Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 45-54)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـئِكَةُ } بدل من { إِذْ قَالَتِ } الأولى وما بينهما اعتراض ، أو من { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } على أن وقوع الاختصام والبشارة في زمان متسع كقولك لقيته سنة كذا . { يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشّرُكِ بِكَلِمَةٍ مّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } المسيح لقبه وهو من الألقاب المشرفة كالصديق وأصله بالعبرية مشيحا معناه : المبارك ، وعيسى معرب ايشوع واشتقاقهما من المسح لأنهما مسح بالبركة أو بما طهره من الذنوب ، أو مسح الأرض ولم يقم في موضع ، أو مسحه جبريل ، ومن العيس وهو بياض يعلوه حمرة ، تكلف لا طائل تحته ، وابن مريم لما كان صفة تميز تمييز الأسماء نظمت في سلكها ، ولا ينافي تعدد الخبر وإفراد المبتدأ فإنه اسم جنس مضاف ويحتمل أن يراد به أن الذي يعرف به ويتميز عن غيره هذه الثلاثة ، فإن الإِسم علامة المسمى والمميز له ممن سواه ويجوز أن يكون عيسى خبر مبتدأ محذوف وابن مريم صفته ، وإنما قيل ابن مريم والخطاب لها تنبيهاً على أنه يولد من غير أب إذ الأولاد تنسب إلى الآباء ولا تنسب إلى الأم إلا إذا فقد الأب . { وَجِيهًا فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةِ } حال مقدرة من كلمة وهي وإن كانت نكرة لكنها موصوفة وتذكيره للمعنى ، والوجاهة في الدنيا النبوة وفي الآخرة الشفاعة { وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } من الله ، وقيل إشارة إلى علو درجته في الجنة أو رفعه إلى السماء وصحبة الملائكة . { وَيُكَلّمُ ٱلنَّاسَ فِى ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } أي يكلمهم حال كونه طفلاً وكهلاً ، كلام الأنبياء من غير تفاوت . والمهد مصدر سمي به ما يمهد للصبي في مضجعه . وقيل إنه رفع شاباً والمراد وكهلاً بعد نزوله ، وذكر أحواله المختلفة المتنافية إرشاداً إلى أنه بمعزل عن الألوهية { وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } حال ثالث من كلمة أو ضميرها الذي في يكلم . { قَالَتْ رَبّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ } تعجب ، أو استبعاد عادي ، أو استفهام عن أنه يكون بتزوج أو غيره . { قَالَ كَذٰلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء } القائل جبريل ، أو الله تعالى وجبريل حكى لها قول الله تعالى . { إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } إشارة إلى أنه تعالى كما يقدر أن يخلق الأشياء مدرجاً بأسباب ومواد يقدر أن يخلقها دفعة من غير ذلك . { وَيُعَلّمُهُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنجِيلَ } كلام مبتدأ ذكر تطييباً لقلبها وإزاحة لما همها من خوف اللوم لما علمت أنها تلد من غير زوج ، أو عطف على يبشرك ، أو وجيهاً و { ٱلْكِتَـٰبَ } الكتبة أو جنس الكتب المنزلة . وخص الكتابان لفضلهما . وقرأ نافع وعاصم { وَيُعَلّمُهُ } بالياء . { وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رَّبّكُمْ } منصوب بمضمر على إرادة القول تقديره : ويقول أرسلت رسولاً بأني قد جئتكم ، أو بالعطف على الأحوال المتقدمة مضمناً معنى النطق فكأنه قال : وناطقاً بأني قد جئتكم ، وتخصيص بني إسرائيل لخصوص بعثته إليهم أو للرد على من زعم أنه مبعوث إلى غيرهم . { أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مّنَ ٱلطّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ } نصب بدل من أني قد جئتكم ، أو جر بدل من آية ، أو رفع على هي أني أخلق لكم والمعنى : أقدر لكم وأصور شيئاً مثل صورة الطير ، وقرأ نافع { إِنّى } بالكسر { فَأَنفُخُ فِيهِ } الضمير للكاف أي في ذلك الشيء المماثل . { فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ ٱللَّهِ } فيصير حياً طياراً بأمر الله ، نبه به على أن إحياءه من الله تعالى لا منه . وقرأ نافع هنا وفي المائدة « طائراً » بالألف والهمزة . { وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ } الأكمه الذي ولد أعمى أو الممسوح العين . روي : أنه ربما كان يجتمع عليه ألوف من المرضى من أطاق منهم أتاه ومن لم يطق أتاه عيسى عليه الصلاة والسلام وما يداوي إلا بالدعاء . { وَأُحيِي المَوْتَى بِإِذْنِ الله } كرر بإذن الله دفعاً لتوهم الألوهية ، فإن الإِحياء ليس من جنس الأفعال البشرية . { وَأُنَبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ } بالمغيبات من أحوالكم التي لا تشكون فيها . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأَيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } موفقين للإِيمان فإن غيرهم لا ينتفع بالمعجزات ، أو مصدقين للحق غير معاندين . { وَمُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } عطف على { رَسُولاً } على الوجهين ، أو منصوب بإضمار فعل دل عليه { قَدْ جِئْتُكُم } أي وجئتكم مصدقاً . { وَلأُحِلَّ لَكُم } مقدر بإضماره ، أو مردود على قوله : { أَنّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ } ، أو معطوف على معنى { مُصَدّقاً } كقولهم جئتك معتذراً ولأطيب قلبك . { بَعْضَ ٱلَّذِي حُرّمَ عَلَيْكُم } أي في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام كالشحوم والثروب والسمك ولحوم الإِبل والعمل في السبت ، وهو يدل على أن شرعه كان ناسخاً لشرع موسى عليه الصلاة والسلام ولا يخل ذلك بكونه مصدقاً للتوراة ، كما لا يعود نسخ القرآن بعضه ببعض عليه بتناقض وتكاذب ، فإن النسخ في الحقيقة بيان وتخصيص في الأزمان { وَجِئْتُكُمْ بِأَيَةٍ مّن رَّبّكُمْ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } . { إِنَّ ٱللَّهَ رَبّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ } أي جئتكم بآية أخرى ألهمنيها ربكم وهو قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ رَبّي وَرَبُّكُمْ } فإنه دعوة الحق المجمع عليها فيما بين الرسل الفارقة بين النبي والساحر ، أو جئتكم بآية على أن الله ربي وربكم وقوله : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } اعتراض والظاهر أنه تكرير لقوله : { قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رَّبّكُمْ } أي جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم ، والأول لتمهيد الحجة والثاني لتقريبها إلى الحكم ولذلك رتب عليه بالفاء قوله تعالى : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي لما جئتكم بالمعجزات الظاهرة والآيات الباهرة فاتقوا الله في المخالفة وأطيعون فيما أدعوكم إليه ، ثم شرع في الدعوة وأشار إليها بالقول المجمل فقال : { إِنَّ ٱللَّهَ رَبّي وَرَبُّكُمْ } إشارة إلى استكمال القوة النظرية بالاعتقاد الحق الذي غايته التوحيد ، وقال : { فَٱعْبُدُوهُ } إشارة إلى استكمال القوة العلمية فإنه بملازمة الطاعة التي هي الإِتيان بالأوامر والانتهاء عن المناهي ، ثم قرر ذلك بأن بين أن الجمع بين الأمرين هو الطريق المشهود له بالاستقامة ، ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام " قل آمنت بالله ثم استقم " . { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ } تحقق كفرهم عنده تحقق ما يدرك بالحواس . { قَالَ مَنْ أَنصَارِى إِلَى ٱللَّهِ } ملتجئاً إلى الله تعالى أو ذاهباً أو ضاماً إليه ، ويجوز أن يتعلق الجار بـ { أَنصَارِي } مضمناً معنى الإِضافة ، أي من الذين يضيفون أنفسهم إلى الله تعالى في نصري . وقيل إلـى هـا هنا بمعنى ( مع ) أو ( في ) أو ( اللام ) . { قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ } حواري الرجل خاصته من الحور وهو البياض الخالص ، ومه الحواريات للحضريات لخلوص ألوانهن . سمي به أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام لخلوص نيتهم ونقاء سريرتهم . وقيل كانوا ملوكاً يلبسون البيض استنصر بهم عيسى عليه الصلاة والسلام من اليهود . وقيل قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها . { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } أي أنصار دين الله . { آمنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } لتشهد لنا يوم القيامة حين تشهد الرسل لقومهم وعليهم . { رَبَّنَا ءامَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } أي مع الشاهدين بوحدانيتك ، أو مع الأنبياء الذين يشهودن لأتباعهم ، أو مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم شهداء على الناس . { وَمَكَرُواْ } أي الذين أحس منهم الكفر من اليهود بأن وكلوا عليه من يقتله غيلة . { وَمَكَرَ ٱللَّهُ } حين رفع عيسى عليه الصلاة والسلام وألقى شبهه على من قصد اغتياله حتى قتل . والمكر من حيث إنه في الأصل حيلة يجلب بها غيره إلى مضرة لا يسند إلى الله تعالى إلا على سبيل المقابلة والإِزدواج . { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَـٰكِرِينَ } أقواههم مكراً وأقدرهم على إيصال الضرر من حيث لا يحتسب .