Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 50-55)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ ٱللَّهِ } مقدوراته أو خزائن رزقه . { وَلا أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } ما لم يوح إلي ولم ينصب عليه دليل وهو من جملة المقول . { وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنّى مَلَكٌ } أي من جنس الملائكة ، أو أقدر على ما يقدرون عليه . { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ } تبرأ عن دعوى الألوهية والملكية ، وادعى النبوة التي هي من كمالات البشر رداً لاستبعادهم دعواه وجزمهم على فساد مدعاه . { قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } مثل للضال والمهتدي ، أو الجاهل والعالم ، أو مدعي المستحيل كالألوهية والملكية ومدعي المستقيم كالنبوة . { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } فتهتدوا أو فتميزوا بين ادعاء الحق والباطل ، أو فتعلموا أن اتباع الوحي مما لا محيص عنه . { وَأَنذِرْ بِهِ } الضمير لما يوحى إلي . { ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَىٰ رَبّهِمْ } هم المؤمنون المفرطون في العمل ، أو المجوزون للحشر مؤمناً كان أو كافراً مقراً به أو متردداً فيه ، فإن الإِنذار ينفع فيهم دون الفارغين الجازمين باستحالته . { لَيْسَ لَهُمْ مّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } في موضع الحال من يحشروا فإن المخوف هو الحشر على هذه الحالة . { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } لكي يتقوا . { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ } بعدما أمره بإنذار غير المتقين ليتقوا أمره بإكرام المتقين وتقريبهم وأن لا يطردهم ترضية لقريش . روي أنهم قالوا : لو طردت هؤلاء الأعبد يعنون فقراء المسلمين كعمار وصهيب وخباب وسلمان جلسنا إليك وحادثناك فقال : " ما أنا بطارد المؤمنين " قالوا : فأقمهم عنا إذا جئناك قال « نعم » . وروي أن عمر رضي الله عنه قال له : لو فعلت حتى ننظر إلى ماذا يصيرون فدعا بالصحيفة وبعلي رضي الله تعالى عنه ليكتب فنزلت . والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام ، وقيل صلاتا الصبح والعصر . وقرأ ابن عامر بالغدوة هنا وفي الكهف . { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } حال من يدعون ، أي يدعون ربهم مخلصين فيه قيد الدعاء بالإِخلاص تنبيهاً على أنه ملاك الأمر . ورتب النهي عليه إشعاراً بأنه يقتضي إكرامهم وينافي إبعادهم . { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَىْء وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَيْء } أي ليس عليك حساب إيمانهم فلعل إيمانهم عند الله أعظم من إيمان من تطردهم بسؤالهم طمعاً في إيمانهم لو آمنوا ، أو ليس عليك اعتبار بواطنهم وإخلاصهم لما اتسموا بسيرة المتقين وإن كان لهم باطن غير مرضي كما ذكره المشركون وطعنوا في دينهم فحسابهم عليهم لا يتعداهم إليك ، كما أن حسابك عليك لا يتعداك إليهم . وقيل ما عليك من حساب رزقهم أي من فقرهم . وقيل الضمير للمشركين والمعنى : لا تؤاخذ بحسابهم ولا هم بحسابك حتى يهمك إيمانهم بحيث تطرد المؤمنين طمعاً فيه . { فَتَطْرُدَهُمْ } فتبعدهم وهو جواب النفي { فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } جواب النهي ويجوز عطفه على فتطردهم على وجه التسبب وفيه نظر . { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } ومثل ذلك الفتن ، وهو اختلاف أحوال الناس في أمور الدنيا . { فَتَنَّا } أي ابتلينا بعضهم ببعض في أمر الدين فقدمنا هؤلاء الضعفاء على أشراف قريش بالسبق إلى الإِيمان . { لّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَا } أي أهؤلاء من أنعم الله عليهم بالهداية والتوفيق لما يسعدهم دوننا ، ونحن الأكابر والرؤساء وهم المساكين والضعفاء . وهو إنكار لأن يخص هؤلاء من بينهم بإصابة الحق والسبق إلى الخير كقولهم : { لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } [ الأحقاف : 11 ] واللام للعاقبة أو للتعليل على أن فتنا متضمن معنى خذلنا { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِينَ } بمن يقع منه الإِيمان والشكر فيوقفه وبمن لا يقع منه فيخذله . { وَإِذَا جَاءكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـئَايَـٰتِنَا فَقُلْ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } الذين يؤمنون هم الذين يدعون ربهم وصفهم بالإِيمان بالقرآن واتباع الحجج بعدما وصفهم بالمواظبة على العبادة ، وأمره بأن يبدأ بالتسليم أو يبلغ سلام الله تعالى إليهم ويبشرهم بسعة رحمة الله تعالى وفضله بعد النهي عن طردهم ، إيذاناً بأنهم الجامعون لفضيلتي العلم والعمل ، ومن كان كذلك ينبغي أن يقرب ولا يطرد ، ويعز ولا يذل ، ويبشر من الله بالسلامة في الدنيا والرحمة في الآخرة . وقيل إن قوماً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا أصبنا ذنوباً عظاماً فلم يرد عليهم شيئاً فانصرفوا فنزلت . { أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءا } استئناف بتفسير الرحمة . وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب بالفتح على البدل منها . { بِجَهَالَةٍ } في موضع الحال أي من عمل ذنباً جاهلاً بحقيقة ما يتبعه من المضار والمفاسد ، كعمر فيما أشار إليه ، أو ملتبساً بفعل الجهالة فإن ارتكاب ما يؤدي إلى الضرر من أفعال أهل السفه والجهل . { ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ } بعد العمل أو السوء . { وَأَصْلَحَ } بالتدارك والعزم على أن لا يعود إليه . { فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فتحه من فتح الأول غير نافع على إضمار مبتدأ أو خبر أي فأمره أو فله غفرانه . { وَكَذٰلِكَ } ومثل ذلك التفضيل الواضح . { نُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ } أي آيات القرآن في صفة المطيعين والمجرمين المصرين منهم والأوابين . { وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ } قرأ نافع بالتاء ونصب السبيل على معنى ولتستوضح يا محمد سبيلهم فتعامل كلا منهم بما يحق له فصلنا هذا التفصيل ، وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وحفص عن عاصم برفعه على معنى ولنبين سبيلهم ، والباقون بالياء والرفع على تذكير السبيل فإنه يذكر ويؤنث ، ويجوز أن يعطف على علة مقدرة أي نفصل الآيات ليظهر الحق وليستبين .