Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 87-93)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلَـئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } يدل بمنطوقه على جواز لعنهم ، وبمفهومه على نفي جواز لعن غيرهم . ولعل الفرق أنهم مطبوعون على الكفر ممنوعون عن الهدى مؤيسون عن الرحمة رأساً بخلاف غيرهم ، والمراد بالناس المؤمنون أو العموم فإن الكافر أيضاً يلعن منكر الحق والمرتد عنه ولكن لا يعرف الحق بعينه . { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } في اللعنة ، أو العقوبة ، أو النار وإن لم يجز ذكرهما لدلالة الكلام عليهما . { لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } . { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي من بعد الارتداد . { وَأَصْلَحُواْ } ما أفسدوا ، ويجوز أن لا يقدر له مفعول بمعنى ودخلوا في الصلاح . { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } يقبل توبته . { رَّحِيمٌ } يتفضل عليه . قيل : إنها نزلت في الحارث بن سويد حين ندم على ردته فأرسل إلى قومه أن سلوا هل لي من توبة ، فأرسل إليه أخوه الجلاس بالآية فرجع إلى المدينة فتاب . { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْرًا } كاليهود كفروا بعيسى والإِنجيل بعد الإِيمان بموسى والتوراة ، ثم ازدادوا كفراً بمحمد والقرآن ، أو كفروا بمحمد بعدما آمنوا به قبل مبعثه ثم ازدادوا كفراً بالإصرار والعناد والطعن فيه والصد عن الإيمان ونقض الميثاق ، أو كقوم ارتدوا ولحقوا بمكة ثم ازدادوا كفراً بقولهم نتربص بمحمد ريب المنون أو نرجع إليه وننافقه بإظهاره . { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } لأنهم لا يتوبون ، أو لا يتوبون إلا إذا أشرفوا على الهلاك فكني عن عدم توبتهم بعدم قبولها تغليظاً في شأنهم وإبرازاً لحالهم في صورة حال الآيسين من الرحمة ، أو لأن توبتهم لا تكون إلا نفاقاً لارتدادهم وزيادة كفرهم ، ولذلك لم تدخل الفاء فيه . { وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلضَّالُّونَ } الثابتون على الضلال . { إِن ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَبًا } لما كان الموت على الكفر سبباً لامتناع قبول الفدية أدخل الفاء ها هنا للإِشعار به ، وملء الشيء ما يملؤه . و { ذَهَبًا } نصب على التمييز . وقرىء بالرفع على البدل من { مّلْء } أو الخبر لمحذوف . { وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } محمول على المعنى كأنه قيل : فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهباً ، أو معطوف على مضمر تقديره فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً لو تقرب به في الدنيا ولو افتدى به من العذاب في الآخرة ، أو المراد ولو افتدى بمثله كقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ } [ المائدة : 36 ] والمثل يحذف ويراد كثيراً لأن المثلين في حكم شيء واحد { أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } مبالغة في التحذير وإقناط لأن من لا يقبل منه الفداء ربما يعفى عنه تكرماً { وَمَا لَهُم مّن نَّـٰصِرِينَ } في دفع العذاب ومن مزيدة للاستغراق . { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ } أي لن تبلغوا حقيقة البر الذي هو كمال الخير ، أو لن تنالوا بر الله الذي هو الرحمة والرضى والجنة . { حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } أي من المال ، أو ما يعمه وغيره كبذل الجاه في معاونة الناس ، والبدن في طاعة الله والمهجة في سبيله . روي ( أنها لما نزلت جاء أبو طلحة فقال : يا رسول الله إن أحب أموالي إلي بيرحاء فضعها حيث أراك الله ، فقال : " بخ بخ ذاك مال رابح أو رائح ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين " . وجاء زيد بن حارثة بفرس كان يحبها فقال : هذه في سبيل الله فحمل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد فقال : زيد إنما أردت أن أتصدق بها فقال عليه السلام : " إن الله قد قبلها منك " وذلك يدل على أن إنفاق أحب الأموال على أقرب الأقارب أفضل ، وأن الآية تعم الإِنفاق الواجب والمستحب . وقرىء « بعض ما تحبون » وهو يدل على أن من للتبعيض ويحتمل التبيين . { وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ } أي من أي شيء محبوب أو غيره ومن لبيان ما . { فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } فيجازيكم بحسبه . { كُلُّ ٱلطَّعَامِ } أي المطعومات والمراد أكلها . { كَانَ حِـلاًّ لّبَنِي إِسْرٰءيلَ } حلالاً لهم ، وهو مصدر نعت به ولذلك استوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث قال تعالى : { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ } [ الممتحنه : 10 ] { إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرٰءيلُ } يعقوب . { عَلَىٰ نَفْسِهِ } كلحوم الإِبل وألبانها . وقيل كان به عرق النسا فنذر إن شفي لم يأكل أحب الطعام إليه وكان ذلك أحبه إليه . وقيل : فعل ذلك للتداوي بإشارة الأطباء . واحتج به من جوز للنبي أن يجتهد ، وللمانع أن يقول ذلك بإذن من الله فيه فهو كتحريمه ابتداء . { مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ } أي من قبل إنزالها مشتملة على تحريم ما حرم عليهم لظلمهم وبغيهم عقوبة وتشديداً ، وذلك رد على اليهود في دعوى البراءة مما نعى عليهم في قوله تعالى : { فَبِظُلْمٍ مّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَـٰتٍ } [ النساء : 160 ] وقوله : { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } [ الأنعام : 146 ] الآيتين ، بأن قالوا لسنا أول من حرمت عليه وإنما كانت محرمة على نوح وإبراهيم ومن بعده حتى انتهى الأمر إلينا فحرمت علينا كما حرمت على من قبلنا ، وفي منع النسخ والطعن في دعوى الرسول عليه السلام موافقة إبراهيم عليه السلام بتحليله لحوم الإِبل وألبانها . { قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أمر بمحاجتهم بكتابهم وتبكيتهم بما فيه من أنه قد حرم عليهم بسبب ظلمهم ما لم يكن محرماً . روي : أنه عليه السلام لما قاله لهم بهتوا ولم يجسروا أن يخرجوا التوراة . وفيه دليل على نبوته .