Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 5-11)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَاء أَمْوٰلَكُمُ } نهي للأولياء عن أن يؤتوا الذين لا رشد لهم أموالهم فيضيعوها ، وإنما أضاف الأموال إلى الأولياء لأنها في تصرفهم وتحت ولايتهم ، وهو الملائم للآيات المتقدمة والمتأخرة . وقيل نهي لكل أحد أن يعمد إلى ما خوله الله تعالى من المال فيعطى امرأته وأولاده ، ثم ينظر إلى أيديهم . وإنما سماهم سفهاء استخفافاً بعقولهم واستهجاناً لجعلهم قواماً على أنفسهم وهو أوفق لقوله : { ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَـٰماً } أي تقومون بها وتنتعشون ، وعلى الأول يؤول بأنها التي من جنس ما جعل الله لكم قياماً سمي ما به القيام قياماً للمبالغة . وقرأ نافع وابن عامر « قيماً » بمعناه كعوذ بمعنى عياذ . وقرىء « قواماً » وهو ما يقام به . { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ } واجعلوها مكاناً لرزقهم وكسوتهم بأن تتجروا فيها وتحصلوا من نفعها ما يحتاجون إليه . { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } عدة جميلة تطيب بها نفوسهم ، والمعروف ما عرفه الشرع أو العقل بالحسن ، والمنكر ما أنكره أحدهما لقبحه . { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ } اختبروهم قبل البلوغ بتتبع أحوالهم في صلاح الدين ، والتهدي إلى ضبط المال وحسن التصرف ، بأن يكل إليه مقدمات العقد . وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى بأن يدفع إليه ما يتصرف فيه . { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ } حتى إذا بلغوا حد البلوغ بأن يحتلم ، أو يستكمل خمس عشرة سنة عندنا لقوله عليه الصلاة والسلام : " إذا استكمل الولد خمس عشرة سنة ، كتب ماله وما عليه وأقيمت عليه الحدود " وثماني عشرة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى . وبلوغ النكاح كناية عن البلوغ ، لأنه يصلح للنكاح عنده . { فَإِن آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً } فإن أبصرتم منهم رشداً . وقرىء أحستم بمعنى أحسستم . { فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوٰلَهُمْ } من غير تأخير عن حد البلوغ ، ونظم الآية أن إن الشرطية جواب إذاً المتضمنة معنى الشرط ، والجملة غاية الابتلاء فكأنه قيل ؛ وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم واستحقاقهم دفع أموالهم إليهم بشرط إيناس الرشد منهم ، وهو دليل على أنه لا يدفع إليهم ما لم يؤنس منهم الرشد . وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى : إذا زادت على سن البلوغ سبع سنين وهي مدة معتبرة في تغير الأحوال ، إذ الطفل يميز بعدها ويؤمر بالعبادة ، دفع إليه المال وإن لم يؤنس منه الرشد . { وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ } مسرفين ومبادرين كبرهم ، أو لإِسرافكم ومبادرتكم كبرهم . { وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ } من أكلها . { وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } بقدر حاجته وأجرة سعيه ، ولفظ الاستعفاف والأكل بالمعروف مشعر بأن الولي له حق في مال الصبي ، وعنه عليه الصلاة والسلام " أن رجلاً قال له إن في حجري يتيماً أفآكل من ماله ؟ قال : كل بالمعروف غير متأثل مالاً ولا واق مالك بماله " وإيراد هذا التقسيم بعد قوله ولا تأكلوها يدل على أنه نهي للأولياء أن يأخذوا وينفقوا على أنفسهم أموال اليتامى . { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوٰلَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ } بأنهم قبضوها فإنه أنفى للتهمة وأبعد من الخصومة ، ووجوب الضمان وظاهره يدل على أن القيم لا يصدق في دعواه إلا بالبنية وهو المختار عندنا وهو مذهب مالك خلافاً لأبي حنيفة . { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } محاسباً فلا تخالفوا ما أمرتم به ولا تتجاوزوا ما حد لكم . { لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنّسَاءِ نَصِيبٌ مّمَّا تَرَكَ ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلأَقْرَبُونَ } يريد بهم المتوارثين بالقرابة . { مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ } بدل مما ترك بإعادة العامل . { نَصِيباً مَّفْرُوضاً } نصب على أنه مصدر مؤكد كقوله تعالى : { فَرِيضَةً مّنَ ٱللَّهِ } أو حال إذ المعنى : ثبت لهم مفروضاً نصيب ، أو على الاختصاص بمعنى أعني نصيباً مقطوعاً واجباً لهم ، وفيه دليل على أن الوارث لو أعرض عن نصيبه لم يسقط حقه . روي " أن أوس بن الصامت الأنصاري خلف زوجته أم كحة وثلاث بنات ، فزوى ابنا عمه سويد وعرفطة . أو قتادة وعرفجة ميراثه عنهن على سنة الجاهلية ، فإنهم ما كانوا يورثون النساء والأطفال ويقولون : إنما يرث . من يحارب ويذب عن الحوزة ، فجاءت أم كحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الفضيخ فشكت إليه فقال : ارجعي حتى أنظر ما يحدث الله . فنزلت فبعث إليهما : لا تفرقا من مال أوس شيئاً فإن الله قد جعل لهن نصيباً ولم يبين حتى يبين . فنزلت { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ } فأعطى أم كحة الثمن والبنات الثلثين والباقي ابن العم " وهو دليل على جواز تأخير البيان عن وقف الخطاب . { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ } ممن لا يرث { وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مّنْهُ } فاعطوهم شيئاً من المقسوم تطييباً لقلوبهم . وتصدقاً عليهم ، وهو أمر ندب للبلغ من الورثة . وقيل أمر وجوب ، ثم اختلف في نسخه والضمير لما ترك أو ما دل عليه القسمة { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } وهو أن يدعوا لهم ويستقلوا ما أعطوهم ولا يمنوا عليهم . { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضِعَـٰفاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ } أمر للأوصياء بأن يخشوا الله تعالى ويتقوه في أمر اليتامى فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريهم الضعاف بعد وفاتهم ، أو للحاضرين المريض عند الإِيصاء بأن يخشوا ربهم ، أو يخشوا على أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم فلا يتركوه أن يضرَّ بهم بصرف المال عنهم ، أو للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين متصورين أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافاً مثلهم هل يجوزون حرمانهم ، أو للموصين بأن ينظروا للورثة فلا يسرفوا في الوصية ولو بما في حيزه ، جعل صلة للذين على معنى وليخش الذين حالهم وصفتهم أنهم لو شارفوا أن يخلفوا ذرية ضعافاً خافوا عليهم الضياع ، وفي ترتيب الأمر عليه إشارة إلى المقصود منه والعلة فيه ، وبعث على الترحم وأن يحب لأولاد غيره ما يحب لأولاده وتهديد للمخالف بحال أولاده . { فَلْيَتَّقُواّ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } أمرهم بالتقوى التي هي غاية الخشية بعدما أمرهم بها مراعاة للمبدأ والمنتهى ، إذ لا ينفع الأول دون الثاني ، ثم أمرهم أن يقولوا لليتامى مثل ما يقولون لأولادهم بالشفقة وحسن الأدب ، أو للمريض ما يصده عن الإِسراف في الوصية وتضييع الورثة ، ويذكره التوبة وكلمة الشهادة ، أو لحاضري القسمة عذراً جميلاً ووعداً حسناً ، أو أن يقولوا في الوصية ما لا يؤدي إلى مجاوزة الثلث وتضييع الورثة . { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً } ظالمين ، أو على وجه الظلم . { إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ } ملء بطونهم . { نَارًا } ما يجر إلى النار ، ويؤول إليها . وعن أبي بردة رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " يبعث الله قوماً من قبورهم تتأجج أفواههم ناراً " فقيل : من هم ؟ فقال : " ألم تر أن الله يقول : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً } { وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } سيدخلون ناراً وأي نار " . وقرأ ابن عامر وابن عياش عن عاصم بضم الياء مخففاً . وقرىء به مشدداً يقال صلى النار قاسى حرها ، وصليته شويته وأصليته وصليته ألقيته فيها ، والسعير فعيل بمعنى مفعول من سعرت النار إذا ألهبتها . و { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ } يأمركم ويعهد إليكم . { فِي أَوْلَـٰدِكُمْ } في شأن ميراثهم وهو إجمال تفصيله . { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ ٱلأُنْثَيَيْنِ } أي يعد كل ذكر بأنثيين حيث اجتمع الصنفان فيضعف نصيبه ، وتخصيص الذكر بالتنصيص على حظه لأن القصد