Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 99-105)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَهُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء } من السحاب أو من جانب السماء . { فَأَخْرَجْنَا } على تلوين الخطاب . { بِهِ } بالماء . { نَبَاتَ كُلّ شَيْء } نبت كل صنف من النبات والمعنى : إظهار القدرة في إنبات الأنواع المختلفة المفننة المسقية بماء واحد كما في قوله سبحانه وتعالى : { يُسْقَىٰ بِمَاء وٰحِدٍ } ونفضل بعضها على بعض في الأكل . { فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ } من النبات أو الماء . { خُضْرًا } شيئاً أخضر يقال أخضر وخضر كأعور وعور ، وهو الخارج من الحبة المتشعب . { نُّخْرِجُ مِنْهُ } من الخضر . { حَبّاً مُّتَرَاكِباً } وهو السنبل . { وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوٰنٌ } أي وأخرجنا من النخل نخلاً من طلعها قنوان ، أو من النخل شيء من طلعها قنوان ، ويجوز أن يكون من النخل خبر قنوان ومن طلعها بدل منه والمعنى : وحاصلة من طلع النخل قنوان وهو الأعذاق جمع قنو كصنوان جمع صنو . وقرىء بضم القاف كذئب وذؤبان وبفتحها على أنه اسم جمع إذ ليس فعلان من أبنية الجمع . { دَانِيَةٌ } قريبة من المتناول ، أو ملتفة قريب بعضها من بعض ، وإنما اقتصر على ذكرها عن مقابلها لدلالتها عليه وزيادة النعمة فيها . { وَجَنَّـٰتٍ مّنْ أَعْنَـٰبٍ } عطف على نبات كل شيء . وقرأ نافع بالرفع على الابتداء أي ولكم أو ثم جنات أو من الكرم جنات ، ولا يجوز عطفه على { قِنْوٰنٌ } إذ العنب لا يخرج من النخل . { وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ } أيضاً عطف على نبات أو نصب على الاختصاص لعزة هذين الصنفين عندهم . { مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَـٰبِهٍ } حال من الرمان ، أو من الجميع أي بعض ذلك متشابه وبعضه غير متشابه في الهيئة والقدر واللون والطعم . { ٱنْظُرُواْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ } أي ثمر كل واحد من ذلك . وقرأ حمزة والكسائي بضم التاء والميم ، وهو جمع ثمرة كخشبة وخشب ، أو ثمار ككتاب وكتب . { إِذَا أَثْمَرَ } إذا أخرج ثمره كيف يثمر ضئيلاً لا يكاد ينتفع به . { وَيَنْعِهِ } وإلى حال نضجه أو إلى نضيجة كيف يعود ضخماً ذا نفع ولذة ، وهو في الأصل مصدر ينعت الثمر إذا أدركت . وقيل جمع يانع كتاجر وتجر . وقرىء بالضم وهو لغة فيه ويانعه . { إِنَّ فِى ذٰلِكُمْ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي لآيات دالة على وجود القادر الحكيم وتوحيده ، فإن حدوث الأجناس المختلفة والأنواع المتفننة من أصل واحد ونقلها من حال إلى حال لا يكون إلا بإحداث قادر يعلم تفاصيلها ، ويرجح ما تقتضيه حكمته مما يمكن من أحوالها ولا يعوقه عن فعله ند يعارضه أو ضد يعانده ، ولذلك عقبه بتوبيخ من أشرك به والرد عليه فقال . { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء ٱلْجِنَّ } أي الملائكة بأن عبدوهم وقالوا : الملائكة بنات الله . وسماهم جناً لاجتنانهم تحقيراً لشأنهم ، أو الشياطين لأنهم أطاعوهم كما يطاع الله تعالى ، أو عبدوا الأوثان بتسويلهم وتحريضهم ، أو قالوا الله خالق الخير وكل نافع ، والشيطان خالق الشر وكل ضار كما هو رأي الثنوية . ومفعولا { جَعَلُواْ } { للَّهِ شُرَكَاء } والجن بدل من { شُرَكَاء } أو { شُرَكَاء } الجن و { لِلَّهِ } متعلق بـ { شُرَكَاء } ، أو حال منه وقرىء { ٱلْجِنَّ } بالرفع كأنه قيل : من هم فقيل الجن ، و { ٱلْجِنَّ } بالجر على الإِضافة للتبيين . { وَخَلَقَهُمْ } حال بتقدير قد ، والمعنى وقد علموا أن الله خالقهم دون الجن وليس من يخلق كمن لا يخلق . وقرىء { وَخَلَقَهُمْ } عطفاً على { ٱلْجِنَّ } أي وما يخلقونه من الأصنام ، أو على شركاء أي وجعلوا له اختلافهم للإِفك حيث نسبوه إليه . { وَخَرَقُواْ لَهُ } افتعلوا وافتروا له . وقرأ نافع بتشديد الراء للتكثير . وقرىء « وحرفوا » أي وزوروا . { بَنِينَ وَبَنَاتٍ } فقالت اليهود عزير ابن الله ، وقالت النصارى المسيح ابن الله ، وقالت العرب الملائكة بنات الله . { بِغَيْرِ عِلْمٍ } من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوه ويروا عليه دليلاً ، وهو في موضع الحال من الواو ، أو المصدر أي خرقاً بغير علم . { سُبْحَـٰنَهُ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ } وهو أن له شريكاً أو ولداً . { بَدِيعُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها ، أو إلى الظرف كقولهم : ثبت الغدر بمعنى أنه عديم النظير فيهما ، وقيل معناه المبدع وقد سبق الكلام فيه ، ورفعه على الخبر والمبتدأ محذوف أو على الابتداء وخبره . { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ } أي من أين أو كيف يكون له ولد . { وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَـٰحِبَةٌ } يكون منها الولد . وقرىء بالياء للفصل أو لأن الاسم ضمير الله أو ضمير الشأن . { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ } لا تخفى عليه خافية ، وإنما لم يقل به لتطرق التخصيص إلى الأول ، وفي الآية استدلال على نفي الولد من وجوه : ( الأول ) أنه من مبدعاته السموات والأرضون ، وهي مع أنها من جنس ما يوصف بالولادة مبرأة عنها لاستمرارها وطول مدتها فهو أولى بأن يتعالى عنها ، أو أن ولد الشيء نظيره ولا نظير له فلا ولد . ( والثاني ) أن المعقول من الولد ما يتولد من ذكر وأنثى متجانسين والله سبحانه وتعالى منزه عن المجانسة . ( والثالث ) أن الولد كفؤ الوالد ولا كفؤ له لوجهين : الأول أن كل ما عداه مخلوقه فلا يكافئه . والثاني أنه سبحانه وتعالى لذاته عالم بكل المعلومات ولا كذلك غيره بالإِجماع . { ذٰلِكُمْ } إشارة إلى الموصوف بما سبق من الصفات وهو مبتدأ . { ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَـٰلِقُ كُلّ شَيْء } أخبار مترادفة ويجوز أن يكون البعض بدلاً أو صفة والبعض خبراً . { فَٱعْبُدُوهُ } حكم مسبب عن مضمونها فإن من استجمع هذه الصفات استحق العبادة . { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَيْء وَكِيلٌ } أي وهو مع تلك الصفات متولي أموركم فكلوها إليه وتوسلوا بعبادته إلى إنجاح مآربكم ورقيب على أعمالكم فيجازيكم عليها . { لاَّ تُدْرِكُهُ } أي لا تحيط به . { ٱلأَبْصَـٰرِ } جمع بصر وهي حاسة النظر وقد يقال للعين من حيث إنها محلها واستدل به المعتزلة على امتناع الرؤية وهو ضعيف ، إذ ليس الإِدراك مطلق الرؤية ولا النفي في الآية عاماً في الأوقات فلعله مخصوص ببعض الحالات ولا في الأشخاص ، فإنه في قوة قولنا لا كل بصر يدركه مع أن النفي لا يوجب الامتناع . { وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ } يحيط علمه بها . { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } فيدرك ما لا تدركه الأبصار كالأبصار ، ويجوز أن يكون من باب اللف أي لا تدركه الأبصار لأنه اللطيف وهو يدرك الأبصار لأنه الخبير ، فيكون اللطيف مستعاراً من مقابل الكثيف لما لا يدرك بالحاسة ولا ينطبع فيها . { قَدْ جَاءكُمْ بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ } البصائر جمع بصيرة وهي للنفس كالبصر للبدن ، سميت بها لدلالة لأنها تجلي لها الحق وتبصرها به . { فَمَنْ أَبْصَرَ } أي أبصر الحق وآمن به . { فَلِنَفْسِهِ } أبصر لأن نفعه لها . { وَمَنْ عَمِيَ } عن الحق وضل . { فَعَلَيْهَا } وباله . { وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } وإنما أنا منذر والله سبحانه وتعالى هو الحفيظ عليكم يحفظ أعمالكم ويجازيكم عليها ، وهذا كلام ورد على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام . { وَكَذٰلِكَ نُصَرّفُ ٱلآيَـٰتِ } ومثل ذلك التصريف نصرف ، وهو إجراء المعنى الدائر في المعاني المتعاقبة من الصرف ، وهو نقل الشيء من حال إلى حال . { وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ } أي وليقولوا درست صرفنا واللام لام العاقبة ، والدرس القراءة والتعليم . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو دارست أي دارست أهل الكتاب وذاكرتهم ، وابن عامر ويعقوب درست من الدروس أي قدمت هذه الآيات وعفت كقولهم أساطير الأولين . وقرىء { دَرُسْتَ } بضم الراء مبالغة في درست ودرست على البناء للمفعول بمعنى قرئت ، أو عفيت ودارست بمعنى درست أو دارست اليهود محمداً صلى الله عليه وسلم ، وجاز إضمارهم بلا ذكر لشهرتهم بالدراسة ، ودرسن أي عنون ودرس أي درس محمد صلى الله عليه وسلم ودارسات أي قديمات أو ذوات درس كقوله تعالى : { فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } . { وَلِنُبَيّنَهُ } اللام على أصله لأن التبيين مقصود التصريف والضمير للآيات باعتبار المعنى ، أو للقرآن وإن لم يذكر لكونه معلوماً أو للمصدر . { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } فإنهم المنتفعون به .