Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 123-132)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ } تذكير ببعض ما أفادهم التوكل . وبدر ماء بين مكة والمدينة كان لرجل يسمى بدراً فسمي به . { وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ } حال من الضمير ، وإنما قال أذلة ولم يقل ذلائل تنبيهاً على قلتهم مع ذلتهم لضعف الحال وقلة المراكب والسلاح . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في الثبات . { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } بتقواكم ما أنعم به عليكم من نصره ، أو لعلكم بنعم الله عليكم فتشكرون ، فوضع الشكر موضع الأنعام لأنه سببه . { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ } ظرف لنصركم . وقيل بدل ثان من إذ غدوت على أن قوله لهم يوم أحد وكان مع اشتراط الصبر والتقوى عن المخالفة ، فلما لم يصبروا عن الغنائم وخالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لم تنزل الملائكة . { أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ } إنكار أن لا يكفيهم ، ذلك وإنما جيء بلن إشعاراً بأنهم كانوا كالآيسين من النصر لضعفهم وقلتهم وقوة العدو وكثرتهم . قيل أمدهم الله يوم بدر أولاً بألف من الملائكة ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف . وقرأ ابن عامر { مُنزَلِينَ } بالتشديد للتكثير أو للتدريج . { بَلَىٰ } إيجاب لما بعد لن ، أي بلى يكفيكم . ثم وعد لهم الزيادة على الصبر والتقوى حثاً عليهما وتقوية لقلوبهم فقال : { إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ } أي المشركون . { مّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا } من ساعتهم هذه ، وهو في الأصل مصدر من فارت القدر إذ غلت ، فاستعير للسرعة ثم أطلق للحال التي لا ريث فيها ولا تراخي ، والمعنى إن يأتوكم في الحال . { يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالافٍ مّنَ ٱلْمَلَـئِكَةِ } في حال إتيانهم بلا تراخ ولا تأخير . { مُسَوّمِينَ } معلمين من التسويم الذي هو إظهار سيما الشيء لقوله عليه الصلاة والسلام لأصحابه . " تسوموا فإن الملائكة قد تسومت " أو مرسلين من التسويم بمعنى الأسامة . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب بكسر الواو . { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ } وما جعل إمدادكم بالملائكة . { إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ } إلا بشارة لكم بالنصر . { وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ } ولتسكن إليه من الخوف . { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } لا من العدة والعدد ، وهو تنبيه على أنه لا حاجة في نصرهم إلى مدد وإنما أمدهم ووعد لهم به إشارة لهم وربطاً على قلوبهم ، من حيث إن نظر العامة إلى الأسباب أكثر وحثاً على أن لا يبالوا بمن تأخر عنهم . { ٱلْعَزِيزُ } الذي لا يغالب في أقضيته . { ٱلْحَكِيمُ } الذي ينصر ويخذل بوسط وبغير وسط على مقتضى الحكمة والمصلحة . { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } متعلق بنصركم ، أو { وَمَا ٱلنَّصْرُ } إن كان اللام فيه للعهد ، والمعنى لينقص منهم بقتل بعض وأسر آخرين ، وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من صناديدهم . { أَوْ يَكْبِتَهُمْ } أو يخزيهم ، والكبت شدة الغيظ ، أو وهن يقع في القلب ، وأو للتنويع دون الترديد { فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ } فينهزموا منقطعي الأمال . { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْء } اعتراض . { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ } عطف على قوله أو يكبتهم ، والمعنى أن الله مالك أمرهم فإما أن يهلكهم أو يكبتهم أو يتوب عليهم إن أسلموا أو يعذبهم إن أصروا وليس لك من أمرهم شيء ، وإنما أنت عبد مأمور لإِنذارهم وجهادهم . ويحتمل أن يكون معطوفاً على الأمر أو شيء بإضمار أن ، أي ليس لك من أمرهم أو من التوبة عليهم أو من تعذيبهم شيء . أو ليس لك من أمرهم شيء ، أو التوبة عليهم أو تعذيبهم . وأن تكون أو بمعنى إلا أن . أي ليس لك من أمرهم شيء إلا أن يتوب الله عليهم فتسر به أو يعذبهم فتشفي منهم . روي ( أن عتبة بن أبي وقاص شجهُ يوم أحد وكسر رباعيته ، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول " كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم " فنزلت . وقيل هم أن يدعوا عليهم فنهاه الله لعلمه بأن فيهم من يؤمن . { فَإِنَّهُمْ ظَـٰلِمُونَ } قد استحقوا التعذيب بظلمهم . { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } خلقاً وملكاً فله الأمر كله لا لك . { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء } صريح في نفي وجوب التعذيب ، والتقييد بالتوبة وعدمها كالمنافي له . { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لعباده فلا تبادر إلى الدعاء عليهم . { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرّبَا أَضْعَـٰفاً مُّضَـٰعَفَةً } لا تزيدوا زيادات مكررة ، ولعل التخصيص بحسب الواقع . إذ كان الرجل منهم يربي إلى أجل ثم يزيد فيه زيادة أخرى حتى يستغرق بالشيء الطفيف مال المديون . وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب « مضعفة » . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فيما نهيتم عنه . { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } راجين الفلاح . { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ } بالتحرز عن متابعتهم وتعاطي أفعالهم ، وفيه تنبيه على أن النار بالذات معدة للكافرين وبالعرض للعصاة . { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أتبع الوعيد بالوعد ترهيباً عن المخالفة وترغيباً في الطاعة ، ولعل وعسى في أمثال ذلك دليل عزة التوصل إلى ما جعل خبراً له .