Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 67, Ayat: 14-22)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ } ألا يعلم السر والجهر من أوجد الأشياء حسبما قدرته حكمته . { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن ، أو ألا يعلم الله من خلقه ، وهو بهذه المثابة والتقييد بهذه الحال يستدعي أن يكون لـ { يَعْلَمْ } مفعول ليفيد ، روي : أن المشركين كانوا يتكلمون فيما بينهم بأشياء ، فيخبر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فيقولون : أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد فنبه الله على جهلهم . { هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً } لينة يسهل لكم السلوك فيها . { فَٱمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا } في جوانبها أو جبالها ، وهو مثل لفرط التذليل فإن منكب البعير ينبو عن أن يطأه الراكب ولا يتذلل له ، فإذا جعل الأرض في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم يبق شيء لم يتذلل . { وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ } والتمسوا من نعم الله . { وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ } المرجع فيسألكم عن شكر ما أنعم عليكم . { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِى ٱلسَّمَاء } يعني الملائكة الموكلين على تدبير هذا العالم ، أو الله تعالى على تأويل { مَّن فِى ٱلسَّمَاء } أمره أو قضاؤه ، أو على زعم العرب فإنهم زعموا أنه تعالى في السماء ، وعن ابن كثير « وامنتم » بقلب الهمزة الأولى واواً لانضمام ما قبلها ، « وآمنتم » بقلب الثانية ألفاً ، وهو قراءة نافع وأبي عمرو ورويس . { أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ } فيغيبكم فيها كما فعل بقارون وهو بدل الاشتمال . { فَإِذَا هِىَ تَمُورُ } تضطرب ، والمور التردد في المجيء والذهاب . { أَمْ أَمِنتُمْ مّن فِى ٱلسَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَـٰصِباً } أن يمطر عليكم حصباء . { فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } كيف إنذاري إذا شاهدتم المنذر به ولكن لا ينفعكم العلم حينئذ . { وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ } إنكاري عليهم بإنزال العذاب ، وهو تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد لقومه المشركين . { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ } باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها ، فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها . { وَيَقْبِضْنَ } ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن وقتاً بعد وقت للاستظهار به على التحريك ، ولذلك عدل به إلى صيغة الفعل للتفرقة بين الأصل في الطيران والطارىء عليه . { مَا يُمْسِكُهُنَّ } في الجو على خلاف الطبع . { إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ } الشامل رحمته كل شيء بأن خلقهن على أشكال وخصائص هيأتهن للجري في الهواء . { إِنَّهُ بِكُلّ شَىْءٍ بَصِيرٌ } يعلم كيف يخلق الغرائب ويدبر العجائب . { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } عديل لقوله { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ } على معنى أو لم تنظروا في أمثال هذه الصنائع ، فلم تعلموا قدرتنا على تعذيبهم بنحو خسف وإرسال حاصب ، أم لكم جند ينصركم من دون الله إن أرسل عليكم عذابه فهو كقوله { أَمْ لَهُمْ الِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا } [ الأنبياء : 43 ] إلا أنه أخرج مخرج الاستفهام عن تعيين من ينصرهم إشعاراً بأنهم اعتقدوا هذا القسم ، و { مِنْ } مبتدأ و { هَـٰذَا } خبره و { ٱلَّذِى } بصلته صفته و { يَنصُرْكُمُ } وصف لـ { جُندٌ } محمول على لفظه . { إِنِ ٱلْكَـٰفِرُونَ إِلاَّ فِى غُرُورٍ } لا معتمد لهم . { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ } أم من يشار إليه ويقال { هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ } . { إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ } بإمساك المطر وسائر الأسباب المخلصة والموصلة له إليكم . { بَل لَّجُّواْ } تمادوا . { فِى عُتُوّ } عناد . { وَنُفُورٍ } شراد عن الحق لتنفر طباعهم عنه . { أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ } يقال كببته فأكب وهو من الغرائب كقشع الله السحاب فأقشع ، والتحقيق أنهما من باب أنفض بمعنى صار ذا كب وذا قشع ، وليس مطاوعي كب وقشع بل المطاوع لهما أنكب وانقشع ، ومعنى { مُكِبّاً } أنه يعثر كل ساعة ويخر على وجهه لوعورة طريقه واختلاف أجزائه ، ولذلك قابله بقوله : { أَمَّن يَمْشِى سَوِيّاً } قائماً سالماً من العثار . { عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } مستوي الأجزاء والجهة ، والمراد تمثيل المشرك والموحد بالسالكين والدينين بالمسلكين ، ولعل الاكتفاء بما في الكب من الدلالة على حال المسلك للإشعار بأن ما عليه المشرك لا يستأهل أن يسمى طريقاً ، كمشي المتعسف في مكان متعاد غير مستو . وقيل المراد بالمكب الأعمى فإنه يتعسف فينكب وبالسوي البصير ، وقيل من { يَمْشِى مُكِبّاً } هو الذي يحشر على وجهه إلى النار ومن { يَمْشِى سَوِيّاً } الذي يحشر على قدميه إلى الجنة .