Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 53-70)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } مرفوع صفة لـ { رَبّى } أو خبر لمحذوف أو منصوب على المدح . وقرأ الكوفيون هنا وفي « الزخرف » { مهداً } أي كالمهد تتمدونها ، وهو مصدر سمي به ، والباقون مهاداً وهو اسم ما يمهد كالفراش أو جمع مهد ولم يختلفوا في الذي في « النبأ » . { وَسَلَكَ لَكُمْ سُبُلاً } وجعل لكم فيها سبلاً بين الجبال والأودية والبراري تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها . { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً } مطراً . { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } عدل به عن لفظ الغيبة إلى صيغة التكلم على الحكاية لكلام الله تعالى ، تنبيهاً على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة وإيذاناً بأنه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لمشيئته ، وعلى هذا نظائره كقوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا } [ فاطر : 27 ] { أَم مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ } [ النمل : 60 ] الآية . { أَزْوٰجاً } أصنافاً سميت بذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض . { مّن نَّبَـٰتٍ } بيان أو صفة لأزواجاً وكذلك : { شَتَّىٰ } ويحتمل أن يكون صفة لـ { نَبَاتُ } فإنه من حيث إنه مصدر في الأصل يستوي فيه الواحد والجمع ، وهو جمع شتيت كمريض ومرضى أي متفرقات في الصور والأغراض والمنافع يصلح بعضها للناس وبعضها للبهائم فلذلك قال : { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَـٰمَكُمْ } وهو حال من ضمير { فَأَخْرَجْنَا } على إرادة القول أي أخرجنا أصناف النبات قائلين { كُلُواْ وَٱرْعَوْا } ، والمعنى معديهما لانتفاعكم بالأكل والعلف آذنين فيه . { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لأَيَـٰتٍ لأُوْلِى ٱلنُّهَىٰ } لذوي العقول الناهية عن اتباع الباطل وارتكاب القبائح جمع نهية . { مِنْهَا خَلَقْنَـٰكُمْ } فإن التراب أصل خلقة أول آبائكم وأول مواد أبدانكم . { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } بالموت وتفكيك الأجزاء . { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } بتأليف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على الصور السابقة ورد الأرواح إليها . { وَلَقَدْ أَرَيْنَـٰهُ ءَايَـٰتِنَا } بصرناه إياها أو عرفناه صحتها . { كُلَّهَا } تأكيد لشمول الأنواع أو لشمول الأفراد ، على أن المراد بآياتنا آيات معهودة وهي الآيات التسع المختصة بموسى ، أو أنه عليه السلام أراه آياته وعدد عليه ما أوتي غيره من المعجزات { فَكَذَّبَ } موسى من فرط عناده . { وَأَبَىٰ } الإِيمان والطاعة لعتوه . { قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا } أرض مصر . { بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ } هذا تعلل وتحير ودليل على أنه علم كونه محقاً حتى خاف منه على ملكه ، فإن الساحر لا يقدر أن يخرج ملكاً مثله من أرضه . { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ } مثل سحرك . { فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَّوْعِدًا } وعداً لقوله : { لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ } فإن الإِخلاف لا يلائم الزمان والمكان وانتصاب . { مَكَاناً سُوًى } بفعل دل عليه المصدر لا به لأنه موصوف ، أو بأنه بدل من { مَّوْعِدًا } على تقدير مكان مضاف إليه وعلى هذا يكون طباق الجواب في قوله . { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ } من حيث المعنى فإن يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس فيه في ذلك اليوم ، أو بإضمار مثل مكان موعدكم مكان يوم الزينة كما هو