Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 167-173)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ } وليتميز المؤمنون والمنافقون فيظهر إيمان هؤلاء وكفر هؤلاء . { وَقِيلَ لَهُمْ } عطف على نافقوا داخل في الصلة أو كلام مبتدأ . { تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ } تقسيم للأمر عليهم وتخيير بين أن يقاتلوا للآخرة أو للدفع عن الأنفس والأموال . وقيل معناه قاتلوا الكفرة أو ادفعوهم بتكثيرهم سواد المجاهدين ، فإن كثرة السواد مما يروع العدو ويكسر منه . { قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَـٰكُمْ } لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالاً لاتبعناكم فيه لكن ما أنتم عليه ليس بقتال بل إلقاء بالأنفس إلى التهلكة ، أو لو نحسن قتالاً لاتبعناكم فيه ، وإنما قالوه دغلاً واستهزاء . { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَـٰنِ } لانخذالهم وكلامهم هذا فإنهما أول أمارات ظهرت منهم مؤذنة بكفرهم . وقيل هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان ، إذ كان انخذالهم ومقالهم تقوية للمشركين وتخذيلاً للمؤمنين . { يَقُولُونَ بِأَفْوٰهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } يظهرون خلاف ما يضمرون ، لا تواطىء قلوبهم ألسنتهم بالإِيمان . وإضافة القول إلى الأفواه تأكيد وتصوير . { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } من النفاق . وما يخلوا به بعضهم إلى بعض فإنه يعلمه مفصلاً بعلم واجب وأنتم تعلمونه مجملاً بأمارات . { ٱلَّذِينَ قَالُواْ } رفع بدلاً من واو { يَكْتُمُونَ } ، أو نصب على الذم أو الوصف للذين نافقوا ، أو جر بدلاً من الضمير في { بِأَفْوٰهِهِم } أو { قُلُوبِهِمْ } كقوله : @ عَلَى حَالةٍ لَوْ أَنَّ فِي القَوْمِ حَاتِما عَلَى جُودِهِ لضَنَّ بِالمَاءِ حَاتِمُ @@ { لإِخْوٰنِهِمْ } أي لأجلهم ، يريد من قتل يوم أحد من أقاربهم أو من جنسهم . { وَقَعَدُواْ } حال مقدرة بقد أي قالوا قاعدين عن القتال . { لَوْ أَطَاعُونَا } في القعود بالمدينة . { مَا قُتِلُوا } كما لم نقتل . وقرأ هشام { مَا قُتِلُوا } بتشديد التاء . { قُلْ فَادْرَءوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي إن كنتم صادقين إنكم تقدرون على دفع القتل عمن كتب عليه فادفعوا عن أنفسكم الموت وأسبابه ، فإنه أحرى بكم ، والمعنى أن القعود غير مغن عن الموت ، فإن أسباب الموت كثيرة كما أن القتال يكون سبباً للهلاك والقعود سبباً للنجاة قد يكون الأمر بالعكس . { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً } نزلت في شهداء أحد . وقيل في شهداء بدر والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد . وقرىء بالياء على إسناده إلى ضمير الرسول ، أو من يحسب أو إلى الذين قتلوا . والمفعول الأول محذوف لأنه في الأصل مبتدأ جائز الحذف عند القرينة . وقرأ ابن عامر قتلوا بالتشديد لكثرة المقتولين . { بَلْ أَحْيَاء } أي بل هم أحياء . وقرىء بالنصب على معنى بل أحسبهم أحياء { عِندَ رَبّهِمْ } ذوو زلفى منه . { يُرْزَقُونَ } من الجنة وهو تأكيد لكونهم أحياء . { فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } وهو شرف الشهادة والفوز بالحياة الأبدية والقرب من الله تعالى والتمتع بنعيم الجنة . { وَيَسْتَبْشِرُونَ } يسرون بالبشارة . { بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم } أي بإخوانهم المؤمنين الذين لم يقتلوا فيلحقوا بهم . { مّنْ خَلْفِهِمْ } أي الذين من خلفهم زماناً أو رتبة . { أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } بدل من الذين والمعنى : إنهم يستبشرون بما تبين لهم من أمر الآخرة وحال من تركوا من خلفهم من المؤمنين ، وهو إنهم إذا ماتوا أو قتلوا كانوا أحياء حياة لا يكدرها خوف وقوع محذور ، وحزن فوات محبوب . والآية تدل على أن الإنسان غير الهيكل المحسوس بل هو جوهر مدرك بذاته لا يفنى بخراب البدن ، ولا يتوقف عليه إدراكه وتألمه والتذاذه ، ويؤيد ذلك قوله تعالى في آل فرعون { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا } [ غافر : 46 ] الآية وما روى ابن عباس رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام قال " أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل معلقة في ظل العرش " ومن أنكر ذلك ولم ير الروح إلا ريحاً وعرضاً قال هم أحياء يوم القيامة ، وإنما وصفوا به في الحال لتحققه ودنوه أو أحياء بالذكر أو بالإيمان . وفيها حث على الجهاد وترغيب في الشهادة وبعث على ازدياد الطاعة وإحماد لمن يتمنى لإِخوانه مثل ما أنعم عليه ، وبشرى للمؤمنين بالفلاح . { يَسْتَبْشِرُونَ } كرره للتأكيد وليعلق به ما هو بيان لقوله : { أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } ويجوز أن يكون الأول بحال إخوانهم وهذا بحال أنفسهم . { بِنِعْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } ثواباً لأعمالهم . { وَفَضْلٍ } زيادة عليه كقوله تعالى : { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] وتنكيرهما للتعظيم . { وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } من جملة المستبشر به عطف على فضل . وقرأ الكسائي بالكسر على أنه استئناف معترض دال على أن ذلك أجر لهم على إيمانهم مشعر بأن من لا إيمان له أعماله محبطة وأجوره مضيعة . { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَـٰبَهُمُ ٱلْقَرْحُ } صفة للمؤمنين ، أو نصب على المدح أو مبتدأ خبره . { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } بجملته ومن البيان ، والمقصود من ذكر الوصفين المدح والتعليل لا التقييد ، لأن المستجيبين كلهم محسنون متقون . روي " أن أبا سفيان وأصحابه لما رجعوا فبلغوا الروحاء ندموا وهموا بالرجوع ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فندب أصحابه للخروج في طلبه وقال لا يخرجن معنا إلا من حضر يومنا بالأمس ، فخرج عليه الصلاة والسلام مع جماعة حتى بلغوا حمراء الأسد وهي ثمانية أميال من المدينة وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر ، وألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا " فنزلت . { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ } يعني الركب الذين استقبلوهم من عبد قيس أو نعيم بن مسعود الأشجعي ، وأطلق عليه الناس لأنه من جنسهم كما يقال فلان يركب الخيل وماله إلا فرس واحد لأنه انضم إليه ناس من المدينة وأذاعوا كلامه . { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ } يعني أبا سفيان وأصحابه روي : أنه نادى عند انصرافه من أحد : يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت فقال عليه الصلاة والسلام : " إن شاء الله تعالى " ، فلما كان القابل خرج في أهل مكة حتى نزل بمر الظهران فأنزل الله الرعب في قلبه وبدا له أن يرجع ، فمر به ركب من عبد قيس يريدون المدينة للميرة فشرط لهم حمل بعير من زبيب أن ثبطوا المسلمين . وقيل : لقي نعيم بن مسعود وقد قدم معتمراً فسأله ذلك والتزم له عشراً من الإِبل ، فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم أتوكم في دياركم فلم يفلت منكم أحد إلا شريد افترون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم ففتروا ، فقال عليه السلام : " والذي نفسي بيده لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد " فخرج في سبعين راكباً وهم يقولون حسبنا الله . { فَزَادَهُمْ إِيمَـٰناً } الضمير المستكن للمقول أو لمصدر قال أو لفاعله أن أريد به نعيم وحده ، والبارز للمقول لهم والمعنى : إنهم لم يلتفتوا إليه ولم يضعفوا بل ثبت به يقينهم بالله وازداد إيمانهم وأظهروا حمية الإِسلام وأخلصوا النية عنده ، وهو دليل على أن الإِيمان يزيد وينقص ويعضده قول ابن عمر رضي الله عنهما " قلنا يا رسول الله الإِيمان يزيد وينقص ، قال : نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار " وهذا ظاهر إن جعل الطاعة من جملة الإِيمان وكذا إن لم تجعل فإن اليقين يزداد بالإِلف وكثرة التأمل وتناصر الحجج . { وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ } محسبنا وكافينا ، من أحسبه إذا كفاه ويدل على أنه بمعنى المحسب إنه لا يستفيد بالإِضافة تعريفاً في قولك هذا رجل حسبك . { وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } ونعم الموكول إليه هو فيه .