Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 58-77)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ } في استكفاء شرورهم والإِغناء عن أجورهم ، فإنه الحقيق بأن يتوكل عليه دون الأحياء الذين يموتون فإنهم إذا ماتوا ضاع من توكل عليهم . { وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } ونزهه عن صفات النقصان مثنياً عليه بأوصاف الكمال طالباً لمزيد الأنعام بالشكر على سوابغه . { وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ } ما ظهر منها وما بطن . { خَبِيراً } مطلعاً فلا عليك أن آمنوا أو كفروا . { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱلرَّحْمَـٰنُ } قد سبق الكلام فيه ، ولعل ذكره زيادة تقرير لكونه حقيقاً بأن يتوكل عليه من حيث إنه الخالق للكل والمتصرف فيه ، وتحريض على الثبات والتأني في الأمر فإنه تعالى مع كمال قدرته وسرعة نفاذ أمره في كل مراد خلق الأشياء على تؤدة وتدرج ، و { ٱلرَّحْمَـٰنُ } خبر للذي إن جعلته مبتدأ ولمحذوف إن جعلته صفة للحي ، أو بدل من المستكن في { ٱسْتَوَىٰ } وقرىء بالجر صفة للحي . { فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } فاسأل عما ذكر من الخلق والاستواء عالماً يخبرك بحقيقته وهو الله تعالى ، أو جبريل أو من وجده في الكتب المتقدمة ليصدقك فيه ، وقيل الضمير { لِلرَّحْمَـٰنِ } والمعنى إن أنكروا إطلاقه على الله تعالى فاسأل عنه من يخبرك من أهل الكتاب ليعرفوا مجيء ما يرادفه في كتبهم ، وعلى هذا يجوز أن يكون { ٱلرَّحْمَـٰنُ } مبتدأ والخبر ما بعده والسؤال كما يعدى بعن لتضمنه معنى التفتيش يعدى بالياء لتضمنه معنى الاعتناء . وقيل إنه صلة { خَبِيراً } . { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } لأنهم ما كانوا يطلقونه على الله ، أو لأنهم ظنوا أنه أراد به غيره ولذلك قالوا : { أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا } أي للذي تأمرناه يعني تأمرنا بسجوده أو لأمرك لنا من غير عرفان . وقيل لأنه كان معرباً لم يسمعوه . وقرأ حمزة والكسائي « يأمرنا » بالياء على أنه قول بعضهم لبعض . { وَزَادَهُمْ } أي الأمر بالسجود { لِلرَّحْمَـٰنِ } . { نُفُورًا } عن الإِيمان . { تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَاء بُرُوجاً } يعني البروج الاثني عشر سميت به وهي القصور العالية لأنها للكواكب السيارة كالمنازل لسكانها واشتقاقه من التبرج لظهوره . { وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً } يعني الشمس لقوله { وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } [ نوح : 16 ] وقرأ حمزة والكسائي « سرجاً » وهي الشمس والكواكب الكبار . { وَقَمَراً مُّنِيراً } مضيئاً بالليل ، وقرىء { وَقَمَراً } أي ذا قمر وهو جمع قمراء ويحتمل أن يكون بمعنى القمر كالرشد والرشد والعرب والعرب . { وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً } أي ذوي خلفة يخلف كل منهما الآخر بأن يقوم مقامه فيما ينبغي أن يعمل فيه ، أو بأن يعتقبا لقوله تعالى : { وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [ البقرة : 164 ] وهي للحالة من خلف كالركبة والجلسة . { لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ } بأن يتذكر آلاء الله ويتفكر في صنعه فيعلم أن لا بد له من صانع حكيم واجب الذات رحيم على العباد . { أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } أن يشكر الله تعالى على ما فيه من النعم ، أو ليكونا وقتين للمتذكرين الشاكرين من فاته ورده في أحدهما تداركه في الآخرة ، وقرأ حمزة { أَن يَذَّكَّرَ } من ذكر بمعنى تذكر وكذلك ليذكروا ووافقه الكسائي فيه . { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } مبتدأ خبره { أُوْلَٰـئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ } أو : { ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ } وإضافتهم إلى { ٱلرَّحْمَـٰنُ } للتخصيص والتفضيل ، أو لأنهم الراسخون في عبادته على أن عباد جمع عابد كتاجر وتجار . { هَوْناً } هينين أو مشياً هيناً مصدر وصف به والمعنى أنهم يمشون بسكينة وتواضع { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَـٰهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } تسلماً