على الأول ، أو وعدكم وعد يوم الزينة ، وقرىء { يوم } بالنصب وهو ظاهر في أن المراد بهما المصدر ، ومعنى سوى منتصفاً يستوي مسافته إلينا وإليك وهو في النعت كقولهم : قوم عدي في الشذوذ ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب بالضم ، وقيل في « يَوْمُ ٱلزِّينَةِ » يوم عاشوراء ، أو يوم النيروز ، أو يوم عيد كان لهم في كل عام ، وإنما عينه ليظهر الحق ويزهق الباطل على رؤوس الأشهاد ويشيع ذلك في الأقطار . { وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } عطف على الـ { يوم } أو { ٱلزينة } ، وقرىء على البناء للفاعل بالتاء على خطاب فرعون والياء على أن فيه ضمير الـ { يوم } أو ضمير { فرعون } على أن الخطاب لقومه . { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ } ما يكاد به يعني السحرة وآلاتهم . { ثُمَّ أَتَىٰ } الموعد . { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } بأن تدعوا آياته سحراً . { فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ } فيهلككم ويستأصلكم ، وبه قرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب بالضم من الاسحات وهو لغة نجد وتميم ، والسحت لغة الحجاز . { وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } كما خاب فرعون ، فإنه افترى واحتال ليبقى الملك عليه فلم ينفعه . { فَتَنَـٰزَعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } أي تنازعت السحرة في أمر موسى حين سمعوا كلامه فقال بعضهم : ليس هذا من كلام السحرة . { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } بأن موسى إن غلبنا اتبعناه أو تنازعوا واختلفوا فيما يعارضون به موسى وتشاوروا في السر . وقيل الضمير لفرعون وقومه وقوله : { قَالُواْ إِنْ هَـٰذٰنِ لَسَاحِرٰنِ } تفسير لـ { أَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } كأنهم تشاوروا في تلفيقه حذراً أن يغلبا فيتبعهما الناس ، و { هَـٰذَانِ } اسم إن على لغة بلحرث بن كعب فإنهم جعلوا الألف للتثنية وأعربوا المثنى تقديراً . وقيل اسمها ضمير الشأن المحذوف و { هَـٰذٰنِ لَسَاحِرٰنِ } خبرها . وقيل { إِن } بمعنى نعم وما بعدها مبتدأ وخبر وفيهما إن اللام لا تدخل خبر المبتدأ . وقيل أصله إنه هذان لهما ساحران فحذف الضمير وفيه أن المؤكد باللام لا يليق به الحذف ، وقرأ أبو عمرو « أن هذين » وهو ظاهر ، وابن كثير وحفص { أَنْ هَـٰذٰنِ } على أنها هي المخففة واللام هي الفارقة أو النافية واللام بمعنى إلا . { يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ } بالاستيلاء عليها . { بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب بإظهار مذهبهما وإعلاء دينهما لقوله { إِنّى أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُـمْ } [ غافر : 26 ] وقيل أرادوا أهل طريقتكم وهم بنو إسرائيل فإنهم كانوا أرباب علم فيما بينهم لقول موسى { أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرٰءيلَ } [ الشعراء : 17 ] وقيل الطريقة اسم لوجوه القوم وأشرافهم من حيث إنهم قدوة لغيرهم . { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ } فأزمعوه واجعلوه مجمعاً عليه لا يتخلف عنه واحد منكم . وقرأ أبو عمرو { فَأَجمعوا } ويعضده قوله { فَجَمَعَ كَيْدَهُ } [ طه : 60 ] والضمير في { قَالُواْ } إن كان للسحرة فهو قول بعضهم لبعض . { ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً } مصطفين لأنه أهيب في صدور الرائين . قيل كانوا سبعين ألفاً مع كل واحد منهم حبل عصا وأقبلوا عليه إقبالة واحدة . { وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } فاز بالمطلوب من غلب وهو اعتراض . { قَالُواْ يَا مُوسَىٰ إَمَّا أَن تُلْقِىَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } أي بعد ما