Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 137-146)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } وقائع سنها الله في الأمم المكذبة كقوله تعالى ؛ { وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ } وقيل أمم قال : @ مَا عَايَنَ النَّاسُ مِنْ فَضْلٍ كَفَضْلِكُمُو وَلاَ رَأَوْا مِثْلَهُ في سَالِفِ السُّنَنِ @@ { فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُكَذّبِينَ } لتعتبروا بما ترون من آثار هلاكهم . { هَـٰذَا بَيَانٌ لّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لّلْمُتَّقِينَ } إشارة إلى قولهِ { قَدْ خَلَتْ } ، أو مفهوم قوله { فَٱنظُرُواْ } أي أنه مع كونه بياناً للمكذبين فهو زيادة بصيرة وموعظة للمتقين ، أو إلى ما لخص من أمر المتقين والتائبين ، وقوله قد خلت جملة معترضة للحث على الإِيمان والتوبة وقيل إلى القرآن . { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَتَحْزَنُوا } تسلية لهم عما أصابهم يوم أحد ، والمعنى لا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم ولا تحزنوا على من قتل منكم . { وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ } وحالكم إنكم أعلى منهم شأناً ، فإنكم على الحق وقتالكم لله وقتلاكم في الجنة ، وإنهم على الباطل وقتالهم للشيطان وقتلاهم في النار ، أو لأنكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم اليوم ، أو وأنتم الأعلون في العاقبة فيكون بشارة لهم بالنصر والغلبة . { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } متعلق بالنهي أي لا تهنوا إن صح إيمانكم ، فإنه يقتضي قوة القلب بالوثوق على الله أو بالأعلون . { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مّثْلُهُ } قرأ حمزة والكسائي وابن عياش عن عاصم بضم القاف ، والباقون بالفتح وهما لغتان كالضعف والضعف . وقيل هو بالفتح الجراح وبالضم ألمها ، والمعنى إن أصابوا منكم يوم أحد فقد أصبتم منهم يوم بدر مثله ، ثم إنهم لم يضعفوا ولم يجبنوا فأنتم أولى بأن لا تضعفوا ، فإنكم ترجون من الله ما لا يرجون . وقيل كلا المِسينَّ كان يوم أحد فإن المسلمين نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم . { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } نصرفها بينهم تدليل لهؤلاء تارة ولهؤلاء أخرى كقوله : @ فَيَوْماً عَلَيْنَا وَيَوماً لَنَا وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرُّ @@ والمداولة كالمعاودة يقال داولت الشيء بينهم فتداولوه ، والأيام تحتمل الوصف والخبر و { نُدَاوِلُهَا } يحتمل الخبر والحال والمراد بها : أوقات النصر والغلبة . { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } عطف على علة محذوفة أي نداولها ليكون كيت وكيت وليعلم الله إيذاناً بأن العلة فيه غير واحدة ، وإن ما يصيب المؤمن فيه من المصالح ما لا يعلم ، أو الفعل المعلل به محذوف تقديره وليتميز الثابتون على الإِيمان من الذين على حرف فعلنا ذلك ، والقصد في أمثاله ونقائضه ليس إلى إثبات علمه تعالى ونفيه بل إلى إثبات المعلوم ونفيه على طريق البرهان . وقيل معناه ليعلمهم علماً يتعلق به الجزاء وهو العلم بالشيء موجوداً . { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء } ويكرم ناساً منكم بالشهادة يريد شهداء أحد ، أو يتخذ منكم شهوداً معدلين بما صودف منهم من الثبات والصبر على الشدائد . { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ } الذين يضمرون خلاف ما يظهرون ، أو الكافرين وهو اعتراض ، وفيه تنبيه على أنه تعالى لا ينصر الكافرين على الحقيقة وإنما يغلبهم أحياناً استدراجاً لهم وابتلاء للمؤمنين . { وَلِيُمَحّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } ليطهرهم ويصفيهم من الذنوب إن كانت الدولة عليهم . { وَيَمْحَقَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } ويهلكهم إن كانت عليهم ، والمحق نقص الشيء قليلاً قليلاً . { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } بل أحسبتم ومعناه الإِنكار . { وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ مِنكُمْ } ولما تجاهدوا ، وفيه دليل على أن الجهاد فرض كفاية والفرق بين { لَّمّاً } ولم إن فيه توقع الفعل فيما يستقبل . وقرىء { يَعْلَمْ } بفتح الميم على أن أصله يعلمن فحذفت النون { وَيَعْلَمَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } نصب بإضمار أن على أن الواو للجمع . وقرىء بالرفع على أن الواو للحال كأنه قال : ولما تجاهدوا وأنتم صابرون { وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ } أي الحرب فإنها من أسباب الموت ، أو الموت بالشهادة . والخطاب للذين