Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 41-48)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَاءَ } فما اتخذوه معتمداً ومتكلاً . { كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً } فيما نسجته في الوهن والخور بل ذاك أوهن فإن لهذا حقيقة وانتفاعاً ما ، أو مثلهم بالإضافة إلى رجل بنى بيتاً من حجر وجص ، والعنكبوت يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ، والتاء فيه كتاء طاغوت ويجمع على عناكيب وعناكب وعكاب وعكبة وأعكب . { وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ } لا بيت أوهن وأقل وقاية للحر والبرد منه . { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } يرجعون إلى علم لعلموا أن هذا مثلهم وأن دينهم أوهن من ذلك ، ويجوز أن يكون المراد ببيت العنكبوت دينهم سماه به تحقيقاً للتمثيل فيكون المعنى : وإن أوهن ما يعتمد به في الدين دينهم . { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَىْء } على إضمار القول أي قل للكفرة إن الله يعلم ، وقرأ البصريان بالياء حملاً على ما قبله و { مَا } استفهامية منصوبة بـ { تَدْعُونَ } و { يَعْلَمْ } معلقة عنها و { مِنْ } للتبيين أو نافية و { مِنْ } مزيدة و { شَىْء } مفعول { تَدْعُونَ } أو مصدرية و { شَىْء } مصدر أو موصولة مفعول ليعلم ومفعول { تَدْعُونَ } عائدها المحذوف ، والكلام على الأولين تجهيل لهم وتوكيد للمثل وعلى الأخيرين وعيد لهم . { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } تعليل على المعنيين فإن من فرط الغباوة إشراك ما لا يعد شيئاً بمن هذا شأنه ، وأن الجماد بالإِضافة إلى القادر القاهر على كل شيء البالغ في العلم وإتقان الفعل الغاية كالمعدوم ، وأن من هذا وصفه قادر على مجازاتهم . { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَـٰلُ } يعني هذا المثل ونظائره . { نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } تقريباً لما بعد من أفهامهم . { وَمَا يَعْقِلُهَا } ولا يعقل حسنها وفائدتها . { إِلاَّ ٱلْعَـٰلِمُونَ } الذين يتدبرون الأشياء على ما ينبغي . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية فقال : " العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه " { خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقّ } محقاً غير قاصد به باطلاً ، فإن المقصود بالذات من خلقها إفادة الخير والدلالة على ذاته وصفاته كما أشار إليه بقوله : { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } لأنهم المنتفعون به . { ٱتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } تقرباً إلى الله تعالى بقراءته وتحفظاً لألفاظه واستكشافاً لمعانيه ، فإن القارىء المتأمل قد ينكشف به بالتكرار ما لم ينكشف له أول ما قرع سمعه . { وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر } بأن تكون سبباً للانتهاء عن المعاصي حال الاشتغال بها وغيرها من حيث إنها تذكر الله وتورث النفس خشية منه . روي أن فتى من الأنصار كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات ولا يدع شيئاً من الفواحش إلا ارتكبه ، فوصف له عليه السلام فقال : " إن صلاته ستنهاه " فلم يلبث أن تاب . { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } وللصلاة أكبر من سائر الطاعات ، وإنما عبر عنها به للتعليل بأن اشتمالها على ذكره هو العمدة في كونها مفضلة على الحسنات ناهية عن السيئات ، أو لذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته . { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } منه ومن سائر الطاعات فيجازيكم به أحسن المجازاة . { وَلاَ تُجَـٰدِلُواْ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِىَ أَحْسَنُ } إلا بالخصلة التي هي أحسن كعارضة الخشونة باللين والغضب بالكظم والمشاغبة بالنصح ، وقيل هو منسوخ بآية السيف إذ لا مجادلة أشد منه وجوابه أنه آخر الدواء ، وقيل المراد به ذو العهد منهم . { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } بالإِفراط في الاعتداء والعناد أو بإثبات الولد وقولهم { يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } [ المائدة : 64 ] أو بنبذ العهد ومنع الجزية . { وَقُولُواْ ءَامَنَّا بِٱلَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ } هو من المجادلة بالتي هي أحسن . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وبكتبه ورسله فإن قالوا باطلاً لم تصدقوهم وإن قالوا حقاً لم تكذبوهم " { وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } مطيعون له خاصة وفيه تعريض باتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله . { وَكَذٰلِكَ } ومثل ذلك الإِنزال . { أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } وحياً مصدقاً لسائر الكتب الإلهية وهو تحقيق لقوله : { فَٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } هم عبد الله بن سلام وأضرابه ، أو من تقدم عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب . { وَمِنْ هَـؤُلاء } ومن العرب أو أهل مكة أو ممن في عهد الرسول من أهل الكتابين . { مَن يُؤْمِنُ بِهِ } بالقرآن . { وَمَا يَجْحَدُ بِـئَايَـٰتِنَا } مع ظهورها وقيام الحجة عليها . { إِلاَّ ٱلْكَـٰفِرونَ } إلا المتوغلون في الكفر فإن جزمهم به يمنعهم عن التأمل فيما يقيد لهم صدقها لكونها معجزة بالإِضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كما أشار إليه بقوله : { وَمَا كُنْتَ تَتْلُواْ مِنْهُ قَبْلِهِ مِن كِتَـٰبٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } فإن ظهور هذا الكتاب الجامع لأنواع العلوم الشريفة أمي لم يعرف بالقراءة والتعلم خارق للعادة ، وذكر اليمين زيادة تصوير للمنفي ونفي للتجوز في الإِسناد . { إِذاً لاَّرْتَـٰبَ ٱلْمُبْطِلُونَ } أي لو كنت ممن يخط ويقرأ لقالوا لعله تعلمه أو التقطه من كتب الأولين الأقدمين ، وإنما سماهم مبطلين لكفرهم أو لارتيابهم بانتفاء وجه واحد من وجوه الإعجاز المكاثرة ، وقيل لارتاب أهل الكتاب لوجدانهم نعتك على خلاف ما في كتبهم فيكون إبطالهم باعتبار الواقع دون المقدر . { بَلْ هُوَ } بل القرآن .