Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 5-7)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْء فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَاء } أي شيء كائن في العالم كلياً كان أو جزئياً ، إيماناً أو كفراً . فعبَّر عنه بالسماء والأرض إِذ الحس لا يتجاوزهما ، وإنما قدم الأرض ترقياً من الأدنى إلى الأعلى ، ولأن المقصود بالذكر ما اقترف فيها . وهو كالدليل على كونه حياً وقوله : { هُوَ ٱلَّذِي يُصَوّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء } أي من الصور المختلفة ، كالدليل على القيومية ، والاستدلال على أنه عالم بإتقان فعله في خلق الجنين وتصويره . وقرىء « تصوركم » أي صوركم لنفسه وعبادته . { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } إذ لا يعلم غيره جملة ما يعلمه ولا يقدر على مثل ما يفعله . { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } إشارة إلى كمال قدرته وتناهي حكمته . قيل : هذا حجاج على من زعم أن عيسى كان رباً ، فإِن وفد نجران لما حاجوا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت السورة ، من أولها إلى نيف وثمانين آية تقريراً لما احتج به عليهم وأجاب عن شبههم . { هُوَ ٱلَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ مِنْهُ آيَـٰتٌ مُّحْكَمَـٰتٌ } أحكمت عبارتها بأن حفظت من الإِجمال والاحتمال . { هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ } أصله يرد إليها غيرها والقياس أمهات فأفرد على تأويل كل واحدة ، أو على أن الكل بمنزلة آية واحدة . { وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتٌ } محتملات لا يتضح مقصودها لإِجمال أو مخالفة ظاهر إلا بالفحص والنظر ليظهر فيها فضل العلماء ، ويزداد حرصهم على أن يجتهدوا في تدبرها وتحصيل العلوم المتوقف عليها استنباط المراد بها ، فينالوا بها وبإتعاب القرائح في استخراج معانيها ، والتوفيق بينها وبين المحكمات معالي الدرجات . وأما قوله تعالى : { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَـٰتُهُ } [ هود : 1 ] فمعناه أنها حفظت من فساد المعنى وركاكة اللفظ ، وقوله : { كِتَـٰباً مُّتَشَـٰبِهاً } [ الزمر : 23 ] فمعناه أنه يشبه بعضه بعضاً في صحة المعنى وجزالة اللفظ ، و { أُخَرُ } جمع أخرى وإنما لم ينصرف لأنه وصف معدول عن الآخر ولا يلزم منه معرفته ، لأن معناه أن القياس أن يعرف ولم يعرف لا أنه في معنى المعرف أو عن { أخر } من { فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } عدول عن الحق كالمبتدعة . { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنْهُ } فيتعلقون بظاهره أو بتأويل باطل { ٱبْتِغَاء ٱلْفِتْنَةِ } طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه . { وَٱبْتِغَاء تَأْوِيلِهِ } وطلب أن يؤولوه على ما يشتهونه ، ويحتمل أن يكون الداعي إلى الاتباع مجموع الطلبتين ، أو كل واحدة منهما على التعاقب . والأول يناسب المعاند والثاني يلائم الجاهل . { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ } الذي يجب أن يحمل عليه . { إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } أي الذين ثبتوا وتمكنوا فيه ، ومن وقف على { إِلاَّ ٱللَّهُ } فسر المتشابه بما استأثر الله بعلمه : كمدة بقاء الدنيا ، ووقت قيام الساعة ، وخواص الأعداد كعدد الزبانية ، أو بمبادل القاطع على أن ظاهره غير مراد ولم يدل على ما هو المراد . { يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ } استئناف موضح لحال { الراسخين } ، أو حال منهم أو خبر أن جعلته مبتدأ . { بِهِ كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا } أي كل من المتشابه والمحكم من عنده ، { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ } مدح للراسخين بجودة الذهن وحسن النظر ، وإشارة إلى ما استعدوا به للاهتداء إلى تأويله ، وهو تجرد العقل عن غواشي الحس ، واتصال الآية بما قبلها من حيث إنها في تصوير الروح بالعلم وتربيته ، وما قبلها في تصوير الجسد وتسويته ، أو أنها جواب عن تشبث النصارى بنحو قوله تعالى : { وَكَلِمَتُهُ أَلْقَـٰهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مّنْهُ } [ النساء : 171 ] كما أنه جواب عن قوله لا أب له غير الله ، فتعين أن يكون هو أباه بأنه تعالى مصور الأجنة كيف يشاء فيصور من نطفة أب ومن غيرها ، وبأنه صوره في الرحم والمصور لا يكون أب المصور .