Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 71-78)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـٰناً } حجة تدل على جواز عبادته . { وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } حصل لهم من ضرورة العقل أو استدلاله . { وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ } وما للذين ارتكبوا مثل هذا الظلم . { مِن نَّصِيرٍ } يقرر مذهبهم أو يدفع العذاب عنهم . { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا } من القرآن . { بَيّنَـٰتٍ } واضحات الدلالة على العقائد الحقية والأحكام الإِلهية . { تَعْرِفُ فِى وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ } الانكار لفرط نكيرهم للحق وغيظهم لأباطيل أخذوها تقليداً ، وهذا منتهى الجهالة وللإِشعار بذلك وضع الذين كفروا موضع الضمير أو ما يقصدونه من الشر { يَكَـٰدُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِنَا } يثبون ويبطشون بهم . { قُلْ أَفَأُنَبّئُكُم بِشَرّ مّن ذٰلِكُمُ } من غيظكم على التالين وسطوتكم عليهم ، أو مما أصابكم من الضجر بسبب ما تلوا عليكم . { ٱلنَّارُ } أي هو النار كأنه جواب سائل قال : ما هو ، ويجوز أن يكون مبتدأ خبره : { وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وقرىء بالنصب على الاختصاص وبالجر بدلاً من شر فتكون الجملة استئنافاً كما إذا رفعت خبراً أو حالاً منها . { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } النار . { يأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ } بين لكم حال مستغربة أو قصة رائعة ولذلك سماها مثلاً ، أو جعل لله مثل أي مثل في استحقاق العبادة . { فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } للمثل أو لشأنه استماع تدبر وتفكر . { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يعني الأصنام ، وقرأ يعقوب بالياء وقرىء مبنياً للمفعول والراجع إلى الموصول محذوف على الأولين . { لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً } لا يقدرون على خلقه مع صغره لأن { لَنْ } بما فيها من تأكيد النفي دالة على منافاة ما بين المنفي والمنفي عنه ، و { ٱلذُّبَابُ } من الذب لأنه يذب وجمعه أذبة وذبان . { وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } أي للخلق هو بجوابه المقدر في موضع حال جيء به للمبالغة ، أي لا يقدرون على خلقه مجتمعين له متعاونين عليه فكيف إذا كانوا منفردين . { وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ } جهلهم غاية التجهيل بأن أشركوا إلهاً قدر على المقدورات كلها وتفرد بإيجاد الموجودات بأسرها تماثيل هي أعجز الأشياء ، وبين ذلك بأنها لا تقدر على خلق أقل الأحياء وأذلها ولو اجتمعوا له ، بل لا تقوى على مقاومة هذا الأقل الأذل وتعجز عن ذبه عن نفسها واستنقاذ ما يختطفه من عندها . قيل كانوا يطلونها بالطيب والعسل ويغلقون عليها الأبواب فيدخل الذباب من الكوى فيأكله . { ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } عابد الصنم ومعبوده ، أو الذباب يطلب ما يسلب عن الصنم من الطيب والصنم يطلب الذباب منه السلب ، أو الصنم والذباب كأنه يطلبه ليستنقذ منه ما يسلبه ولو حققت وجدت الصنم أضعف بدرجات . { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } ما عرفوه حق معرفته حيث أشركوا به وسموا باسمه ما هو أبعد الأشياء عنه مناسبة . { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ } على خلق الممكنات بأسرها . { عَزِيزٌ } لا يغلبه شيء وآلهتهم التي يعبدونها عاجزة عن أقلها مقهورة من أذلها . { ٱللَّهُ يَصْطَفِى مِنَ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ رُسُلاً } يتوسطون بينه وبين الأنبياء بالوحي . { وَمِنَ ٱلنَّاسِ } يدعون سائرهم إلى الحق ويبلغون إليهم ما نزل عليهم ، كأنه لما قرر وحدانيته في الألوهية ونفى أن يشاركه غيره في صفاتها بين أن له عباداً مصطفين للرسالة يتوسل بإجابتهم والإِقتداء بهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى ، وهو أعلى المراتب ومنتهى الدرجات لمن سواه من الموجودات تقريراً للنبوة وتزييفاً لقولهم { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَى } [ الزمر : 3 ] والملائكة بنات الله تعالى ، ونحو