Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 91-98)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ سَتَجِدُونَ ءاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ } هم أسد وغطفان ، وقيل بنو عبد الدار أتوا المدينة وأظهروا الإسلام ليأمنوا المسلمين فلما رجعوا كفروا . { كُلَّ مَا رُدُّواْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ } دعوا إلى الكفر وإلى قتال المسلمين . { أُرْكِسُواْ فِيِهَا } عادوا إليها وقلبوا فيها أقبح قلب . { فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } وينبذوا إليكم العهد . { وَيَكُفُّواْ أَيْدِيَهُمْ } عن قتالكم . { فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ } حيث تمكنتم منهم فإن مجرد الكف لا يوجب نفي التعرض . { وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰناً مُّبِيناً } حجة واضحة في التعرض لهم بالقتل والسبي لظهور عداوتهم ووضوح كفرهم وغدرهم ، أو تسلطاً ظاهراً حيث أذناً لكم في قتلهم . { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ } وما صح له وليس من شأنه . { أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً } بغير حق . { إِلاَّ خَطَأً } فإنه على عرضته ، ونصبه على الحال أو المفعول له أي : لا يقتله في شيء من الأحوال إلا حال الخطأ ، أو لا يقتله لعلة إلا للخطأ أو على أنه صفة مصدر محذوف أي قتلاً خطأ . وقيل { مَا كَانَ } نفي في معنى النهي ، والاستثناء منقطع أي لكن إن قتله خطأ فجزاؤه ما يذكر ، والخطأ ما لا يضامه القصد إلى الفعل أو الشخص أو لا يقصد به زهوق الروح غالباً ، أو لا يقصد به محظور كرمي مسلم في صف الكفار مع الجهل بإسلامه ، أو يكون فعل غير المكلف . وقرىء { خطاء } بالمد و { خطا } كعصا بتخفيف الهمزة ، والآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل من الأم ، لقي حارث بن زيد في طريق وكان قد أسلم ولم يشعر به عياش فقتله . { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } أي فعليه أو فواجبه تحرير رقبة ، والتحرير الإعتاق ، والحر كالعتيق للكريم من الشيء ومنه حر الوجه لأكرم موضع منه ، سمي به لأن الكرم في الأحرار واللؤم في العبيد ، والرقبة عبر بها عن النسمة كما عبر عنها بالرأس . { مُؤْمِنَةٍ } محكوم بإسلامها وإن كانت صغيرة . { وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ } مؤداة إلى ورثته يقتسمونها كسائر المواريث ، لقول ضحاك بن سفيان الكلابي : ( كتب إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أورث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها ) . وهي على العاقلة فإن لم تكن فعلى بيت المال ، فإن لم يكن ففي ماله . { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } إلا أن يتصدقوا عليه بالدية . سمي العفو عنها صدقة حثاً عليه وتنبيهاً على فضله ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " كل معروف صدقة " وهو متعلق بعليه ، أو بمسلمة أي تجب الدية عليه أو يسلمها إلى أهله إلا حال تصدقهم عليه . أو زمانه فهو في محل النصب على الحال من القاتل أو الأهل أو الظرف . { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } أي فإن كان المؤمن المقتول من قوم كفار محاربين ، أو في تضاعيفهم ولم يعلم إيمانه فعلى قاتله الكفارة دون الدية لأهله إذ لا وراثة بينه وبينهم ولأنهم محاربون . { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً } أي وإن كان من قوم كفرة معاهدين ، أو أهل الذمة فحكمه حكم المسلمين في وجوب الكفارة والدية ولعله فيما إذا كان المقتول معاهداً ، أو كان له وارث مسلم . { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } رقبة بأن لم يملكها ولا ما يتوصل به إليها . { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } فعليه أو فالواجب عليه صيام شهرين متتابعين . { تَوْبَةً } نصب على المفعول له أي شرع ذلك توبة ، من تاب الله عليه إذا قبل توبته . أو على المصدر أي وتاب الله عليكم توبة أو الحال بحذف مضاف أي فعليه صيام شهرين ذا توبة . { مِنَ ٱللَّهِ } صفتها . { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } بحاله . { حَكِيماً } فيما أمر في شأنه . { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } لما فيه من التهديد العظيم . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما . " لا تقبل توبة قاتل المؤمن عمداً " ولعله أراد به التشديد إذ روي عنه خلافه . والجمهور على أنه مخصوص بمن لم يتب لقوله تعالى : { وَإِنّي لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ } [ طه : 82 ] ونحوه وهو عندنا إما مخصوص بالمستحل له كما ذكره عكرمة وغيره ، ويؤيده أنه نزل في مقيس بن ضبابة وجد أخاه هشاماً قتيلاً في بني النجار ولم يظهر قاتله ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفعوا إليه ديته فدفعوا إليه ثم حمل على مسلم فقتله ورجع إلى مكة مرتداً ، أو المراد بالخلود المكث الطويل فإن الدلائل متظاهرة على أن عصاة المسلمين لا يدوم عذابهم . { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } سافرتم وذهبتم للغزو . { فَتَبَيَّنُواْ } فاطلبوا بيان الأمر وثباته ولا تعجلوا فيه . وقرأ حمزة والكسائي « فتثبتوا » في الموضعين هنا ، وفي « الحجرات » من التثبت . { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَـٰمَ } لمن حياكم بتحية الإسلام . وقرأ نافع وابن عامر وحمزة السلم بغير الألف أي الاستسلام والانقياد وفسر به السلام أيضاً . { لَسْتَ مُؤْمِناً } وإنما فعلت ذلك متعوذاً . وقرىء { مُؤْمِناً } بالفتح أي مبذولاً له الأمان . { تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } تطلبون ماله الذي هو حطام سريع النفاذ ، وهو حال من الضمير في تقولوا مشعر بما هو الحامل لهم على العجلة وترك التثبت . { فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ } لكم . { كَثِيرَةٍ } نغنيكم عن قتل أمثاله لماله . { كَذٰلِكَ كُنتُمْ مّن قَبْلُ } أي أول ما دخلتم في الإِسلام تفوهتم بكلمتي الشهادة فحصنت بها دماؤكم وأموالكم من غير أن يعلم مواطأة قلوبكم ألسنتكم . { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } بالاشتهار بالإِيمان والاستقامة في الدين . { فَتَبَيَّنُواْ } وافعلوا بالداخلين في الإِسلام كما فعل الله بكم ، ولا تبادروا إلى قتلهم ظناً بأنهم دخلوا فيه اتقاء وخوفاً ، فإن إبقاء ألف كافر أهون عند الله من قتل امرىء مسلم . وتكريره تأكيد لتعظيم الأمر وترتيب الحكم على ما ذكر من حالهم . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } عالماً به وبالغرض منه فلا تتهافتوا في القتل واحتاطوا فيه . روي ( أن سرية رسول الله صلى الله عليه وسلم غزت أهل فدك فهربوا وبقي مرداس ثقة بإسلامه ، فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد ، فلما تلاحقوا به وكبروا كبر ونزل وقال : لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم فقتله أسامة واستاق غنمه ) وقيل نزلت في المقداد مر برجل في غنيمة فأراد قتله فقال : لا إله إلا الله . فقتله وقال : ود لو فر بأهله وماله . وفيه دليل على صحة إيمان المكره وأن المجتهد قد يخطىء وأن خطأه مغتفر . { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَـٰعِدُونَ } عن الحرب . { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } في موضع الحال من القاعدين أو من الضمير الذي فيه . { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } بالرفع صفة للقاعدون لأنه لم يقصد به قوم بأعيانهم أو بدل منه . وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالنصب على الحال أو الاستثناء . وقرىء بالجر على أنه صفة للمؤمنين أو بدل منه . وعن زيد بن ثابت أنها نزلت ولم يكن فيها غير أولي الضرر فقال ابن أم مكتوم : وكيف وأنا أعمى فغشي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسه الوحي ، فوقعت فخذه على فخذي حتى خشيت أن ترضها ثم سري عنه فقال اكتب { لاَّ يَسْتَوِى ٱلْقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } { وَٱلْمُجَـٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ } أي لا مساواة بينهم وبين من قعد عن الجهاد من غير علة . وفائدته تذكير ما بينهما من التفاوت ليرغب القاعد في الجهاد رفعاً لرتبته وأنفة عن انحطاط منزلته . { فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَـٰعِدِينَ دَرَجَةً } جملة موضحة لما نفي