Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 127-133)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنّسَاء } في ميراثهن إذ سبب نزوله ( أن عيينة بن حصن أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أخبرنا أنك تعطي الابنة النصف والأخت النصف ، وإنما كنا نورث من يشهد القتال ويحوز الغنيمة فقال عليه الصلاة والسلام : " كذلك أمرت " { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } يبين لكم حكمه فيهن والافتاء تبيين المبهم . { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَـٰبِ } عطف على اسم الله تعالى ، أو ضميره المستكن في يفتيكم وساغ للفصل فيكون الإِفتاء مسنداً إلى الله سبحانه وتعالى وإلى ما في القرآن من قوله تعالى : { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ } ونحوه ، والفعل الواحد ينسب إلى فاعلين مختلفين باعتبارين مختلفين ، ونظيره أغناني زيد وعطاؤه ، أو استئناف معترض لتعظيم المتلو عليهم على أن ما يتلى عليكم مبتدأ وفي الكتاب خبره . والمراد به اللوح المحفوظ ، ويجوز أن ينصب على معنى ويبين لكم ما يملي عليكم أو يخفض على القسم كأنه قيل : وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب ، ولا يجوز عطفه على المجرور في فيهن لاختلاله لفظاً ومعنى { فِي يَتَـٰمَى ٱلنّسَاء } صلة يتلى إن عطف الموصول على ما قبله أي يتلى عليكم في شأنهن وإلا فبدل من فيهن ، أو صلة أخرى ليفتيكم على معنى الله يفتيكم فيهن بسبب يتامى النساء كما تقول : كلمتك اليوم في زيد ، وهذه الإِضافة بمعنى من لأنها إضافة الشيء إلى جنسه . وقرىء « ييامى » بياءين على أنه أيامى فقلبت همزته ياء . { ٱلَّلَـٰتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } أي فرض لهن من الميراث . { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } في أن تنكحوهن أو عن أن تنكحوهن ، فإن أولياء اليتامى كانوا يرغبون فيهن إن كن جميلات ويأكلون ما لهن ، وإلا كانوا يعضلونهن طمعاً في ميراثهن والواو تحتمل الحال والعطف ، وليس فيه دليل على جواز تزويج اليتيمة إذ لا يلزم من الرغبة في نكاحها جريان العقد في صغرها . { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدٰنِ } عطف على يتامى النساء والعرب ما كانوا يورثونهم كما لا يورثون النساء . { وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَـٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ } أيضاً عطف عليه أي ويفتيكم أو ما يتلى في أن تقوموا ، هذا إذا جعلت في يتامى صلة لأحدهما فإن جعلته بدلاً فالوجه نصبهما عطفاً على موضع فيهن ، ويجوز أن ينصب وأن تقوموا بإضمار فعل أي : ويأمركم أن تقوموا ، وهو خطاب للأئمة في أن ينظروا لهم ويستوفوا حقوقهم ، أو للقوام بالنصفة في شأنهم . { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً } وعد لمن آثر الخير في ذلك . { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَـٰفَتْ مِن بَعْلِهَا } توقعت منه لما ظهر لها من المخايل ، وامرأة فاعل فعل يفسره الظاهر . { نُشُوزاً } تجافياً عنها وترفعاً عن صحبتها كراهة لها ومنعاً لحقوقها . { أَوْ إِعْرَاضاً } بأن يقل مجالستها ومحادثتها . { فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً } أن يتصالحا بأن تحط له بعض المهر ، أو القسم ، أو تهب له شيئاً تستميله به . وقرأ الكوفيون { أَن يُصْلِحَا } من أصلح بين المتنازعين ، وعلى هذا جاز أن ينتصب صالحاً على المفعول به ، وبينهما ظرف أو حال منه أو على المصدر كما في القراءة الأولى والمفعول بينهما أو هو محذوف . وقرىء { يُصْلِحَا } من أصلح بمعنى اصطلح . { وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } من الفرقة أو سوء العشرة أو من الخصومة . ولا يجوز أن يراد به التفضيل بل بيان أنه من الخيور كما أن الخصومة من الشرور ، وهو اعتراض وكذا قوله : { وَأُحْضِرَتِ ٱلأنفُسُ ٱلشُّحَّ } ولذلك اغتفر عدم مجانستهما ، والأول للترغيب في المصالحة ، والثاني