Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 122-130)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى ٱلنَّاسِ } مثل به من هداه الله سبحانه وتعالى وأنقذه من الضلال وجعل له نور الحجج والآيات يتأمل بها في الأشياء ، فيميز بين الحق والباطل والمحق والمبطل . وقرأ نافع ويعقوب { مَيْتًا } على الأصل . { كَمَن مَّثَلُهُ } صفته وهو مبتدأ خبره . { فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ } وقوله : { لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا } حال من المستكن في الظرف لا من الهاء في مثله للفصل ، وهو مثل لمن بقي على الضلالة لا يفارقها بحال . { كَذٰلِكَ } كما زين للمؤمنين إيمانهم . { زُيّنَ لِلْكَـٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } والآية نزلت في حمزة وأبي جهل وقيل في عمر أو عمار وأبي جهل . { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } أي كما جعلنا في مكة أكابر مجرميها ليمكروا فيها جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ، و { جَعَلْنَا } بمعنى صيرنا ومفعولاه { أَكَـٰبِرَ مُجْرِمِيهَا } على تقديم المفعول الثاني ، أو في كل قرية { أَكَـٰبِرَ } و { مُجْرِمِيهَا } بدل ويجوز أن يكون مضافاً إليه إن فسر الجعل بالتمكين ، وأفعل التفضيل إذا أضيف جاز فيه الإفراد والمطابقة ولذلك قرىء « أكبر مجرميها » ، وتخصيص الأكابر لأنهم أقوى على استتباع الناس والمكر بهم . { وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ } لأن وباله يحيق بهم . { وَمَا يَشْعُرُونَ } ذلك . { وَإِذَا جَاءتْهُمْ ءايَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِىَ رُسُلُ ٱللَّهِ } يعني كفار قريش لما روي : أن أبا جهل قال زاحمنا بني عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا : منا نبي يوحي إليه والله لا نرضى به إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه ، فنزلت : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } استئناف للرد عليهم بأن النبوة ليست بالنسب والمال وإنما هي بفضائل نفسانية يخص الله سبحانه وتعالى بها من يشاء من عباده فيجتبي لرسالاته من علم أنه يصلح لها ، وهو أعلم بالمكان الذي يضعها فيه . وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم { رِسَالَتَهُ } { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ } ذل وحقارة بعد كبرهم . { عَندَ ٱللَّهِ } يوم القيامة وقيل تقديره من عند الله . { وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } بسبب مكرهم أو جزاء على مكرهم . { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ } يعرفه طريق الحق ويوفقه للإيمان . { يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ } فيتسع له وينفسح فيه مجاله ، وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة لحلوله فيها مصفاة عما يمنعه وينافيه ، وإليه أشار عليه أفضل الصلاة والسلام حين سئل عنه فقال " نور يقذفه الله سبحانه وتعالى في قلب المؤمن فينشرح له وينفسح فقالوا : هل لذلك من أمارة يعرف بها فقال : نعم الإِنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله " . { وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً } بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الإِيمان . وقرأ ابن كثير { ضَيّقاً } بالتخفيف ونافع وأبو بكر عن عاصم حرجاً بالكسر أي شديد الضيق ، والباقون بالفتح وصفاً بالمصدر . { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى ٱلسَّمَاء } شبهه مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه ، فإن صعود السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة ، ونبه به على أن الإِيمان يمتنع منه كما يمتنع الصعود . وقيل معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبواً عن الحق وتباعداً في الهرب منه ، وأصل يصعد يتصعد وقد قرىء به وقرأ ابن كثير { يَصْعَدُ } وأبو بكر عن عاصم يصاعد بمعنى يتصاعد . { كَذٰلِكَ } أي كما يضيق صدره ويبعد قلبه عن الحق . { يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } يجعل العذاب أو الخذلان عليهم ، فوضع الظاهر موضع المضمر للتعليل . { وَهَـٰذَا } إشارة إلى البيان الذي جاء به القرآن ، أو