Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 45-55)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَـٰرُونَ بِـئَايَـٰتِنَا } بالآيات التسع . { وَسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } وحجة واضحة ملزمة للخصم ، ويجوز أن يراد به العصا وأفرادها لأنها أول المعجزات وأمها ، تعلقت بها معجزات شتى : كانقلابها حية وتلقفها ما أفكته السحرة ، وانفلاق البحر وانفجار العيون من الحجر بضربهما بها ، وحراستها ومصيرها شمعة وشجرة خضراء مثمرة ورشاء ودلواً ، وأن يراد به المعجزات وبالآيات الحجج وأن يراد بهما المعجزات فإنها آيات للنبوة وحجة بينة على ما يدعيه النبي صلى الله عليه وسلم . { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلاَءِيْهِ فَٱسْتَكْبَرُواْ } على الإِيمان والمتابعة . { وَكَانُواْ قَوْماً عَـٰلِينَ } متكبرين . { فَقَالُواْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا } ثنى البشر لأنه يطلق للواحد كقوله { بَشَراً سَوِيّاً } كما يطلق للجمع كقوله : { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً } [ مريم : 26 ] ولم يثن المثل لأنه في حكم المصدر ، وهذه القصص كما نرى تشهد بأن قصارى شبه المنكرين للنبوة قياس حال الأنبياء على أحوالهم لما بينهم من المماثلة في الحقيقة وفساده يظهر للمستبصر بأدنى تأمل ، فإن النفوس البشرية وإن تشاركت في أصل القوى والإِدراك لكنها متباينة الأقدام فيهما ، وكما ترى في جانب النقصان أغبياء لا يعود عليهم الفكر برادة ، يمكن أن يكون في طرف الزيادة أغنياء عن التفكر والتعلم في أكثر الأشياء وأغلب الأحوال ، فيدركون ما لا يدرك غيرهم ويعلمون ما لا ينتهي إليه علمهم ، وإليه أشار بقوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } [ الكهف : 110 ] { وَقَوْمُهُمَا } يعني بني إسرائيل . { لَنَا عَـٰبِدُونَ } خادمون منقادون كالعباد . { فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ ٱلْمُهْلَكِينَ } بالغرق في بحر قلزم . { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ } التوراة . { لَعَلَّهُمْ } لعل بني إسرائيل ، ولا يجوز عود الضمير إلى { فِرْعَوْنُ } وقومه لأن التوراة نزلت بعد إغراقهم . { يَهْتَدُونَ } إلى المعارف والأحكام . { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءَايَةً } بولادتها إياه من غير مسيس فالآية أمر واحد مضاف إليهما ، أو { جَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ } آية بأن تكلم في المهد وظهرت منه معجزات أخر { وَأُمَّهُ } آية بأن ولدت من غير مسيس فحذفت الأولى لدلالة الثانية عليها . { وَءَاوَيْنَٰهُمَآ إِلَى رَبْوَةٍ } أرض بيت المقدس فإنها مرتفعة أو دمشق أو رملة فلسطين أو مصر فإن قراها على الربى ، وقرأ ابن عامر وعاصم بفتح الراء وقرىء « رُبَاوةَ » بالضم والكسر . { ذَاتِ قَرَارٍ } مستقر من الأرض منبسطة . وقيل ذات ثمار وزروع فإن ساكنيها يستقرون فيها لأجلها . { وَمَعِينٍ } وماء معين ظاهر جار فعيل من معن الماء إذا جرى وأصله الابعاد في الشيء ، أو من الماعون وهو المنفعة لأنه نفاع ، أو مفعول من عانه إذا أدركه بعينه لأنه لظهوره مدرك بالعيون وصف ماءها بذلك لأنه الجامع لأسباب التنزه وطيب المكان . { يأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ } نداء وخطاب لجميع الأنبياء لا على أنهم خوطبوا بذلك دفعة لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة بل على معنى أن كلاً منهم خوطب به في زمانه ، فيدخل تحته عيسى دخولاً أولياً ويكون ابتداء كلام تنبيهاً على أن تهيئة أسباب التنعم لم تكن له خاصة ، وأن إباحة الطيبات للأنبياء شرع قديم واحتجاجاً على الرهبانية في رفض الطيبات ، أو حكاية لما ذكر لعيسى وأمه عند إيوائهما إلى الربوة ليقتديا بالرسل في تناول ما رزقا . وقيل النداء له ولفظ الجمع للتعظيم والطيبات ما يستلذ به من المباحات . وقيل الحلال الصافي القوام فالحلال ما لا يعصى الله فيه والصافي ما لا ينسى الله فيه والقوام ما يمسك النفس ويحفظ العقل . { وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً } فإنه المقصود منكم والنافع عند ربكم . { إِنّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } فأجازيكم عليه . { وَإِنَّ هَـٰذِهِ } أي ولأن { هَـٰذِهِ } والمعلل به { فَٱتَّقُونِ } ، أو واعلموا أن هذه ، وقيل إنه معطوف على { مَا تَعْمَلُونَ } وقرأ ابن عامر بالتخفيف والكوفيون بالكسر على الاستئناف . { أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } ملتكم ملة واحدة أي متحدة في الاعتقاد وأصول الشرائع ، أو جماعتكم جماعة واحدة متفقة على الإِيمان والتوحيد في العبادة ونصب { أُمَّةً } على الحال . { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ } في شق العصا ومخالفة الكلمة . { فَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } فتقطعوا أمر دينهم جعلوه أدياناً مختلفة ، أو فتفرقوا وتحزبوا وأمرهم منصوب بنزع الخافض أو التمييز ، والضمير لما دل عليه الأمة من أربابها أولها . { زُبُراً } قطعاً جمع زبور الذي بمعنى الفرقة ويؤيده القراءة بفتح الباء فإنه جمع زبرة وهو حال من أمرهم أو من الواو ، أو مفعول ثان لـ { فَتَقَطَّعُواْ } فإنه متضمن معنى جعل . وقيل كتباً من زبرت الكتاب فيكون مفعولاً ثانياً ، أو حالاً من أمرهم على تقدير مثل كتب ، وقرىء بتخفيف الباء كرسل في { رُسُلُ } . { كُلُّ حِزْبٍ } من المتحزبين . { بِمَا لَدَيْهِمْ } من الدين . { فَرِحُونَ } معجبون معتقدون أنهم على الحق . { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ } في جهالتهم شبهها بالماء الذي يغمر القامة لأنهم مغمورون فيها أو لاعبون بها ، وقرىء في « غمراتهم » . { حَتَّىٰ حِينٍ } إلى أن يقتلوا أو يموتوا . { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ } أن ما نعطيهم ونجعله لهم مدداً ، { مِن مَّالٍ وَبَنِينَ } بيان لما وليس خبراً له ، فإنه غير معاتب عليه وإنما المعاتب عليه اعتقادهم أن ذلك خير لهم خبره .