Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 80-97)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَا بَنِى إِسْرٰءِيلَ } خطاب لهم بعد إنجائهم من البحر وإهلاك فرعون على إضمار قلنا ، أو للذين منهم في عهد النبي عليه الصلاة والسلام بما فعل بآبائهم . { قَدْ أَنجَيْنَـٰكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ } فرعون وقومه . { وَوَاعَدْنَـٰكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ } بمناجاة موسى وإنزال التوراة ، وإنما عد المواعدة إليهم وهي لموسى أو له وللسبعين المختارين للملابسة . { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } يعني في التيه . { كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ } لذائذه أو حلالاته ، وقرأ حمزة والكسائي « أنجيتكم » « وواعدتكم » و « ما رزقتكم » على التاء . وقرىء « ووعدتكم » « ووعدناكم » ، والأيمن بالجر على الجوار مثل : حجر ضب خرب . { وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } فيما رزقناكم بالإِخلال بشكره والتعدي لما حد الله لكم فيه كالسرف والبطر والمنع عن المستحق . { فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى } فيلزمكم عذابي ويجب لكم من حل الدين إذا وجب أداؤه . { وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَىٰ } فقد تردى وهلك . وقيل وقع في الهاوية ، وقرأ الكسائي « يحل » و { يُحْلِلْ } بالضم من حل يحل إذا نزل . { وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ } عن الشرك . { وَآمَنَ } بما يجب الإِيمان به . { وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } ثم استقام على الهدى المذكور . { وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } سؤال عن سبب العجلة يتضمن إنكارها من حيث إنها نقيصة في نفسها انضم إليها إغفال القوم وإيهام التعظم عليهم فلذلك أجاب موسى عن الأمرين وقدم جواب الإِنكار لأنه أهم . { قَالَ } موسى . { هُمْ أُوْلآءِ عَلَىٰ أَثَرِى } أي ما تقدمتهم إلا بخطاً يسيرة لا يعتد بها عادة وليس بيني وبينهم إلا مسافة قريبة يتقدم بها الرفقة بعضهم بعضاً . { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } فإن المسارعة إلى امتثال أمرك والوفاء بعهدك توجب مرضاتك . { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ } ابتليناهم بعبادة العجل بعد خروجك من بينهم وهم الذين خلفهم مع هارون وكانوا ستمائة ألف ما نجا من عبادة العجل منهم إلا اثنا عشر ألفاً . { وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِىُّ } باتخاذ العجل والدعاء إلى عبادته ، وقرىء { وَأَضَلَّهُمْ } أي أشدهم ضلالاً لأنه كان ضالاً مضلاً ، وإن صح أنهم أقاموا على الدين بعد ذهابه عشرين ليلة وحسبوها بأيامها أربعين وقالوا قد أكملنا العدة ثم كان أمر العجل ، وإن هذا الخطاب كان له عند مقدمه إذ ليس في الآية ما يدل عليه كان ذلك إخباراً من الله له عن المترقب بلفظ الواقع على عادته ، فإن أصل وقوع الشيء أن يكون في علمه ومقتضى مشيئته ، و { ٱلسَّامِرِيُّ } منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها السامرة . وقيل كان علجا من كرمان . وقيل من أهل باجرما واسمه موسى بن ظفر وكان منافقاً . { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ } بعد ما استوفى الأربعين وأخذ التوراة { غَضْبَـٰنَ } عليهم . { أَسِفاً } حزيناً بما فعلوا . { قَالَ يَـا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } بأن يعطيكم التوراة فيها هدى ونور . { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ } أي الزمان يعني زمان مفارقته لهم . { أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ } يجب عليكم . { غَضَبٌ مِّنْ رَّبِّكُمْ } بعبادة ما هو مثل في الغباوة . { فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } وعدكم إياي بالثبات على الإِيمان بالله والقيام على ما أمرتكم به ، وقيل هو من أخلفت وعده إذا وجدت الخلف فيه ، أي فوجدتم الخلف في وعدي لكم بالعود بعد الأربعين ، وهو لا يناسب الترتيب على الترديد ولا على الشق الذي يليه ولا جوابهم له . { قَالُواْ مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا } بأن ملكنا أمرنا إذ لو خلينا وأمرنا ولم يسول لنا السامري لما أخلفناه ، وقرأ نافع وعاصم { بِمَلْكَنَا } بالفتح وحمزة والكسائي بالضم وثلاثتها في الأصل لغات في مصدر ملكت الشيء . { وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ } حملنا أحمالاً من حلى القبط التي استعرناها منهم حين هممنا بالخروج من مصر باسم العرس . وقيل استعاروا لعيد كان لهم ثم لم يردوا عند الخروج مخافة أن يعلموا به . وقيل : هي ما ألقاه البحر على الساحل بعد إغراقهم فأخذوه ولعلهم سموها أوزاراً لأنها آثام ، فإن الغنائم لم تكن تحل بعد أو لأنهم كانوا مستأمنين وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي . { فَقَذَفْنَاهَا } أي في النار . { فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } أي ما كان معه منها . روي أنهم لما حسبوا أن العدة قد كملت قال لهم السامري : إنما أخلف موسى ميعادكم لما معكم من حلى القوم وهو حرام عليكم ، فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها ناراً ونقذف كل ما معنا فيها ففعلوا . وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر وروح { حملنا } بالفتح