منكم ومتاركة لكم لا خير بيننا ولا شر ، أو سداداً من القول يسلمون فيه من الإِيذاء والإِثم ، ولا ينافيه آية القتال لتنسخه فإن المراد به الإِغضاء عن السفهاء وترك مقابلتهم في الكلام . { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَـٰماً } في الصلاة ، وتخصيص البيتوتة لأن العبادة بالليل أحمز وأبعد عن الرياء وتأخير القيام للروي وهو جمع قائم أو مصدر أجري مجراه . { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } لازماً ومنه الغريم لملازمته ، وهو إيذان بأنهم مع حسن مخالطتهم مع الخلق واجتهادهم في عبادة الحق وجلون من العذاب مبتهلون إلى الله تعالى في صرفه عنهم لعدم اعتدادهم بأعمالهم ووثوقهم على استمرار أحوالهم . { إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } أي بئست مستقراً ، وفيها ضمير مبهم يفسره المميز والمخصوص بالذم ضمير محذوف به ترتبط الجملة باسم إن ، أو أحزنت وفيها ضمير اسم أن ومستقراً حال أو تمييز والجملة تعليل للعلة الأولى أو تعليل ثان وكلاهما يحتملان الحكاية والإِبتداء من الله . { وَٱلَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ } لم يجاوزوا حد الكرم . { وَلَمْ يَقْتُرُواْ } ولم يضيقوا تضييق الشحيح . وقيل الإِسراف هو الإِنفاق في المحارم والتقتير منع الواجب ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء وكسر التاء ونافع وابن عامر والكوفيون بضم الياء وكسر التاء من أقتر ، وقرىء بالتشديد والكل واحد . { وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } وسطاً عدلاً سمي به لاستقامة الطرفين كما سمي سواء لاستوائهما ، وقرىء بالكسر وهو ما يقام به الحاجة لا يفضل عنها ولا ينقص وهو خبر ثان أو حال مؤكدة ، ويجوز أن يكون الخبر بين ذلك لغواً ، وقيل إنه اسم { كَانَ } لكنه مبني لإِضافته إلى غير متمكن وهو ضعيف لأنه بمعنى القوام فيكون كالإِخبار بالشيء عن نفسه . { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ } أي حرمها بمعنى حرم قتلها . { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } متعلق بالقتل المحذوف ، أو بلا يقتلون { وَلاَ يَزْنُونَ } نفى عنهم أمهات المعاصي بعدما أثبت لهم أصول الطاعات إظهاراً لكمال إيمانهم وإشعاراً بأن الأجر المذكور موعود للجامع بين ذلك ، وتعريضاً للكفرة بأضداده ولذلك عقبه بالوعيد تهديداً لهم فقال : { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } جزاء إثم أو إثماً بإضمار الجزاء ، وقرىء « أياماً » أي شدائد يقال يوم ذو أيام أي صعب . { يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ } بدل من { يَلْقَ } لأنه في معناه كقوله : @ مَتَى تَأَتِنَا تُلمِمْ بِنَا فِي دِيَارِنَا تَجِدْ حَطَباً جَزْلاً وَنَاراً تَأَجَّجَا @@ وقرأ أبو بكر بالرفع على الاستئناف أو الحال وكذلك : { وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً } وابن كثير ويعقوب يضعف بالجزم وابن عامر بالرفع فيهما مع التشديد وحذف الأَلف في « يضعف » ، وقرىء { وَيَخْلُدْ } على بناء المفعول مخففاً ، وقرىء مثقلاً وتضعيف العذاب مضاعفته لانضمام المعصية إلى الكفر ويدل عليه قوله : { إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـٰلِحاً فَأُوْلَٰـئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ } بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة ويثبت مكانها لواحق طاعتهم ، أو يبدل ملكة المعصية في النفس بملكة الطاعة . وقيل بأن يوفقه لأضداد ما سلف منه ، أو بأن يثبت له بدل كل عقاب ثواباً . { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } فلذلك يعفو عن السيئات ويثيب على الحسنات . { وَمَن تَابَ } عن المعاصي بتركها والندم عليها . { وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً } يتلافى به ما فرط ، أو خرج عن المعاصي ودخل في الطاعة . { فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ } يرجع إلى الله بذلك . { مَتاباً } مرضياً عند الله ماحياً للعقاب محصلاً للثواب ، أو يتوب متاباً إلى الله الذي يحب التائبين ويصطنع بهم ؛ أو فإنه يرجع إلى الله وإلى ثوابه مرجعاً حسناً وهو تعميم بعد تخصيص . { وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } لا