ذلك . { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } مدرك للأشياء كلها . { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } عالم بواقعها ومترقبها . { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } وإليه ترجع الأمور كلها لأنه مالكها بالذات لا يسأل عما يفعل من الاصطفاء وغيره وهم يسألون . { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ } في صلاتكم ، أمرهم بهما لأنهم ما كانوا يفعلونها أول الإِسلام ، أو صلوا وعبر عن الصلاة بهما لأنهما أعظم أركانها ، أو اخضعوا لله وخروا له سجداً . { وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ } بسائر ما تعبدكم به . { وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ } وتحروا ما هو خير وأصلح فيما تأتون وتذرون كنوافل الطاعات وصلة الأرحام ومكارم الأخلاق . { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي افعلوا هذه كلها وأنتم راجون الفلاح غير متيقنين له واثقين على أعمالكم ، والآية آية سجدة عندنا لظاهر ما فيها من الأمر بالسجود ولقوله عليه الصلاة والسلام " فضلت سورة الحج بسجدتين من لم يسجدهما فلا يقرؤها " { وَجَـٰهِدُوا فِى ٱللَّهِ } أي لله ومن أجله أعداء دينه الظاهرة كأهل الزيغ والباطنة كالهوى والنفس . وعنه عليه الصلاة والسلام أنه رجع من غزوة تبوك فقال " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " { حَقَّ جِهَـٰدِهِ } أي جهاداً فيه حقاً خالصاً لوجهه فعكس وأضيف الحق إلى الجهاد مبالغة كقولك : هو حق عالم ، وأضيف الجهاد إلى الضمير اتساعاً أو لأنه مختص بالله من حيث إنه مفعول لوجه الله تعالى ومن أجله . { هُوَ ٱجْتَبَـٰكُمْ } اختاركم لدينه ولنصرته ، وفيه تنبيه على المقتضى للجهاد والداعي إليه وفي قوله : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ } أي ضيق بتكليف ما يشتد القيام به عليكم ، إشارة إلى أنه لا مانع لهم عنه ولا عذر لهم في تركه ، أو إلى الرخصة في إغفال بعض ما أمرهم به من حيث شق عليهم لقوله عليه الصلاة والسلام " إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم " وقيل ذلك بأن جعل لهم من كل ذنب مخرجاً بأن رخص لهم في المضايق وفتح عليهم باب التوبة ، وشرع لهم الكفارات في حقوقه والأروش والديات في حقوق العباد { مّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰهِيمَ } منتصبة على المصدر بفعل دل عليه مضمون ما قبلها بحذف المضاف أي : وسع دينكم توسعة ملة أبيكم ، أو على الإِغراء أو على الاختصاص ، وإنما جعله أباهم لأنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كالأب لأمته من حيث إنه سبب لحياتهم الأبدية ووجودهم على الوجه المعتد به في الآخرة ، أو لأن أكثر العرب كانوا من ذريته فغلبوا على غيرهم . { هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } من قبل القرآن في الكتب المتقدمة . { وَفِى هَـٰذَا } وفي القرآن ، والضمير لله تعالى ويدل عليه أنه قرىء « الله سماكم » ، أو لـ { إِبْرَاهِيمَ } وتسميتهم بمسلمين في القرآن وإن لم تكن منه كانت بسبب تسميته من قبل في قوله { وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } [ البقرة : 128 ] وقيل وفي هذا تقديره وفي هذا بيان تسميته إياكم مسلمين . { لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ } يوم القيامة متعلق بسماكم . { شَهِيداً عَلَيْكُمْ } بأنه بلغكم فيدل على قبول شهادته لنفسه اعتماداً على عصمته ، أو بطاعة من أطاع وعصيان من عصى . { وَتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ } بتبليغ الرسل إليهم . { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ } فتقربوا إلى الله تعالى بأنواع الطاعات لما خصكم بهذا الفضل والشرف . { وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ } وثقوا به في مجامع أموركم ولا تطلبوا الإِعانة والنصرة إلا منه . { هُوَ مَوْلَـٰكُمْ } ناصركم ومتولي أموركم { فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } هو إذ لا مثل له سبحانه في الولاية والنصرة ، بل لا مولى ولا نصير سواه في الحقيقة . عن النبي عليه الصلاة والسلام " من قرأ سورة الحج أعطي من الأجر كحجة حجها وعمرة اعتمرها بعدد من حج واعتمر فيما مضى وفيما بقي " .