لم يشهدوا بدراً وتمنوا أن يشهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهداً لينالوا ما نال شهداء بدر من الكرامة فألحوا يوم أحد على الخروج . { مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ } من قبل أن تشاهدوه وتعرفوا شدته . { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } أي فقد رأيتموه معاينين له حين قتل دونكم من قتل من إخوانكم ، وهو توبيخ لهم على أنهم تمنوا الحرب وتسببوا لها ثم جبنوا وانهزموا عنها ، أو على تمني الشهادة فإن في تمنيها تمني غلبة الكفار . { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } فسيخلوا كما خلوا بالموت أو القتل . { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } إِنكاراً لارتدادهم وانقلابهم على أعقابهم عن الدين لخلوه بموت أو قتل بعد علمهم بخلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكاً به . وقيل الفاء للسببية والهمزة لإِنكار أن يجعلوا خلو الرسل قبله سبباً لانقلابهم على أعقابهم بعد وفاته . روي " أنه لما رمى عبدُ الله بن قميئة الحارثي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر رباعيته وشج وجهه ، فذب عنه مصعب بن عمير رضي الله عنه وكان صاحب الراية حتى قتله ابن قميئة وهو يرى أنه قتل النبي عليه الصلاة والسلام فقال : قد قتلت محمداً وصرخ صارخ ألا إن محمداً قد قتل ، فانكفأ الناس وجعل الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو إليَّ عباد الله فانحاز إليه ثلاثون من أصحابه وحموه حتى كشفوا عنه المشركين وتفرق الباقون ، وقال بعضهم : ليت ابن أبي يأخذ لنا أماناً من أبي سفيان ، وقال ناس من المنافقين لو كان نبياً لما قتل ارجعوا إلى إخوانكم ودينكم فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك رضي الله عنهما : يا قوم إن كان قتل محمد فإن رب محمد حي لا يموت وما تصنعون بالحياة بعده فقاتلوا على ما قاتل عليه ، ثم قال اللهم إني أعتذر إليك مما يقولون وأبرأ إليك منه وشد بسيفه فقاتل حتى قتل " فنزلت . { وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً } بارتداده بل يضر نفسه . { وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِينَ } على نعمة الإِسلام بالثبات عليه كأنس وأضرابه . { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله } إلا بمشيئة الله تعالى أو بإذنه لملك الموت عليه الصلاة والسلام في قبض روحه ، والمعنى أن لكل نفس أجلاً مسمى في علمه تعالى وقضائه { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [ الأعراف : 34 ] بالإِحجام عن القتال والإِقدام عليه . وفيه تحريض وتشجيع على القتال ، ووعد للرسول صلى الله عليه وسلم بالحفظ وتأخير الأجل . { كِتَـٰباً } مصدر مؤكد إذ المعنى كتب الموت كتاباً . { مُّؤَجَّلاً } صفة له أي مؤقتاً لا يتقدم ولا يتأخر . { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } تعريض لمن شغلتهم الغنائم يوم أحد ، فإن المسلمين حملوا على المشركين وهزموهم وأخذوا ينهبون ، فلما رأى الرماة ذلك أقبلوا على النهب وخلوا مكانهم فانتهز المشركون وحملوا عليهم من ورائهم فهزموهم . { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا } أي من ثوابها . وَسَنَجْزي الشَّاكرِينَ الذين شكروا نعمة الله فلم يشغلهم شيء عن الجهاد . { وَكَأَيِّن } أصله أي دخلت الكاف عليها وصارت بمعنى كم والنون تنوين أثبت في الخط على غير قياس . وقرأ ابن كثير « وكائن » ككاعن ووجهه أنه قلب قلب الكلمة الواحدة كقولهم وعملي في لعمري ، فصار كأين ثم حذفت الياء الثانية للتخفيف ثم أبدلت الياء الأخرى ألفاً كما أبدلت من طائي { مّن نَّبِيٍّ } بيان له . { قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيُّونَ كَثِيرٌ } ربانيون علماء أتقياء ، أو عابدون لربهم . وقيل جماعات والربى منسوب إلى الربة وهي الجماعة للمبالغة . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب « قتل » ، وإسناده إلى { رِبّيُّونَ } أو ضمير النبي ومعه ربيون حال منه ويؤيد الأول أنه قرىء بالتشديد وقرىء { رِبّيُّونَ } بالفتح على الأصل وبالضم وهو من تغييرات النسب كالكسر . { فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } فما فتروا ولم ينكسر جدهم لما أصابهم من قتل النبي أو بعضهم . { وَمَا ضَعُفُواْ } عن العدو أو في الدين . { وَمَا ٱسْتَكَانُواْ } وما خضعوا للعدو ، وأصله استكن من السكون لأن الخاضع يسكن لصاحبه ليفعل به ما يريده ، والألف من إشباع الفتحة أو استكون من الكون لأنه يطلب من نفسه أن يكون لمن يخضع له ، وهذا تعريف بما أصابهم عند الإِرجاف بقتله عليه الصلاة والسلام . والله يُحِبُّ الصَّابِرِينَ فينصرهم ويعظم قدرهم .