يقيمون الشهادة الباطلة ، أو لا يحضرون محاضر الكذب فإن مشاهدة الباطل شركة فيه . { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ } [ الفرقان : 72 ] ما يجب أن يلقى ويطرح . { مَرُّواْ كِراماً } معرضين عنه مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه والخوض فيه ، ومن ذلك الإِغضاء عن الفواحش والصفح عن الذنوب والكناية عما يستهجن التصريح به . { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِـئَايَـٰتِ رَبّهِمْ } بالوعظ أو القراءة . { لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } لم يقيموا عليها غير واعين لها ولا متبصرين بما فيها كمن لاَ يسمع ولا يبصر ، بل أكبوا عليها سامعين بآذان واعية مبصرين بعيون راعية ، فالمراد من النفي نفي الحال دون الفعل كقولك : لا يلقاني زيد مسلماً . وقيل الهاء للمعاصي المدلول عليها { بِٱلَّلغْوِ } . { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } بتوفيقهم للطاعة وحيازة الفضائل ، فإن المؤمن إذا شاركه أهله في طاعة الله سر بهم قلبه وقرت بهم عينه لما يرى من مساعدتهم له في الدين وتوقع لحوقهم به في الجنة ، و { مِنْ } إبتدائية أو بيانية كقولك : رأيت منك أسداً ، وقرأ حمزة وأبو عمرو والكسائي وأبو بكر « وذريتنا » وقرأ ابن عامر والحرميان وحفص ويعقوب { وَذُرّيَّـٰتِنَا } بالألف ، وتنكير الـ { أَعْيُنٍ } لإِرادة تنكير الـ { قُرَّةَ } تعظيماً وتقليلها لأن المراد أعين المتقين وهي قليلة بالإِضافة إلى عيون غيرهم . { وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } يقتدون بنا في أمر الدين بإضافة العلم والتوفيق للعمل ، وتوحيده إما للدلالة على الجنس وعدم اللبس كقوله { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } [ غافر : 67 ] أو لأنه مصدر في أصله ، أو لأن المراد واجعل كل واحد منا ، أو لأنهم كنفس واحدة لاتحاد طريقتهم واتفاق كلمتهم . وقيل جمع آم كصائم وصيام ومعناه قاصدين لهم مقتدين بهم . { أُوْلَـئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ } أعلى مواضع الجنة وهي اسم جنس أريد به الجمع كقوله تعالى : { وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَـٰتِ ءَامِنُونَ } [ سبأ : 37 ] وللقراءة بها ، وقيل هي من أسماء الجنة . { بِمَا صَبَرُواْ } بصبرهم على المشاق من مضض الطاعات ورفض الشهوات وتحمل المجاهدات . { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَـٰماً } دعاء بالتعمير والسلامة أي يحييهم الملائكة ويسلمون عليهم ، أو يحيـي بعضهم بعضاً ويسلم عليه ، أو تبقية دائمة وسلامة من كل آفة ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر { يُلقون } من لقي . { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } لا يموتون فيها ولا يخرجون . { حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } مقابل { سَاءتْ مُسْتَقَرّاً } معنى ومثله إعراباً . { قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّي } ما يصنع بكم من عبأت الجيش إذا هيأته أو لا يعتد بكم . { لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ } لولا عبادتكم فإن شرف الإِنسان وكرامته بالمعرفة والطاعة وإلا فهو وسائر الحيوانات سواء . وقيل معناه ما يصنع بعذابكم لولا دعاؤكم معه آلهة إن جعلت استفهامية فمحلها النصب على المصدر كأنه قيل : أي عبء يعبأ بكم . { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } بما أخبرتكم به حيث خالفتموه . وقيل فقد قصرتم في العبادة من قولهم : كذب القتال إذا لم يبالغ فيه . وقرىء { فقد كذب الكافرون } أي الكافرون منكم لأن توجه الخطاب إلى الناس عامة بما وجد في جنسهم من العبادة والتكذيب . { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } يكون جزاء التكذيب لازماً يحيق بكم لا محالة ، أو أثره لازماً بكم حتى يكبكم في النار ، وإنما أضمر من غير ذكر للتهويل والتنبيه على أنه لا يكتنهه الوصف ، وقيل المراد قتل يوم بدر وأنه لوزم بين القتلى لزاماً ، وقرىء » لِزَاماً « بالفتح بمعنى اللزوم كالثبات والثبوت . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الفرقان لقى الله وهو مؤمن بأن الساعة آتية لا ريب فيها وأدخل الجنة بغير نصب " .