والتخفيف . { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً } من تلك الحلي المذابة . { لَّهُ خُوَارٌ } صوت العجل . { فَقَالُواْ } يعني السامري ومن افتتن به أول ما رآه . { هَـٰذَا إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } أي فنسيه موسى وذهب يطلبه عند الطور ، أو فنسي السامري أن ترك ما كان عليه من إظهار الإِيمان . { أَفَلاَ يَرَوْنَ } أفلا يعلمون . { أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً } أنه لا يرجع إليهم كلاماً ولا يرد عليهم جواباً . وقرىء { يرجع } بالنصب وفيه ضعف لأن أن الناصبة لا تقع بعد أفعال اليقين . { وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } ولا يقدر على إنفاعهم وإضرارهم . { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَـٰرُونُ مِن قَبْلُ } من قبل رجوع موسى عليه الصلاة والسلام ، أو قول السامري كأنه أول ما وقع عليه بصره حين طلع من الحفرة توهم ذلك وبادرَ تحذيرهم . { يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ } بالعجل . { وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } لا غير . { فَٱتَّبِعُونِى وَأَطِيعُواْ أَمْرِي } في الثبات على الدين . { قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ } على العجل وعبادته . { عَـٰكِفِينَ } مقيمين . { حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ } وهذا الجواب يؤيد الوجه الأول . { قَالَ يَـاهَـٰرُونُ } أي قال له موسى حين رجع . { مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّواْ } بعبادة العجل . { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ } أن تتبعني في الغضب لله والمقاتلة مع من كفر به ، أو أن تأتي عقبي وتلحقني و « لا » مزيدة كما في قوله { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } [ الأعراف : 12 ] . { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى } بالصلابة في الدين والمحاماة عليه . { قَالَ يَـاٱبْنَ أُمَّ } خص الأم استعطافاً وترقيقاً ، وقيل لأنه كان أخاه من الأم والجمهور على أنهما كانا من أب وأم . { لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى } أي بشعر رأسي قبض عليهما يجره إليه من شدة غيظه وفرط غضبه لله ، وكان عليه الصلاة والسلام حديداً خشناً متصلباً في كل شيء فلم يتمالك حين رآهم يعبدون العجل . { إِنّى خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إِسْرءِيلَ } لو قاتلت أو فارقت بعضهم ببعض . { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى } حين قلت { ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ } فإن الإِصلاح كان في حفظ الدهماء والمداراة لهم أن ترجع إليهم فتتدارك الأمر برأيك . { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَـٰمِرِيُّ } أي ثم أقبل عليه وقال له منكراً ما خطبك أي ما طلبك له وما الذي حملك عليه ، وهو مصدر خطب الشيء إذا طلبه . { يٰسَـٰمِرِيُّ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب أي علمت بما لم تعلموه وفطنت لما لم تفطنوا له ، وهو أن الرسول الذي جاءك روحاني محض لا يمس أثره شيئاً إلا أحياه ، أو رأيت ما لم تروه وهو أن جبريل عليه الصلاة والسلام جاءك على فرس الحياة . وقيل إنما عرفه لأن أمه ألقته حين ولدته خوفاً من فرعون وكان جبريل يغذوه حتى استقل . { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ } من تربة موطئه والقبضة المرة من القبض فأطلق على المقبوض كضرب الأمير ، وقرىء بالصاد والأول للأخذ بجميع الكف والثاني للأخذ بأطراف الأصابع ونحوهما الخضم والقضم ، والرسول جبريل عليه الصلاة والسلام ولعله لم يسمه لأنه لم يعرف أنه جبريل أو أراد أن ينبه على الوقت وهو حين أرسل إليه ليذهب به إلى الطور . { فَنَبَذْتُهَا } في الحلي المذاب أو في جوف العجل حتى حيـي . { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى } زينته وحسنته لي . { قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِى ٱلْحَيَوٰةِ } عقوبة على ما فعلت . { أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } خوفاً من أن يمسك أحد فتأخذك الحمى ومن مسك فتتحامى الناس ويتحاموك وتكون طريداً وحيداً كالوحش النافر ، وقرىء { لاَ مِسَاسَ } كفجار وهو علم للمسة . { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً } في الآخرة . { لَّن تُخْلَفَهُ } لن يخلفكه الله وينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك في الدنيا ، وقرأ ابن كثير والبصريان بكسر اللام أي لن تخلف الواعد إياه وسيأتيك لا محالة ، فحذف المفعول الأول لأن المقصود هو الموعد ويجوز أن يكون من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفاً ، وقرىء بالنون على حكاية قول الله . { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } ظللت على عبادته مقيماً فحذف اللام الأولى تخفيفاً ، وقرىء بكسر الظاء على نقل حركة اللام إليها . { لَّنُحَرّقَنَّهُ } أي بالنار ويؤيده قراءة { لَّنُحَرّقَنَّهُ } ، أو بالمبرد على أنه مبالغة في حرق إذ برد بالمبرد ويعضده قراءة { لَّنُحَرّقَنَّهُ } . { ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ } ثم لنذرينه رماداً أو مبروداً وقرىء بضم السين . { فِى ٱلْيَمّ نَسْفاً } فلا يصادف منه شيء والمقصود من ذلك زيادة عقوبته وإظهار غباوة المفتتنين به لمن له أدنى نظر .