لتمهيد العذر في المماكسة . ومعنى إحضار الأنفس الشح جعلها حاضرة له مطبوعة عليه ، فلا تكاد المرأة تسمح بالإِعراض عنها والتقصير في حقها ولا الرجل يسمح بأن يمسكها ويقوم بحقها على ما ينبغي إذا كرهها أو أحب غيرها . { وَإِن تُحْسِنُواْ } في العشرة . { وَتَتَّقُواْ } النشوز والإِعراض ونقص الحق . { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ } من الإِحسان والخصومة . { خَبِيراً } عليماً به وبالغرض فيه فيجازيكم عليه ، أقام كونه عالماً بأعمالهم مقام إثابته إياهم عليها الذي هو في الحقيقة جواب الشرط إقامة للسبب مقام المسبب . { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنّسَاء } لأن العدل أن لا يقع ميل ألبتة وهو متعذر فلذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ويقول : " هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك " { وَلَوْ حَرَصْتُمْ } أي على تحري ذلك وبالغتم فيه . { فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ } بترك المستطاع والجور على المرغوب عنها ، فإن ما لا يدرك كله لا يترك جله . { فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ } التي ليست ذات بعل ولا مطلقة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل " . { وَإِن تُصْلِحُواْ } ما كنتم تفسدون من أمورهن . { وَتَتَّقُواْ } فيم يستقبل من الزمان . { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } يغفر لكم ما مضى من ميلكم . { وَإِن يَتَفَرَّقَا } وقرىء وإن يفارق كل منهما صاحبه . { يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ } منهما عن الآخر ببدل أو سلوة . { مِّن سَعَتِهِ } غناه وقدرته . { وَكَانَ ٱللَّهُ وٰسِعاً حَكِيماً } مقتدراً متقناً في أفعاله وأحكامه . { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } تنبيه على كمال سعته وقدرته . { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ } يعني اليهود والنصارى ، ومن قبلهم ، و { ٱلْكِتَـٰبِ } للجنس و { مِنْ } متعلقة بـ { وَصَّيْنَا } أو بـ { أُوتُواْ } ومساق الآية لتأكيد الأمر بالإِخلاص . { وَإِيَّـٰكُمْ } عطف على الذين . { أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } بأن اتقوا الله ، ويجوز أن تكون أن مفسرة لأن التوصية في معنى القول . { وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } على إرادة القول أي : وقلنا لهم ولكم أن تكفروا فإن الله مالك الملك كله لا يتضرر بكفركم ومعاصيكم ، كما لا ينتفع بشكركم وتقواكم ، وإنما وصاكم لرحمته لا لحاجته ثم قرر ذلك بقوله : { وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِيّاً } عن الخلق وعبادتهم . { حَمِيداً } في ذاته حمد وإن لم يحمد . { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ذكره ثالثاً للدلالة على كونه غنياً حميداً ، فإن جميع المخلوقات تدل بحاجتها على غناه وبما أفاض عليها من الوجود وأنواع الخصائص والكمالات على كونه حميداً . { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } راجع إلى قوله { يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مّن سَعَتِهِ } ، فإنَّه توكل بكفايتهما وما بينهما تقرير لذلك . { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } يفنكم ، ومفعول يشأ محذوف دل عليه الجواب . { وَيَأْتِ بِـآخَرِينَ } ويوجد قوماً آخرين أو خلقاً آخرين مكان الإِنس . { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذٰلِكَ } من الإِعدام والإِيجاد . { قَدِيراً } بليغ القدرة لا يعجزه مراد ، وهذا أيضاً تقرير لغناه وقدرته ، وتهديد لمن كفر به وخالف أمره . وقيل : هو خطاب لمن عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب ومعناه معنى قوله تعالى : { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } [ محمد : 38 ] لما روي : " أنه لما نزلت ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على ظهر سلمان وقال : إنهم قوم هذا " .