Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 9-12)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } تقاتلوا والجمع باعتبار المعنى فإن كل طائفة جمع . { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } بالنصح والدعاء إلى حكم الله تعالى . { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ } تعدت عليها . { فَقَـٰتِلُواْ ٱلَّتِى تَبْغِى حَتَّىٰ تَفِىء إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } ترجع إلى حكمه أو ما أمر به ، وإنما أطلق الفيء على الظل لرجوعه بعد نسخ الشمس ، والغنيمة لرجوعها من الكفار إلى المسلمين . { فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ } بفصل ما بينهما على ما حكم الله ، وتقييد الإِصلاح بالعدل ها هنا لأنه مظنة الحيف من حيث إنه بعد المقاتلة . { وَأَقْسِطُواْ } واعدلوا في كل الأمور . { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } يحمد فعلهم بحسن الجزاء . والآية نزلت في قتال حدث بين الأوس والخزرج في عهده عليه الصلاة والسلام بالسعف والنعال ، وهي تدل على أن الباغي مؤمن وأنه إذا قبض عن الحرب ترك كما جاء في الحديث لأنه فيء إلى أمر الله تعالى ، وأنه يجب معاونة من بغى عليه بعد تقديم النصح والسعي في المصالحة . { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } من حيث إنهم منتسبون إلى أصل واحد وهو الإِيمان الموجب للحياة الأبدية ، وهو تعليل وتقرير للأمر بالإِصلاح ولذلك كرره مرتباً عليه بالفاء فقال : { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } ووضع الظاهر موضع الضمير مضافاً إلى المأمورين للمبالغة في التقرير والتخصيص ، وخص الإثنين بالذكر لأنهما أقل من يقع بينهم الشقاق . وقيل المراد بالأخوين الأوس والخزرج . وقرىء « بين إخوتكم » و « إخوانكم » . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في مخالفة حكمه والإِهمال فيه . { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } على تقواكم . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مّن نّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنّ } أي لا يسخر بعض المؤمنين والمؤمنات من بعض إذ قد يكون المسخور منه خيراً عند الله من الساخر ، والقوم مختص بالرجال لأنه إما مصدر نعت به فشاع في الجمع أو جمع لقائم كزائر وزور ، والقيام بالأمور وظيفة الرجال كما قال تعالى : { ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاء } [ النساء : 34 ] وحيث فسر بالقبيلين كقوم عاد وفرعون ، فإما على التغليب أو الاكتفاء بذكر الرجال على ذكرهن لأنهن توابع ، واختيار الجمع لأن السخرية تغلب في المجامع و { عَسَى } باسمها استئناف بالعلة الموجبة للنهي ولا خبر لها لإِغناء الاسم عنه . وقرىء « عسوا أن يكونا » و « عسين أن يكن » فهي على هذا ذات خبر . { وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ } أي ولا يغتب بعضكم بعضاً فإن المؤمنين كنفس واحدة ، أو لا تفعلوا ما تلمزون به فإن من فعل ما يستحق به اللمز فقد لمز نفسه . واللمز الطعن باللسان . وقرأ يعقوب بالضم . { وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَـٰبِ } ولا يدع بعضكم بعضاً بلقب السوء ، فإن النبز مختص بلقب السوء عرفاً . { بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإِيمَانِ } أي بئس الذكر المرتفع للمؤمنين أن يذكروا بالفسوق بعد دخولهم الإِيمان واشتهارهم به ، والمراد به إما تهجين نسبة الكفر والفسق وإلى المؤمنين خصوصاً إذ روي أن الآية نزلت في صفية بنت حيي رضي الله عنها ، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن النساء يقلن لي يا يهودية بنت يهوديين ، فقال لها " هلا قلت إن أبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد عليهم السلام " أو للدلالة على أن التنابز فسق والجمع بينه وبين الإِيمان مستقبح . { وَمَن لَّمْ يَتُبْ } عما نهى عنه . { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } بوضع العصيان موضع الطاعة وتعريض النفس للعذاب . { ٱ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ ٱلظَّنّ } كونوا منه على جانب ، وإبهام الكثير ليحتاط في كل ظن ويتأمل حتى يعلم أنه من أي القبيل ، فإن من الظن ما يجب اتباعه كالظن حيث لا قاطع فيه من العمليات وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى ، وما يحرم كالظن في الإِلهيات والنبوات وحيث يحالفه قاطع وظن السوء بالمؤمنين ، وما يباح كالظن في الأمور المعاشية . { إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنّ إِثْمٌ } مستأنف للأمر ، والإِثم الذنب الذي يستحق العقوبة عليه . والهمزة فيه بدل من الواو كأنه يثم الأعمال أي يكسرها . { وَلاَ تَجَسَّسُواْ } ولا تبحثوا عن عورات المسلمين ، تفعل من الجس باعتبار ما فيه من معنى الطلب كالتلمس ، وقرىء بالحاء من الحس الذي هو أثر الجس وغايته ولذلك قيل للحواس الخمس الجواس . وفي الحديث " لا تتبعوا عورات المسلمين ، فإن من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته " { وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً } ولا يذكر بعضكم بعضاً بالسوء في غيبته . وسئل عليه الصلاة والسلام عن الغيبة فقال : " أن تذكر أخاك بما يكرهه ، فإن كان فيه فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهته " { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً } تمثيل لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفحش وجه مع مبالغات الاستفهام المقرر ، وإسناد الفعل إلى أحد للتعميم وتعليق المحبة بما هو في غاية الكراهة ، وتمثيل الاغتياب بأكل لحم الإِنسان وجعل المأكول أخاً وميتاً وتعقيب ذلك بقوله : { فَكَرِهْتُمُوهُ } تقريراً وتحقيقاً لذلك . والمعنى إن صح ذلك أو عرض عليكم هذا فقد كرهتموه ولا يمكنكم إنكار كراهته ، وانتصاب { مَيْتًا } على الحال من اللحم أو الأخ وشدده نافع . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } لمن اتقى ما نهى عنه وتاب مما فرط منه ، والمبالغة في الـ { تَوَّابٌ } لأنه بليغ في قبول التوبة إذ يجعل صاحبها كمن لم يذنب ، أو لكثرة المتوب عليهم أو لكثرة ذنوبهم ، روي : أن رجلين من الصحابة بعثا سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبغي لهما إداماً ، وكان أسامة على طعامه فقال : ما عندي شيء فأخبرهما سلمان فقالا : لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها ، فلما راحا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما : " ما لي أرى حضرة اللحم في أفواهكما " ، فقالا : ما تناولنا لحماً ، فقال : " إنكما قد اغتبتما " فنزلت .