أتوا مراعاة للأدب و { أن } بما بعده منصوب بفعل مضمر أو مرفوع بخبرية محذوف ، أي اختر إلقاءك أولاً أو إلقاءنا أو الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا . { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ } مقابلة أدب بأدب وعدم مبالاة بسحرهم ، وإسعافاً إلى ما أوهموا من الميل إلى البدء بذكر الأول في شقهم وتغيير النظم إلى وجه أبلغ ، ولأن يبرزوا ما معهم ويستنفذوا أقصى وسعهم ثم يظهر الله سلطانه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه . { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } أي فألقوا فإذا حبالهم وعصيهم ، وهي للمفاجأة والتحقيق أنها أيضاً ظرفية تستدعي متعلقاً ينصبها وجملة تضاف إليها ، لكنها خصت بأن يكون المتعلق فعل المفاجأة والجملة ابتدائية والمعنى : فألقوا ففاجأ موسى عليه الصلاة والسلام وقت تخييل سعي حبالهم وعصيهم من سحرهم ، وذلك بأنهم لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت فخيل إليه أنها تتحرك . وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان وروح « تخيل » بالتاء على إسناده إلى ضمير الحبال ، والعصي وإبدال أنها { تَسْعَىٰ } منه بدل الاشتمال ، وقرىء { يخيل } بالياء على إسناده إلى الله تعالى ، و « تخيل » بمعنى تتخيل . { فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } فأضمر فيها خوفاً من مفاجأته على ما هو مقتضى الجبلة البشرية ، أو من أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه . { قُلْنَا لاَ تَخَفْ } ما توهمت . { إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } تعليل للنهي وتقرير لغلبته مؤكداً بالاستئناف ، وحرف التحقيق وتكرير الضمير وتعريف الخبر ولفظ العلو الدال على الغلبة الظاهرة وصيغة التفضيل . { وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ } أبهمه ولم يقل عصاك تحقيراً لها أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويدة التي في يدك ، أو تعظيماً لها أي لا تحتفل بكثرة هذه الأجرام وعظمها فإن في يمينك ما هو أعظم منها أثراً فألقه . { تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ } تبتلعه بقدرة الله تعالى ، وأصله تتلقف فحذفت إحدى التاءين ، وتاء المضارعة تحتمل التأنيث والخطاب على إسناد الفعل إلى المسبب . وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان بالرفع على الحال أو الاستنئاف ، وحفص بالجزم والتخفيف على أنه من لقفته بمعنى تلقفته . { إِنَّمَا صَنَعُواْ } أن الذي زوروا وافتعلوا . { كَيْدُ سَاحِرٍ } وقرىء بالنصب على أن ما كافة وهو مفعول صنعوا . وقرأ حمزة والكسائي « سحر » بمعنى ذي سحر ، أو بتسمية الساحر سحراً على المبالغة ، أو بإضافة الكيد إلى السحر للبيان كقولهم : علم فقه ، وإنما وحد الساحر لأن المراد به الجنس المطلق ولذلك قال : { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّـٰحِرُ } أي هذا الجنس وتنكير الأول لتنكير المضاف كقول العجاج : @ يَوْمَ تَرَى النُّفُوسُ مَا أَعَدَّت فِي سَعْيِ دُنْيَا طَالَما قَدْ مَدَّتْ @@ كأنه قيل إنما صنعوا كيد سحري . { حَيْثُ أَتَىٰ } حيث كان وأين أقبل . { فَأُلْقِىَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً } أي فألقى فتلقفت فتحقق عند السحرة أنه ليس بسحر وإنما هو آية من آيات الله ومعجزة من معجزاته ، فألقاهم ذلك على وجوههم سجداً لله توبة عما صنعوا وإعتاباً وتعظيماً لما رأوا . { قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ هَـٰرُونَ وَمُوسَىٰ } قدم هارون لكبر سنه أو لروي الآية ، أو لأن فرعون ربى موسى في صغره فلو اقتصر على موسى أو قدم ذكره لربما توهم أن المراد فرعون وذكر هارون على الاستتباع . روي أنهم رأوا في سجودهم الجنة ومنازلهم فيها .