Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 11-21)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَـٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـٰكُمْ } أي خلقنا أباكم آدم طيناً غير مصور ثم صورناه . نزل خلقه وتصويره منزلة خلق الكل وتصويره ، أو ابتدأنا خلقكم ثم تصويركم بأن خلقنا آدم ثم صورناه . { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } وقيل ثم لتأخير الإخبار . { فَسَجَدُواْ إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ } ممن سجد لآدم . { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } أي أن تسجد ولا صلة مثلها في لئلا يعلم ، مؤكدة معنى الفعل الذي دخلت عليه ، ومنبهة على أن الموبخ عليه ترك السجود . وقيل الممنوع عن الشيء مضطر إلى خلافه فكأنه قيل : ما اضطرك إلى ألا تسجد . { إِذْ أَمَرْتُكَ } دليل على أن مطلق الأمر للوجوب والفور . { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ } جواب من حيث المعنى استأنف به استبعاداً لأن يكون مثله مأموراً بالسجود لمثله كأنه قال : المانع أني خير منه ، ولا يحسن للفاضل أن يسجد للمفضول ، فكيف يحسن أن يؤمر به . فهو الذي سن التكبر وقال بالحسن والقبح العقليين أولاً . { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } تعليل لفضله عليه ، وقد غلط في ذلك بأن رأى الفضل كله باعتبار العنصر وغفل عما يكون باعتبار الفاعل كما أشار إليه بقوله تعالى : { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ } [ ص : 75 ] أي بغير واسطة ، وباعتبار الصورة كما نبه عليه بقوله : { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ سَـٰجِدِينَ } [ الحجر : 29 ] وباعتبار الغاية وهو ملاكه ولذلك أمر الملائكة بسجوده لما بين لهم أنه أعلم منهم ، وأن له خواص ليست لغيره ، والآية دليل الكون والفساد وأن الشياطين أجسام كائنة ، ولعل إضافة خلق الإنسان إلى الطين والشيطان إلى النار باعتبار الجزء الغالب . { قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا } من السماء أو الجنة . { فَمَا يَكُونُ لَكَ } فما يصح . { أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } وتعصي فإنها مكان الخاشع والمطيع . وفيه تنبيه على أن التكبر لا يليق بأهل الجنة وأنه سبحانه وتعالى إنما طرده وأهبطه لتكبره لا لمجرد عِصيانه . { فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّـٰغِرِينَ } ممن أهانه الله لتكبره ، قال عليه الصلاة والسلام " من تواضع رفعه الله ومن تكبر وضعه الله " { قَالَ أَنظِرْنِى إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أمهلني إلى يوم القيامة فلا تمتني ، أو لا تعجل عقوبتي . { قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلمُنظَرِينَ } يقتضي الإجابة إلى ما سأله ظاهراً لكنه محمول على ما جاء مقيداً بقوله تعالى : { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } [ الحجر : 38 ] وهو النفخة الأولى ، أو وقت يعلم الله انتهاء أجله فيه ، وفي إسعافه إليه ابتلاء العباد وتعريضهم للثواب بمخالفته { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى } أي بعد أن أمهلتني لاجتهدن في إغوائهم بأي طريق يمكنني بسبب إغوائك إياي بواسطتهم تسمية ، أو حملاً على الغي ، أو تكليفاً بما غويت لأجله والباء متعلقة بفعل القسم المحذوف لا بأقعدن فإن اللام تصد عنه فإن القسم : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ } ترصداً بهم كما يقعد القطاع للسابلة . { صِرٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } طريق الإِسلام ونصبه على الظرف كقوله : @ لدنٌ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُه فِيهِ كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ @@ وقيل تقديره على صراطك كقولهم : ضرب زيد الظهر والبطن . { ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ } أي من جميع الجهات الأربع . مثل قصده إياهم بالتسويل والإِضلال من أي وجه يمكنه بإتيان العدو من الجهات الأربع ، ولذلك لم يقل من فوقهم ومن تحت أرجلهم . وقيل لم يقل من فوقهم لأن الرحمة تنزل منه ولم يقل من تحتهم لأن الإِتيان منه يوحش الناس . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : من بين أيديهم من قبل الآخرة ، ومن خلفهم من قبل الدنيا ، وعن أيمانهم وعن شمائلهم من جهة حسناتهم وسيئاتهم . ويحتمل أن يقال من أيديهم من حيث يعلمون ويقدرون على التحرز عنه ، ومن خلفهم من حيث لا يعلمون ولا يقدرون ، وعن أيمانهم وعن شمائلهم من حيث يتيسر لهم أن يعلموا ويتحرزوا ولكن لم يفعلوا لعدم تيقظهم واحتياطهم . وإنما عدى الفعل إلى الأولين بحرف الابتداء لأنه منهما موجه إليهم وإلى الأخيرين بحرف المجاوزة فإن الآتي منهما كالمنحرف عنهم المار على عرضهم ، ونظيره قولهم جلست عن يمينه . { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ } مطيعين ، وإنما قاله ظناً لقوله تعالى : { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } [ سبأ : 20 ] لما رأى فيهم مبدأ الشر متعدداً ومبدأ الخير واحداً ، وقيل سمعه من الملائكة . { قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا } مذموماً من ذأمه إذا ذمه . وقرىء « مذموماً » كمسول في مسؤول أو كمكول في مكيل ، من ذامه يذيمه ذيماً . { مَذْمُومًا مَّدْحُورًا } مطروداً . { لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } اللام فيه لتوطئة القسم وجوابه : { لأَمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } وهو ساد مسد جواب الشرط . وقرىء { لِمَنْ } بكسر اللام على أنه خبر لأملأن على معنى : لمن تبعك هذا الوعيد ، أو علة لأخرج ولأملأن جواب قسم محذوف ومعنى منكم ومنهم فغلب المخاطب . { ويَا ءادَمَ } أي وقلنا يا آدم . { ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } وقرىء هذي وهو الأصل لتصغيره على ذيا والهاء بدل من الياء . { فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّـٰلِمِينَ } فتصيرا من الذين ظلموا أنفسهم ، وتكونا يحتمل الجزم على العطف والنصب على الجواب . { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ } أي فعل الوسوسة لأجلهما ، وهي في الأصل الصوت الخفي كالهينمة والخشخشة ومنه وسوس الحلي . وقد سئل في سورة « البقرة » كيفية وسوسته . { لِيُبْدِيَ لَهُمَا } ليظهر لهما ، واللام للعاقبة أو للغرض على أنه أراد أيضاً بوسوسته أن يسوءهما بانكشاف عورتيهما ، ولذلك عبر عنهما بالسوأة . وفيه دليل على أن كشف العورة في الخلوة وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن في الطباع . { مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا } ما غطي عنهما من عوراتهما ، وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر ، وإنما لم تقلب الواو المضمومة همزة في المشهور كما قلبت في أو يصل تصغير واصل لأن الثانية مدة وقرىء { سوآتهما } بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على الواو و سوأتهما بقلبها واواً وإدغام الواو الساكنة فيها . { وَقَالَ مَا نَهَـٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلا أَن تَكُونَا } إِلاَّ كراهة أن تكونا . { مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَـٰلِدِينَ } الذين لا يموتون أو يخلدون في الجنة ، واستدل به على فضل الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وجوابه : أنه كان من المعلوم أن الحقائق لا تنقلب وإنما كانت رغبتهما في أن يحصل لهما أيضاً للملائكة من الكمالات الفطرية ، والاستغناء عن الأطعمة والأشربة ، وذلك لا يدل على فضلهم مطلقاً . { وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ } أي أقسم لهما على ذلك ، وأخرجه على زنة المفاعلة للمبالغة . وقيل أقسما له بالقبول . وقيل أقسما عليه بالله أنه لمن الناصحين فأقسم لهما فجعل ذلك مقاسمة .