Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 114-115)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } لما رأى أن لهم غرضاً صحيحاً في ذلك ، أو أنهم لا يقلعون عنه فأراد إلزامهم الحجة بكمالها . { ٱللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مّنَ ٱلسَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً } أي يكون يوم نزولها عيداً نعظمه . وقيل العيد السرور العائد ولذلك سمي يوم العيد عيداً . وقرىء « تكن » على جواب الأمر . { لأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا } بدل من لنا بإعادة العامل أي عيداً لمتقدمينا ومتأخرينا . روي : أنها نزلت يوم الأحد فلذلك اتخذه النصارى عيداً . وقيل يأكل منها أولنا وآخرنا . وقرىء « لأولانا وأخرانا » بمعنى الأمة أو الطائفة . { وَءَايَةً } عطف على « عيداً » . { مِنكَ } صفة لها أي آية كائنة منك دالة على كمال قدرتك وصحة نبوتي . { وَٱرْزُقْنَا } المائدة والشكر عليها . { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } أي خير من يرزق لأنه خالق الرزق ومعطيه بلا عوض . { قَالَ ٱللَّهُ إِنّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ } إجابة إلى سؤالكم . وقرأ نافع وابن عامر وعاصم { مُنَزِّلُهَا } بالتشديد . { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنّى أُعَذّبُهُ عَذَاباً } أي تعذيباً ويجوز أن يجعل مفعولاً به على السعة . { لاَّ أُعَذِّبُهُ } الضمير للمصدر ، أو للعذاب إن أريد ما يعذب به على حذف حرف الجر . { أَحَداً مِّنَ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي من عالمي زمانهم أو للعالمين مطلقاً فإنهم مسخوا قردة وخنازير ، ولم يعذب بمثل ذلك غيرهم . روي : أنها نزلت سفرة حمراء بين غمامتين وهم ينظرون إليها حتى سقطت بين أيديهم ، فبكى عيسى عليه الصلاة والسلام وقال : اللهم اجعلني من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة ، ثم قام فتوضأ وصلى وبكى ، ثم كشف المنديل وقال : بسم الله خير الرازقين ، فإذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوك تسيل دسماً وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل وحولها من ألوان البقول ما خلا الكراث ، وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون وعلى الثاني عسل وعلى الثالث سمن وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد فقال شمعون : يا روح الله أمن طعام الدنيا أم من طعام الآخرة قال : ليس منهما ولكن اخترعه الله سبحانه وتعالى بقدرته كلوا ما سألتم واشكروا يمددكم الله ويزدكم من فضله ، فقالوا : يا روح الله لو أريتنا من هذه الآية آية أخرى فقال : يا سمكة احيي بإذن الله تعالى فاضطربت ثم قال لها عودي كما كنت فعادت مشوية ثم طارت المائدة ، ثم عصوا بعدها فمسخوا . وقيل كانت تأتيهم أربعين يوماً غباً يجتمع عليها الفقراء والأغنياء والصغار والكبار يأكلون حتى إذا فاء الفيء طارت وهم ينظرون في ظلها ، ولم يأكل منها فقير إلا غني مدة عمره ، ولا مريض إلا بريء ولم يمرض أبداً ، ثم أوحي الله تعالى إلى عيسى عليه السلام أن اجعل مائدتي في الفقراء والمرضى دون الأغنياء والأصحاء ، فاضطرب الناس لذلك فمسخ منهم ثلاثة وثمانون رجلاً . وقيل لما وعد الله إنزالها بهذه الشريطة استعفوا وقالوا : لا نريد فلم تنزل . وعن مجاهد أن هذا مثل ضربه الله لمقترحي المعجزات . وعن الصوفية : المائدة ههنا عبارة عن حقائق المعارف ، فإنها غذاء الروح كما أن الأطعمة غذاء البدن وعلى هذا فلعل الحال أنهم رغبوا في حقائق لم يستعدوا للوقوف عليها ، فقال لهم عيسى عليه الصلاة والسلام : إن حصلتما الإِيمان فاستعملوا التقوى حتى تتمكنوا من الاطلاع عليها ، فلم يقلعوا عن السؤال وألحوا فيه فسأل لأجل اقتراحهم ، فبين الله سبحانه وتعالى أن إنزاله سهل ولكن فيه خطر وخوف عاقبة ، فإن السالك إذا انكشف له ما هو أعلى من مقامه لعله لا يحتمله ولا يستقر له فيضل به ضلالاً بعيداً .