أَهْلِى } و { لِى } تبيين كقوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } . و { أَخِى } على الوجوه بدل من { هَـٰرُونَ } أو مبتدأ خبره . { ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِى وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى } على لفظ الأمر وقرأهما ابن عامر بلفظ الخبر على أنهما جواب الأمر . { كَىْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } فإن التعاون يهيج الرغبات ويؤدي إلى تكاثر الخير وتزايده . { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً } عالماً بأحوالنا وأن التعاون مما يصلحنا ، وأن هرون نعم المعين لي فيما أمرتني به . { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } أي مسؤولك ، فعل بمعنى مفعول كالخبز والأكل بمعنى المخبوز والمأكول . { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } أي أنعمنا عليك في وقت آخر . { إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ } بإلهام أو في منام أو على لسان نبي في وقتها أو ملك لا على وجه النبوة كما أوحي إلى مريم . { مَا يُوحَىٰ } ما لا يعلم إلا بالوحي ، أو مما ينبغي أن يوحى ولا يخل به لعظم شأنه وفرط الاهتمام به . { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِى ٱلتَّابُوتِ } بأن اقذفيه ، أو أي اقذفيه لأن الوحي بمعنى القول . { فَٱقْذِفِيهِ فِى ٱلْيَمِّ } والقذف يقال للإِلقاء وللوضع كقوله تعالى : { وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } [ الأحزاب : 26 ] وكذلك الرمي كقوله : @ غُلاَمٌ رَمَاهُ الله بِالحُسْنِ يَافِعاً @@ { فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ } لما كان إلقاء البحر إياه إلى الساحل أمراً واجب الحصول لتعلق الإِرادة به ، وجعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع أمره بذلك وأخرج الجواب مخرج الأمر ، والأولى أن تجعل الضمائر كلها لموسى مراعاة للنظم ، فالمقذوف في البحر والملقى إلى الساحل وإن كان التابوت بالذات فموسى بالعرض . { يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّى وَعَدُوٌّ لَّهُ } جواب { فَلْيُلْقِهِ } وتكرير { عَدُوٌّ } للمبالغة ، أو لأن الأول باعتبار الواقع والثاني باعتبار المتوقع . قيل إنها جعلت في التابوت قطناً ووضعته فيه ثم قبرته وألقته في اليم ، وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر فدفعه الماء إليه فأداه إلى بركة في البستان ، وكان فرعون جالساً على رأسها مع امرأته آسية بنت مزاحم ، فأمر به فأخرج ففتح فإذا هو صبي أصبح الناس وجهاً فأحبه حباً شديداً كما قال سبحانه وتعالى : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى } أي محبة كائنة مني قد زرعتها في القلوب بحيث لا يكاد يصبر عنك من رآك فلذلك أحبك فرعون ، ويجوز أن يتعلق { مِنّي } بـ { ألقيت } أي أحببتك ومن أحبه الله أحبته القلوب ، وظاهر اللفظ أن اليم ألقاه بساحله وهو شاطئه لأن الماء يسحله فالتقط منه ، لكن لا يبعد أن يؤول الساحل بجنب فوهة نهره . { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِى } لتربى ويحسن إليك وأنا راعيك وراقبك ، والعطف على علة مضمرة مثل ليتعطف عليك ، أو على الجملة السابقة بإضمار فعل معلل مثل فعلت ذلك . وقرىء { وَلِتُصْنَعْ } بكسر اللام وسكونها والجزم على أنه أمر { وَلِتُصْنَعَ } بالنصب وفتح التاء أي وليكن عملك على عين مني لئلا تخالف به عن أمري . { إِذْ تَمْشِى أُخْتُكَ } ظرف لـ { ألقيت } أو { لتصنع } أو بدل من { إِذْ أَوْحَيْنَا } على أن المراد بها وقت متسع . { فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ } وذلك لأنه كان لا يقبل ثدي المراضع ، فجاءت أخته مريم متفحصة خبره فصادفتهم يطلبون له مرضعة يقبل ثديها فقالت { هَلْ أَدُلُّكُمْ } فجاءت بأمه فقبل ثديها . { فَرَجَعْنَـٰكَ إِلَىٰ أُمِّكَ } وفاء بقولنا { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ } [ القصص : 7 ] { كَى تَقَرَّ عَيْنُها } بلقائك . { وَلاَ تَحْزَنْ } هي بفراقك أو أنت على فراقها وفقد إشفاقها . { وَقَتَلْتَ نَفْساً } نفس القبطي الذي استغاثه عليه الإِسرائيلي . { فَنَجَّيْنَـٰكَ مِنَ ٱلْغَمِّ } غم قتله خوفاً من عقاب الله تعالى واقتصاص فرعون بالمغفرة والأمن منه بالهجرة إلى مدين . { وَفَتَنَّـٰكَ فُتُوناً } وابتليناك ابتلاء ، أو أنواعاً من الابتلاء على أنه جمع فتن أو فتنة على ترك الاعتداد بالتاء كحجوز وبدور في حجزة وبدرة ، فخلصناك مرة بعد أخرى وهو إجمال لما ناله في سفره من الهجرة عن الوطن ومفارقة الألاّف ، والمشي راجلاً على حذر وفقد الزاد وأجر نفسه إلى غير ذلك أوله ولما سبق ذكره . { فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ } لبثت فيهم عشر سنين قضاء لأوفى الأجلين ، ومدين على ثمان مراحل من مصر . { ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ } قدرته لأن أكلمك وأستنبئك غير مستقدم وقته المعين ولا مستأخر ، أو على مقدار من السن يوحى فيه إلى الأنبياء . { يَا مُوسَىٰ } كرره عقيب ما هو غاية الحكاية للتنبيه على ذلك .