إلى بيان فضله ، والتنبيه على أن التضعيف كاف للتفضيل فلا يحرمن بالكلية وقد اشتركا في الجهة ، والمعنى للذكر منهم فحذف للعلم به . { فَإِن كُنَّ نِسَاء } أي إن كان الأولاد نساء خلصاً ليس معهن ذكر ، الضمير فأنث الضمير باعتبار الخبر أو على تأويل المولودات . { فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ } خبر ثان ، أو صفة للنساء أي نساء زائدات على اثنتين . { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } المتوفى منكم ، ويدلَ عليه المعنى . { وَإِن كَانَتْ وٰحِدَةً فَلَهَا ٱلنّصْفُ } أي وإن كانت المولودة واحدة . وقرأ نافع بالرفع على كان التامة ، واختلف في الثنتين فقال ابن عباس رضي الله عنهما حكمهما حكم الواحدة ، لأنه تعالى جعل الثلثين لما فوقهما . وقال الباقون حكمهما حكم ما فوقهما لأنه تعالى لما بين أن حظ الذكر مثل حظ الأنثيين إذا كان معه أنثى وهو الثلثان ، اقتضى ذلك أن فرضهما الثلثان . ثم لما أوهم ذلك أن يزاد النصيب بزيادة العدد رد ذلك بقوله : { فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ } ويؤيد ذلك أن البنت الواحدة لما استحقت الثلث مع أخيها فبالحري أن تستحقه مع أخت مثلها . وأن البنتين أمس رحما من الأختين وقد فرض لهما الثلثين بقوله تعالى : { فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } . { وَلأَبَوَيْهِ } ولأبوي الميت . { لِكُلّ وٰحِدٍ مّنْهُمَا } بدل منه بتكرير العامل وفائدته التنصيص على استحقاق كل واحد منهما السدس ، والتفصيل بعد الإِجمال تأكيداً . { ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ } أي للميت . { وَلَد } ذكر أو أنثى غير أن الأب يأخذ السدس مع الأنثى بالفريضة ، وما بقي من ذوي الفروض أيضاً بالعصوبة . { فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ } فحسب . { فَلأُمّهِ ٱلثُّلُثُ } مما ترك وإنما لم يذكر حصة الأب ، لأنه لما فرض أن الوارث أبواه فقط وعين نصيب الأم علم أن الباقي للأب ، وكأنه قال : فلهما ما ترك أثلاثاً ، وعلى هذا ينبغي أن يكون لها حيث كان معهما أحد الزوجين ثلث ما بقي من فرضه كما قاله الجمهور ، لا ثلث المال كما قاله ابن عباس ، فإنه يفضي إلى تفضيل الأنثى على الذكر المساوي لها في الجهة والقرب وهو خلاف وضع الشرع . { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ } بإطلاقهِ يدل على أن الإِخوة يردونها من الثلث إلى السدس ، وإن كانوا لا يرثون مع الأب . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم يأخذون السدس الذي حجبوا عنه الأم ، والجمهور على أن المراد بالإِخوة عدد ممن له إخوة من غير اعتبار التثليث سواء كان من الإِخوة أو الأخوات ، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لا يحجب الأم من الثلث ما دون الثلاثة ولا الأخوات الخلص أخذاً بالظاهر . وقرأ حمزة والكسائي { فَلأُمِّهِ } بكسر الهمزة اتباعاً للكسرة التي قبلها . { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ } متعلق بما تقدمه من قسمة المواريث كلها أي هذه الأنصباء للورثة من بعد ما كان من وصية . أو دين ، وإنما قال بأو التي للإِباحة دون الواو للدلالة على أنهما متساويان في الوجوب مقدمان على القسمة مجموعين ومنفردين ، وقدم الوصية على الدين وهي متأخرة في الحكم لأنها مشبهة بالميراث شاقة على الورثة مندوب إليها الجميع والدين إنما يكون على الندور . وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر بفتح الصاد . { آبَاؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً } أي لا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم من أصولكم وفروعكم في عاجلكم وآجلكم ، فتحروا فيهم ما أوصاكم الله به ، ولا تعمدوا إلى تفضيل بعض وحرمانه . روي أن أحد المتوالدين إذا كان أرفع درجة من الآخر في الجنة سأل أن يرفع إليه فيرفع بشفاعته . أو من مورثيكم منهم أو من أوصى منهم فعرضكم للثواب بإمضاء وصيته ، أو من لم يوص فوفر عليكم ماله فهو اعتراض مؤكد لأمر القسمة أو تنفيذ الوصية . { فَرِيضَةً مّنَ ٱللَّهِ } مصدر مؤكد ، أو مصدر يوصيكم الله لأنه في معنى يأمركم ويفرض عليكم . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً } بالمصالح والرتب . { حَكِيماً } فيما قضى وقدر .