Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 65, Ayat: 1-6)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ مدنية وآيها اثنتا عشرة أو إحدى عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم يٰأيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنّسَاء } خص النداء وعم الخطاب بالحكم لأنه أمام أمته فنداؤه كندائهم ، أو لأن الكلام معه والحكم يعمهم . والمعنى إذا أردتم تطليقهن على تنزيل المشارف له منزلة الشارع فيه . { فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أي في وقتها وهو الطهر ، فإن اللام في الأزمان وما يشبهها للتأقيت ، ومن عدة ٱلْعِدَّةَ بالحيض علق اللام بمحذوف مثل مستقبلات ، وظاهره يدل على أن ٱلْعِدَّةَ بالأطهار وأن طلاق المعتدة بالأقراء ينبغي أن يكون في الطهر ، وأنه يحرم في الحيض من حيث إن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده ولا يدل على عدم وقوعه ، إذ النهي لا يستلزم الفساد ، كيف و " قد صح أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لما طلق امرأته حائضاً أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالرجعة وهو سبب نزوله " . { وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ } واضبطوها وأكملوها ثلاثة أقراء . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ } في تطويل العدة والإِضرار بهن . { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ } من مساكنهن وقت الفراق حتى تنقضي عدتهن . { وَلاَ يَخْرُجْنَ } باستبدادهن أما لو اتفقا على الانتقال جاز إذ الحق لا يعدوهما ، وفي الجمع بين النهيين دلالة على استحقاقهما السكنى ولزومها ملازمة مسكن الفراق وقوله : { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ } مستثنى من الأول ، والمعنى إلا أن تبذو على الزوج فإنه كالنشوز في إسقاط حقها ، أو إلا أن تزني فتخرج لإِقامة الحد عليها ، أو من الثاني للمبالغة في النهي والدلالة على أن خروجها فاحشة . { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } الإشارة إلى الأحكام المذكورة . { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } بأن عرضها للعقاب . { لا تَدْرِى } أي النفس أو أنت أيها النبي أو المطلق . { لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } وهو الرغبة في المطلقة برجعة أو استئناف . { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } شارفن آخر عدتهن . { فَأَمْسِكُوهُنَّ } فراجعوهن . { بِمَعْرُوفٍ } بحسن عشرة وإنفاق مناسب ، { أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } بإيفاء الحق واتقاء الضرار مثل أن يراجعها ثم يطلقها تطويلاً لعدتها . { وَأَشْهِدُواْ ذَوِى عَدْلٍ مّنْكُمْ } على الرجعة أو الفرقة تبرياً عن الريبة وقطعاً للتنازع ، وهو ندب كقوله تعالى : { وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } [ البقرة : 282 ] وعن الشافعي وجوبه في الرجعة . { وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَـٰدَةَ } أيها الشهود عند الحاجة . { لِلَّهِ } خالِصاً لوجهه . { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ } يريد الحث على الإِشهاد والإِقامة ، أو على جميع ما في الآية . { مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } فإنه المنتفع به والمقصود بذكره . { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } . { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق بالوعد على الإِتقاء عما نهى عنه صريحاً أو ضمناً من الطلاق في الحيض ، والإِضرار بالمعتدة وإخراجها من المسكن ، وتعدي حدود الله وكتمان الشهادة وتوقع جعل على إقامتها بأن يجعل الله له مخرجاً مما في شأن الأزواج من المضايق والغموم ، ويرزقه فرجاً وخلفاً من وجه لم يخطر بباله . أو بالوعد لعامة المتقين بالخلاص عن مضار الدارين والفوز بخيرهما من حيث لا يحتسبون . أو كلام جيء به للاستطراد عند ذكر المؤمنين . وعنه صلى الله عليه وسلم " إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم » . { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } فما زال يقرؤها ويعيدها " وروي « أن سالم بن عوف بن مالك الأشجعي أسره العدو ، فشكا أبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له " اتق الله وأكثر قول : لا حول ولا قوة إلا بالله . ففعل فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإِبل غفل عنها العدو فاستاقها " وفي رواية " رجع ومعه غنيمات ومتاع " { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } كَافية . { إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمْرِهِ } يبلغ ما يريده ولا يفوته مراد ، وقرأ حفص بالإِضافة ، وقرىء { بَـٰلِغُ أَمْرِهِ } أي نافذ و « بالغا » على أنه حال والخبر : { قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلّ شَىْءٍ قَدْراً } تقديراً أو مقدراً ، أو أجلاً لا يتأتى تغييره ، وهو بيان لوجوب التوكل وتقرير لما تقدم من تأقيت الطلاق بزمان العدة والأمر بإحصائها ، وتمهيد لما سيأتي من مقاديرها . { وَٱللَّـٰتِى يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نّسَائِكُمْ } لكبرهن . { إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } شككتم في عدتهن أي جهلتهم . { فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـٰثَةُ أَشْهُرٍ } روي أنه لما نزل { وَٱلْمُطَلَّقَـٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَـٰثَةَ قُرُوء } [ البقرة : 228 ] قيل فما عدة الَّلاتي لم يحضن فنزلت . { وَٱللَّـٰتِي لَمْ يَحِضْنَ } أي واللاتي لم يحضن بعد كذلك . { وَأُوْلَـٰتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ } منتهى عدتهن . { أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وهو حكم يعم المطلقات والمتوفى عنهم أزواجهن ، والمحافظة على عمومه أولى من محافظة عموم قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوٰجًا } [ البقرق : 234 ] لأن عموم أولات الأحمال بالذات وعموم أزواجا بالعرض ، والحكم معلل ها هنا بخلافه ثمة ، ولأنه صح أن سبيعة بنت الحرث وضعت بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " قد حللت فتزوجي " ولأنه متأخر النزول فتقديمه في العمل تخصيص وتقديم الآخر بناء للعام على الخاص والأول راجح للوفاق عليه . { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } في أحكامه فيراعي حقوقها . { يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } يسهل عليه أمره ويوفقه للخير . { ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ } إشارة إلى ما ذكر من الأحكام . { أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } في أحكامه فيراعي حقوقها . { يُكَفّرْ عَنْهُ سَيّئَـٰتِهِ } فإن الحسنات يذهبن السيئات { وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً } بالمضاعفة . { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم } أي مكان من مكان سكناكم . { مّن وُجْدِكُمْ } من وسعكم أي مما تطيقونه ، أو عطف بيان لقوله من { حَيْثُ سَكَنتُم } . { وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ } في السكنى . { لِتُضَيّقُواْ عَلَيْهِنَّ } فتلجئوهن إلى الخروج . { وَإِن كُنَّ أُوْلَـٰتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فيخرجن من العدة ، وهذا يدل على اختصاص استحقاق النفقة بالحامل من المعتدات والأحاديث تؤيده . { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ } بعد انقطاع علقة النكاح . { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } على الإِرْضَاع . { وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ } وليأمر بعضكم بعضاً بجميل في الإِرضاع والأجر . { وَإِن تَعَاسَرْتُمْ } تضايقتم . { فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } امرأة أخرى ، وفيه معاتبة للأم على المعاسرة .