إلى الإسلام أو ما سبق من التوفيق والخذلان . { صِرٰطُ رَبّكَ } الطريق الذي ارتضاه أو عادته وطريقه الذي اقتضته حكمته . { مُّسْتَقِيماً } لا عوج فيه ، أو عادلاً مطرداً وهو حال مؤكدة كقوله { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدّقًا } ، أو مقيدة والعامل فيها معنى الإشارة . { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } فيعلمون أن القادر هو الله سبحانه وتعالى وأن كل ما يحدث من خير أو شر فهو بقضائه وخلقه ، وأنه عالم بأحوال العباد حكيم عادل فيما يفعل بهم . { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ } دار الله أضاف الجنة إلى نفسه تعظيماً لها ، أو دار السلامة من المكاره أو دار تحيتهم فيها سلام . { عِندَ رَبّهِمْ } في ضمانه أو ذخيرة لهم عنده لا يعلم كنهها غيره . { وَهُوَ وَلِيُّهُم } مواليهم أو ناصرهم . { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } بسبب أعمالهم أو متوليهم بجزائها فيتولى إيصاله إليهم . { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } نصب باضمار اذكر أو نقول ، والضمير لمن يحشر من الثقلين . وقرأ حفص عن عاصم وروح عن يعقوب { يَحْشُرُهُمْ } بالياء . { كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ } يعني الشياطين . { قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُم مّنَ ٱلإنْسِ } أي من إغوائهم وإضلالهم ، أو منهم جعلتموهم أتباعكم فحشروا معكم كقوله استكثر الأمير من الجنود . { وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مّنَ ٱلإِنْسِ } الذين أطاعوهم . { رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } أي انتفع الإنس بالجن بأن دلوهم على الشهوات وما يتوصل به إليها ، والجن بالإِنس بأن أطاعوهم وحصلوا مرادهم . وقيل استمتاع الإنس بهم أنهم كانوا يعوذون بهم في المفاوز وعند المخاوف ، واستمتاعهم بالإنس اعترافهم بأنهم يقدرون على إجارتهم . { وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا ٱلَّذِى أَجَّلْتَ لَنَا } أي البعث وهو اعتراف بما فعلوه من طاعة الشيطان واتباع الهوى وتكذيب البعث وتحسر على حالهم . { قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ } منزلكم أو ذات مثواكم . { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } حال والعامل فيها مثواكم إن جعل مصدراً ، ومعنى الإضافة إن جعل مكاناً { إِلاَّ مَا شَاء ٱللَّهُ } إلا الأوقات التي ينقلون فيها من النار إلى الزمهرير وقيل { إِلاَّ مَا شَاء ٱللَّهُ } قبل الدخول كأنه قيل : النار مَثْوَاكُمْ أبداً إلا ما أمهلكم . { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ } في أفعاله . { عَلِيمٌ } بأعمال الثقلين وأحوالهم . { وَكَذٰلِكَ نُوَلّى بَعْضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضاً } نكل بعضهم إلى بعض ، أو نجعل بعضهم يتولى بعضاً فيغويهم أولياء بعض وقرناءهم في العذاب كما كانوا في الدنيا . { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الكفر والمعاصي . { يَـٰمَعْشَرَ ٱلْجِنّ وَٱلإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنْكُمْ } الرسل من الإِنس خاصة ، لكن لما جمعوا مع الجن في الخطاب صح ذلك ونظيره { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [ الرحمن : 22 ] والمرجان يخرج من الملح دون العذب وتعلق بظاهره قوم وقالوا بعث إلى كل من الثقلين رسل من جنسهم . وقيل الرسل من الجن رسل الرسل إليهم لقوله تعالى : { وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } [ الأحقاف : 29 ] { يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَـٰتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } يعني يوم القيامة . { قَالُواْ } جواباً . { شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا } بالجرم والعصيان وهو اعتراف منهم بالكفر واستيجاب العذاب . { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسهم أَنَّهُمْ كَانُواْ كَـٰفِرِينَ } ذم لهم على سوء نظرهم وخطأ رأيهم ، فإنهم اغتروا بالحياة الدنيوية واللذات المخدجة ، وأعرضوا عن الآخرة بالكلية حتى كان عاقبة أمرهم أن اضطروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام للعذاب المخلد تحذير للسامعين مثل حالهم .