Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 61-70)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } ملائكة تحفظ أعملكم ، وهم الكرام الكاتبون ، والحكمة فيه أن المكلف إذا علم أن أعماله تكتب عليه وتعرض على رؤوس الأشهاد كان أزجر عن المعاصي ، وأن العبد إذا وثق بلطف سيده واعتمد على عفوه وستره لم يحتشم منه احتشامه من خدمه المطلعين عليه . { حَتَّىٰ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } ملك الموت وأعوانه . وقرأ حمزة « توفاه » بالألف ممالة . { وَهُمْ لاَ يُفَرّطُونَ } بالتواني والتأخير . وقرىء بالتخفيف ، والمعنى : لا يجاوزون ما حد لهم بزيادة أو نقصان . { ثُمَّ رُدُّواْ إِلَىٰ ٱللَّهِ } إلى حكمه وجزائه . { مَوْلَـٰهُمُ } الذي يتولى أمرهم . { ٱلْحَقّ } العدل الذي لا يحكم إلا بالحق وقرىء بالنصب على المدح . { أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ } يومئذ لا حكم لغيره فيه . { وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَـٰسِبِينَ } يحاسب الخلائق في مقدار حلب شاة لا يشغله حساب عن حساب . { قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } من شدائدهما ، استعيرت الظلمة للشدة لمشاركتهما في الهول وإبطال الإِبصار فقيل لليوم الشديد يوم مظلم ويوم ذو كواكب ، أو من الخسف في البر والغرق في البحر . وقرأ يعقوب { يُنَجّيكُمْ } بالتخفيف والمعنى واحد . { تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } معلنين ومسرين ، أو إعلاناً وإسراراً وقرأ أبو بكر هنا وفي « الأعراف » { وَخُفْيَةً } بالكسر وقرىء { خِيفَةً } . { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } على إرادة القول أي تقولون لئن أنجيتنا . وقرأ الكوفيون « لئن أنجانا » ليوافق قوله { تَدْعُونَهُ } وهذه إشارة إلى الظلمة . { قُلِ ٱللَّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا } شدده الكوفيون وهشام وخففه الباقون . { وَمِن كُلّ كَرْبٍ } غم سواها . { ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ } تعودون إلى الشرك ولا توفون بالعهد ، وإنما وضع تشركون موضع لا تشكرون تنبيهاً على أن من أشرك بعبادة الله سبحانه وتعالى فكأنه لم يعبده رأساً . { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ } كما فعل بقوم نوح ولوط وأصحاب الفيل . { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } كما أغرق فرعون ، وخسف بقارون . وقيل من فوقكم أكابركم وحكامكم ومن تحت أرجلكم سفلتكم وعبيدكم . { أَوْ يَلْبِسَكُمْ } يخلطكم . { شِيَعاً } فرقا متحزبين على أهواء شتى ، فينشب القتال بينكم قال : @ وَكَتِيبَهٌ لَبسْتُهَا بِكَتِيبَة حَتَّى إِذَا التَبَسَتْ نَفَضْتُ لَهَا يَدَي @@ { وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } يقاتل بعضكم بعضاً . { ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ ٱلآيَـٰتِ } بالوعد والوعيد . { لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } . { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ } أي بالعذاب أو بالقرآن . { وَهُوَ ٱلْحَقُّ } الواقع لا محالة أو الصدق . { قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } بحفيظ وكل إلي أمركم فأمنعكم من التكذيب ، أو أجازيكم إنما أنا منذر والله الحفيظ . { لّكُلّ نَبَإٍ } خبر يريد به إما بالعذاب أو الإِيعاد به . { مُّسْتَقِرٌّ } وقت استقرار ووقوع . { وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } عند وقوعه في الدنيا والآخرة . { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى ءايَـٰتِنَا } بالتكذيب والاستهزاء بها والطعن فيها . { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } فلا تجالسهم وقم عنهم . { حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ } أعاد الضمير على معنى الآيات لأنها القرآن . { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَـٰنُ } بأن يشغلك بوسوسته حتى تنسى النهي . وقرأ ابن عامر { يُنسِيَنَّكَ } بالتشديد . { فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ } بعد أن تذكره . { مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي معهم ، فوضع الظاهر موضع المضمر دلالة على أنهم ظلموا بوضع التكذيب والاستهزاء موضع التصديق والاستعظام . { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ } وما يلزم المتقين من قبائح أعمالهم وأقوالهم الذين يجالسونهم . { مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْء } شيء مما يحاسبون عليه . { وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ } ولكن عليهم أن يذكروهم ذكرى ويمنعوهم عن الخوض وغيره من القبائح ويظهروا كراهتها وهو يحتمل النصب على المصدر والرفع ولكن عليهم ذكرى ، ولا يجوز عطفه على محل من شيء لأن من حسابهم يأباه ولا على شيء لذلك ولأن من لا تزاد في الإِثبات . { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } يجتنبون ذلك حياء أو كراهة لمساءتهم ، ويحتمل أن يكون الضمير للذين يتقون والمعنى : لعلهم يثبتون على تقواهم ولا تنثلم بمجالستهم . روي : أن المسلمين قالوا لئن كنا نقوم كلما استهزءوا بالقرآن لم نستطع أن نجلس في المسجد الحرام ، ونطوف ، فنزلت . { وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً } أي بنوا أمر دينهم على التشهي وتدينوا بما لا يعود عليهم بنفع عاجلاً وآجلاً ، كعبادة الأصنام وتحريم البحائر والسوائب ، أو اتخذوا دينهم الذي كلفوه لعباً ولهواً حيث سخروا به ، أو جعلوا عيدهم الذي جعل ميقات عبادتهم زمان لهو ولعب . والمعنى أعرض عنهم ولا تبال بأفعالهم وأقوالهم ، ويجوز أن يكون تهديداً لهم كقوله تعالى : { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } حتى أنكروا البعث . { وَذَكّرْ بِهِ } أي بالقرآن . { أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ } مخافة أن تسلم إلى الهلاك وترهن بسوء عملها . وأصل الأبسال والبسل المنع ومنه أسد باسل لأن فريسته لا تفلت منه ، والباسل الشجاع لامتناعه من قرنه وهذا بسل عليك أي حرام . { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } يدفع عنها العذاب . { وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ } وإن تفد كل فداء والعدل الفدية لأنها تعادل المفدي وها هنا الفداء وكل نصب على المصدرية . { لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا } الفعل مسند إلى منها لا إلى ضميره بخلاف قوله : { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } [ البقرة : 48 ] فإنه المفدى به . { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ } أي سلموا إلى العذاب بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة . { لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } تأكيد وتفصيل لذلك ، والمعنى هم بين ماء مغلي يتجرجر في بطونهم ونار تشتعل بأبدانهم بسبب كفرهم .