Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 170-176)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقّ مِن رَّبّكُمْ } لما قرر أمر النبوة وبين الطريق الموصل إلى العلم بها ووعيد من أنكرها ، خاطب الناس عامة بالدعوة وإلزام الحجة والوعد بالإِجابة والوعيد على الرد . { فَآمِنُوا خَيراً لَكُمْ } أي إيماناً خيراً لكم أو ائتوا أمراً خيراً لكم مما أنتم عليه . وقيل تقديره يكن الإِيمان خيراً لكم ومنعه البصريون لأن كان لا يحذف مع اسمه إلا فيما لا بد منه ولأنه يؤدي إلى الشرط وجوابه . { وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } يعني وإن تكفروا فهو غني عنكم لا يتضرر بكفركم كما لا ينتفع بإيمانكم ، ونبه على غناه بقوله : { للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } وهو يعم ما اشتملتا عليه وما ركبتا منه . { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } بأحوالهم . { حَكِيماً } فيما دبر لهم . { يأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ } الخطاب للفريقين ، غلت اليهود في حط عيسى عليه الصلاة والسلام حتى رموه بأنه ولد من غير رشدة ، والنصارى في رفعه حتى اتخذوه إلهاً . وقيل الخطاب للنصارى خاصة فإنه أوفق لقوله : { وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } يعني تنزيهه عن الصاحبة والولد . { إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَـٰهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ } أوصلها إليها وخصَّها فيها . { وَرُوحٌ مّنْهُ } وذو روح صدر منه لا بتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادة له ، وقيل سمي روحاً لأنه كان يحيي الأموات أو القلوب { فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ } أي الآلهة ثلاثة الله والمسيح ومريم ، ويشهد عليه قوله تعالى : { أأنت قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ المائدة : 116 ] أو الله ثلاثة إن صح أنهم يقولون الله ثلاثة أقانيم الأب والابن وروح القدس ، ويريدون بالأب الذات ، وبالابن العلم ، وبروح القدس الحياة . { ٱنتَهُواْ } عن التثليث . { خَيْراً لَّكُمْ } نصبه كما سبق . { إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } أي واحد بالذات لا تعدد فيه بوجه ما . { سُبْحَـٰنَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } أي أسبحه تسبيحا من أن يكون له ولد فإنه يكون لمن يعادله مثل ويتطرق إليه فناء . { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ملكاً وخلقاً لا يماثله شيء من ذلك فيتخذه ولداً . { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } تنبيه على غناه عن الولد فإن الحاجة إليه ليكون وكيلاً لأبيه والله سبحانه وتعالى قائم بحفظ الأشياء كاف في ذلك مستغن عمن يخلقه أو يعينه . { لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ } لن يأنف ، من نكفت الدمع إذا نحيته بأصبعك كيلا يرى أثره عليك . { أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ } من أن يكون عبداً له فإن عبوديته شرف يتباهى به ، وإنما المذلة والاستنكاف في عبودية غيره . روي " أن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لم تعيب صاحبنا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن صاحبكم ؟ قالوا : عيسى عليه الصلاة والسلام ، قال عليه السلام : وأي شيء أقول . قالوا : تقول إنه عبد الله ورسوله ، قال إنه ليس بعار أن يكون عبد الله ، قالوا : بلى " فنزلت { وَلاَ ٱلْمَلَٰـئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } عطف على المسيح أي ولا يستنكف الملائكة المقربون أن يكونوا عبيداً لله ، واحتج به من زعم فضل الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . وقال مساقه لرد قول النصارى في رفع المسيح عن مقام العبودية وذلك يقتضي أن يكون المعطوف أعلى درجة من المعطوف عليه حتى يكون عدم استنكافهم كالدليل على عدم استنكافه ، وجوابه أن الآية للرد على عبدة المسيح والملائكة فلا يتجه ذلك وإن سلم اختصاصها بالنصارى فلعله أراد بالعطف المبالغة باعتبار التكثير دون التكبير كقولك : أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرءوس ، وإن أراد به التكبير فغايته تفضيل المقربين من الملائكة وهم الكروبيون الذين