الاستواء فيه والقاعدون على التقييد السابق ، ودرجة نصب بنزع الخافض أي بدرجة أو على المصدر لأنه تضمن معنى التفضيل ووقع موقع المرة منه ، أو الحال بمعنى ذوي درجة . { وَكُلاًّ } من القاعدين والمجاهدين . { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } المثوبة الحسنى وهي الجنة لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم ، وإنما التفاوت في زيادة العمل المقتضي لمزيد الثواب . { وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَـٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } نصب على المصدر لأن فضل بمعنى أجر ، أو المفعول الثاني له لتضمنه معنى الإِعطاء كأنه قيل : وأعطاهم زيادة على القاعدين أجراً عظيماً . { دَرَجَـٰتٍ مّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً } كل واحد منها بدل من أجراً ، ويجوز أن ينتصب درجات على المصدر كقولك : ضربته أسواطاً ، وأجراً على الحال عنها تقدمت عليها لأنها نكرة ، ومغفرة ورحمة على المصدر بإضمار فعليهما كرر تفضيل المجاهدين ، وبالغ فيه إجمالاً وتفصيلاً تعظيماً للجهاد وترغيباً فيه . وقيل : الأول ما خولهم في الدنيا من الغنيمة والظفر وجميل الذكر ، والثاني ما جعل لهم في الآخرة . وقيل المراد بالدرجة الأولى ارتفاع منزلتهم عند الله سبحانه وتعالى ، وبالدرجات منازلهم في الجنة . وقيل القاعدون الأول هم الأضراء والقاعدون الثاني هم الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم . وقيل المجاهدون الأولون من جاهد الكفار والآخرون من جاهد نفسه وعليه قوله عليه الصلاة والسلام " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " . { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } لما عسى أن يفرط منهم . { رَّحِيماً } بما وعد لهم . { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ } يحتمل الماضي والمضارع ، وقرىء « توفتهم » و « توفاهم » على مضارع وفيت بمعنى أن الله يوفي الملائكة أنفسهم فيتوفونها أي يمكنهم من استيفائها فيستوفونها . { ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ } في حال ظلمهم أنفسهم بترك الهجرة وموافقة الكفرة فإنها نزلت في أناس من مكة أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة واجبة . { قَالُواْ } أي الملائكة توبيخاً لهم . { فِيمَ كُنتُمْ } في أي شيء كنتم من أمر دينكم . { قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ } اعتذروا مما وبخوا به بضعفهم وعجزهم عن الهجرة ، أو عن إظهار الدين وإعلاء كلمة الله . { قَالُواْ } أي الملائكة تكذيباً لهم أو تبكيتاً . { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وٰسِعَةً فَتُهَـٰجِرُواْ فِيهَا } إلى قطر آخر كما فعل المهاجرون إلى المدينة والحبشة . { فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } لتركهم الواجب ومساعدتهم الكفار . وهو خبر إن والفاء فيه لتضمن الاسم معنى الشرط ، وقالوا فيم كنتم حال من الملائكة بإضمار قد أو الخبر قالوا والعائد محذوف أي قالوا لهم ، وهو جملة معطوفة على الجملة التي قبلها مستنتجة منها . { وَسَاءتْ مَصِيراً } مصيرهم نار جهنم ، وفي الآية دليل على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكن الرجل فيه من إقامة دينه ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم " من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبراً من الأرض استوجبت له الجنة ، وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد عليهما الصلاة والسلام " { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ } استثناء منقطع لعدم دخولهم في الموصول وضميره والإِشارة إليه ، وذكر الولد إن أريد به المماليك فظاهر ، وإن أريد به الصبيان فللمبالغة في الأمر والإِشعار بأنهم على صدد وجوب الهجرة ، فإنهم إذا بلغوا وقدروا على الهجرة فلا محيص لهم عنها وأن قوامهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم متى أمكنت . { لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } صفة للمستضعفين إذ لا توقيت فيه ، أو حال منه أو من المستكن فيه . واستطاعة الحيلة وجدان أسباب الهجرة وما تتوقف عليه ، واهتداء السبيل معرفة الطريق بنفسه أو بدليل .