Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 111-118)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } ضرراً يسيراً كطعن وتهديد . { وَإِن يُقَـٰتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدُبَارَ } ينهزموا ولا يضروكم بقتل وأسر . { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } ثم لا يكون أحد ينصرهم عليكم أو يدفع بأسكم عنهم ، نفي إضرارهم سوى ما يكون بقول وقرر ذلك بأنهم لو قاموا إلى القتال كانت الدبرة عليهم ، ثم أخبر بأنه تكون عاقبتهم العجز والخذلان . وقرىء « لا ينصروا » عطفاً على يولوا على أن ثم للتراخي في الرتبة فيكون عدم النصر مقيداً بقتالهم ، وهذه الآية من المغيبات التي وافقها الواقع إذ كان ذلك حال قريظة والنضير وبني قينقاع ويهود خيبر . { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذّلَّةُ } هدر النفس والمال والأهل ، أو ذل التمسك بالباطل والجزية . { أَيْنَمَا ثُقِفُواْ } وجدوا { إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مّنَ ٱلنَّاسِ } استثناء من أعم عام الأحوال أي ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا معتصمين ، أو ملتبسين بذمة الله أو كتابة الذي آتاهم وذمة المسلمين ، أو بدين الإِسلام واتباع سبيل المؤمنين . { وَبَاءوا بِغَضَبٍ مّنَ ٱللَّهِ } رجعوا به مستوجبين له { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ } فهي محيطة بهم إحاطة البيت المضروب على أهله ، واليهود في غالب الأمر فقراء ومساكين . { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما ذكـر ضـرب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب . { بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } بسبب كفرهم بالآيات وقتلهم الأنبياء . والتقييد بغير حق مع أنه كذلك في نفس الأمر للدلالة على أنه لم يكن حقاً بحسب اعتقادهم أيضاً . { ذٰلِكَ } أي الكفر والقتل . { بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } بسبب عصيانهم واعتدائهم حدود الله ، فإن الإِصرار على الصغائر يفضي إلى الكبائر والاستمرار عليها يؤدي إلى الكفر . وقيل معناه أن ضرب الذلة في الدنيا واستيجاب الغضب في الآخرة كما هو معلل بكفرهم وقتلهم فهو مسبب عن عصيانهم واعتدائهم من حيث إنهم مخاطبون بالفروع أيضاً . { لَيْسُواْ سَوَاء } في المساوي والضمير لأهل الكتاب . { مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ } استئناف لبيان نفي الاستواء ، والقائمة المستقيمة العادلة من أقمت العود فقام وهم الذين أسلموا منهم . { يَتْلُونَ ءايَـٰتِ ٱللَّهِ ءَانَاء ٱلَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } يتلون القرآن في تهجدهم . عَبَّر عنه بالتلاوة في ساعات الليل مع السجود ليكون أبين وأبلغ في المدح . وقيل المراد صلاة العشاء لأن أهل الكتاب لا يصلونها لما روي ( أنه عليه الصلاة والسلام أخرها ثم خرج فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال : " أما أنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم " . { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَـٰرِعُونَ فِي ٱلْخَيْرٰتِ } صفات أخر لأمة وصفهم بخصائص ما كانت في اليهود ، فإنهم منحرفون عن الحق غير متعبدين في الليل مشركون بالله ملحدون في صفاته ، واصفون اليوم الآخر بخلاف صفته ، مداهنون في الاحتساب متباطئون عن الخيرات . { وَأُوْلَـئِكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } أي الموصوفون بتلك الصفات ممن صلحت أحوالهم عند الله واستحقوا رضاه وثناءه . { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ } فلن يضيع ولا ينقص ثوابه ألبتة ، سمي ذلك كفراناً كما سمي توفية الثواب شكراً ، وتعديته إلى مفعولين لتضمنه معنى الحرمان ، وقرأ حفص وحمزة والكسائي { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ } بالياء والباقون بالتاء . { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } بشارة لهم وإشعار بأن التقوى مبدأ الخير وحسن العمل ، وأن الفائز عند الله هو أهل التقوى . { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلـٰدُهُم مّنَ ٱللَّهِ شَيْئًا } من العذاب ، أو من الغناء فيكون مصدراً . { وَأُوْلـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } ملازموها . { هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } . { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ } ما ينفق الكفرة قربة ، أو مفاخرة وسمعة ، أو المنافقون رياء أو خوفاً . { فِي هِـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ } برد شديد والشائع إطلاقة للريح الباردة كالصرر ، فهو في الأصل مصدر نعت به أو نعت وصف به البرد للمبالغة كقولك برد بارد . { أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } بالكفر والمعاصي { فَأَهْلَكَتْهُ } عقوبة لهم لأن الإِهلاك عن سخط أشد ، والمراد تشبيه ما انفقوا في ضياعه بحرث كفار ضربته صر فاستأصلته ولم يبق لهم فيه منفعة ما في الدنيا والآخرة ، وهو من التشبيه المركب ولذلك لم يبال بإيلاء كلمة التشبيه للريح دون الحرث ، ويجوز أن يقدر كمثل مهلك ريح وهو الحرث . { وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أي ما ظلم المنفقين بضياع نفقاتهم ، ولكنهم ظلموا أنفسهم لما لم ينفقوها بحيث يعتد بها ، أو ما ظلم أصحاب الحرث بإهلاكه ولكنهم ظلموا أنفسهم بارتكاب ما استحقوا به العقوبة . وقرىء { وَلَـٰكِنِ } أي ولكن أنفسهم يظلمونها ، ولا يجوز أن يقدر ضمير الشأن لأنه لا يحذف إلا في ضرورة الشعر كقوله : @ وَمَا كُنْتُ مِمَّنْ يَدْخُلُ العِشْقُ قَلْبَه وَلَكِنَّ مَنْ يُبْصِرْ جُفُونَكِ يَعْشَقِ @@ { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً } وليجة ، وهو الذي يعرفه الرجل أسراره ثقة به ، شبه ببطانة الثوب كما شبه بالشعار قال عليه الصلاة والسلام : " الأنصار شعار والناس دثار " . { مّن دُونِكُمْ } من دون المسلمين ، وهو متعلق بلا تتخذوا ، أو بمحذوف هو صفة بطانة أي بطانة كائنة من دونكم . { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } أي لا يقصرون لكم في الفساد ، والألو التقصير وأصله أن يعدى بالحرف وعدي إلى مفعولين كقولهم : لا آلوك نصحاً على تضمين معنى المنع أو النقص . { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } تمنوا عنتكم ، وهو شدة الضرر والمشقة وما مصدرية . { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَاء مِنْ أَفْوٰهِهِمْ } أي في كلامهم لأنهم لا يتمالكون أنفسهم لفرط بغضهم . { وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } مما بدا لأن بدوه ليس عن روية واختيار . { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَـٰتِ } الدالة على وجوب الإِخلاص وموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين . { إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } ما بين لكم ، والجمل الأربع جاءت مستأنفات على التعليل ، ويجوز أن تكون الثلاث الأول صفات لبطانة .