هم حول العرش ، أو من أعلى منهم رتبة من الملائكة على المسيح من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الآخر مطلقاً والنزاع فيه { وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ } ومن يرتفع عنها ، والاستكبار دون الاستنكاف ولذلك عطف عليه وإنما يستعمل من حيث الاستحقاق بخلاف التكبر فإنه قد يكون بالاستحقاق . { فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً } فيجازيهم . { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَيُوَفّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مّن فَضْلِهِ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْتَنكَفُواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلُِيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِياً وَلاَ نَصِيراً } تفصيل للمجازاة العامة المدلول عليها من فحوى الكلام ، وكأنه قال فسيحشرهم إليه جميعاً يوم يحشر العباد للمجازاة ، أو لمجازاتهم فإن إثابة مقابلهم والإِحسان إليهم تعذيب لهم بالغم والحسرة . { يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَاءكُمْ بُرْهَانٌ مّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً } عنى بالبرهان المعجزات وبالنور القرآن ، أي قد جاءكم دلائل العقل وشواهد النقل ولم يبق لكم عذر ولا علة ، وقيل : البرهان الدين أو رسول الله صلى الله عليه وسلم أو القرآن . { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ } في ثواب قدره بإزاء إيمانه وعمله رحمة منه لا قضاء لحق واجب . { وَفَضَّلَ } إحسان زائد عليه { وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ } إلى الله سبحانه وتعالى . وقيل إلى الموعود . { صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً } هو الإِسلام والطاعة في الدنيا ، وطريق الجنة في الآخرة . { يَسْتَفْتُونَكَ } أي في الكلالة حذفت لدلالة الجواب عليه . روي " أن جابر بن عبد الله كان مريضاً فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني كلالة فكيف أصنع في مالي " فنزلت وهي آخر ما نزل من الأحكام . { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلَـٰلَةِ } سبق تفسيرها في أول السورة . { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } ارتفع { ٱمْرُؤٌ } ارتفع إمرؤ بفعل يفسره الظاهر ، وليس له ولد صفة له أو حال من المستكن في هلك ، والواو في { وَلَهُ } يحتمل الحال والعطف ، والمراد بالأخت الأخت من الأبوين أو الأب لأنه جعل أخوها عصبة وابن الأم لا يكون عصبة ، والولد على ظاهره فإن الأخت وإن ورثت مع البنت عند عامة العلماء غير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لكنها لا ترث النصف . { وَهُوَ يَرِثُهَا } أي والمرء يرث إن كان الأمر بالعكس . { إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَا وَلَدٌ } ذكراً كان أو أنثى إن أريد بيرثها يرث جميع مالها ، وإلا فالمراد به الذكر إذ البنت لا تحجب الأخ ، والآية كما لم تدل على سقوط الإِخوة بغير الولد لم تدل على عدم سقوطهم به وقد دلت السنة على أنهم لا يرثون مع الأب وكذا مفهوم قوله : { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلَـٰلَةِ } إن فسرت بالميت . { فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } الضمير لمن يرث بالأخوة وتثنيته محمولة على المعنى ، وفائدة الإخبار عنه باثنتين التنبيه على أن الحكم باعتبار العدد دون الصغر والكبر وغيرهما . { وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظّ ٱلأُنثَيَيْنِ } أصله وإن كانوا إخوة وأخوات فغلب المذكر . { يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } أي يبين الله لكم ضلالكم الذي من شأنكم إذا خليتم وطباعكم لتحترزوا عنه وتتحروا خلافه ، أو يبين لكم الحق والصواب كراهة أن تضلوا . وقيل لئلا تضلوا فحذف لا وهو قول الكوفيين . { وَٱللَّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فهو عالم بمصالح العباد في المحيا والممات . عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة النساء فكأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة ، وورث ميراثاً وأعطي من الأجر كمن اشترى محرراً ، وبرىء من الشرك وكان في مشيئة الله تعالى من الذين يتجاوز عنهم " .