Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 165-175)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَلَمَّا نَسُواْ } تركوا ترك الناسي . { مَا ذُكّرُواْ بِهِ } ما ذكرهم به صلحاؤهم . { أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُّوء وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } بالاعتداء ومخالفة أمر الله . { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } شديد فعيل من بؤس يبؤس بؤساً إذا اشتد . وقرأ أبو بكر " بيئس " على فيعل كضيغم ، وابن عامر « بئس » بكسر الباء وسكون الهمز على أنه بئس كحذر ، كما قرىء به فخفف عينه بنقل حركتها إلى الفاء ككبد في كبد ، وقرأ نافع " بيس " على قلب الهمزة ياء كما قلبت في ذئب أو على أنه فعل الذم وصف به فجعل اسماً ، وقرىء " بيس " كريس على قلب الهمزة ثم ادغامها و " بيس " بالتخفيف كهين وبائس كفاعل . { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } بسبب فسقهم . { فَلَمَّا عَتَوْاْ عَمَّا نُهُواْ عَنْهُ } تكبروا عن ترك ما نهوا عنه كقوله تعالى : { وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ } [ الأعراف : 77 ] { قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَـٰسِئِينَ } كقوله : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } والظاهر يقتضي أن الله تعالى عذبهم أولاً بعذاب شديد فعتوا بعد ذلك فمسخهم ، ويجوز أن تكون الآية الثانية تقريراً وتفصيلاً للأولى . روي : أن الناهين لما أيسوا عن اتعاظ المعتدين كرهوا مساكنتهم ، فقسموا القرية بجدار فيه باب مطروق ، فأصبحوا يوماً ولم يخرج إليهم أحد من المعتدين فقالوا : إن لهم شأناً فدخلوا عليهم فإذا هم قردة فلم يعرفوا أنسباءهم ولكن القردة تعرفهم ، فجعلت تأتي أنسباءهم وتشم ثيابهم وتدور باكية حولهم ثم ماتوا بعد ثلاث . وعن مجاهد مسخت قلوبهم لا أبدانهم . { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ } أي أعلم تفعل من الإيذان بمعناه كالتوعد والإِيعاد ، أو عزم لأن العازم على الشيء يؤذن نفسه بفعله فأجرى مجرى فعل القسم { كعلم ٱللَّهِ } و { شَهِدَ ٱللَّهُ } . ولذلك أجيب بجوابه وهو : { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } والمعنى وإذ أوجب ربك على نفسه ليسلطن على اليهود . { مَن يَسُومُهُمْ سُوء ٱلْعَذَابِ } كالإِذلال وضرب الجزية ، بعث الله عليهم بعد سليمان عليه السلام بختنصر فخرب ديارهم وقتل مقاتليهم وسبى نساءهم وذراريهم وضرب الجزية على من بقي منهم ، وكانوا يؤدونها إلى المجوس حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ففعل ما فعل ثم ضرب عليهم الجزية فلا تزال مضروبة إلى آخر الدهر . { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } عاقبهم في الدنيا . { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } لمن تاب وآمن . { وَقَطَّعْنَـٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَمًا } وفرقناهم فيها بحيث لا يكاد يخلو قطر منهم تتمة لأدبارهم حتى لا يكون لهم شوكة قط و { أُمَمًا } مفعول ثان أو حال . { وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ } تقديره ومنهم أناس دون ذلك أي منحطون عن الصلاح ، وهم كفرتهم وفسقتهم . { وَبَلَوْنَـٰهُمْ بِٱلْحَسَنَـٰتِ وَٱلسَّيّئَاتِ } بالنعم والنقم . { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ينهون فيرجعون عما كانوا عليه . { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ } من بعد المذكورين . { خَلْفٌ } بدل سوء مصدر نعت به ولذلك يقع على الواحد والجمع . وقيل جمع وهو شائع في { وَرِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } التوراة من أسلافهم يقرؤونها ويقفون على ما فيها . { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } حطام هذا الشيء الأدنى يعني الدنيا ، وهو من الدنو أو الدناءة وهو ما كانوا يأخذون من الرشا في الحكومة وعلى تحريف الكلم ، والجملة حال من الواو . { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } لا يؤاخذنا الله بذلك ويتجاوز عنه ، وهو يحتمل العطف والحال والفعل مسند إلى الجار والمجرور ، أو مصدر يأخذون . { وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } حال من الضمير في { لَنَا } أي : يرجون المغفرة مصرين على الذنب عائدين إلى مثله غير تائبين عنه . { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مّيثَاقُ ٱلْكِتَـٰبِ } أي في الكتاب . { أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } عطف بيان للميثاق ، أو متعلق به أي بأن يقولوا والمراد توبيخهم على البت بالمغفرة مع عدم التوبة والدلالة على أنه افتراء على الله وخروج عن ميثاق الكتاب . { وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ } عطف على { أَلَمْ يُؤْخَذْ } من حيث المعنى فإنه تقرير ، أو على { وَرِثُواْ } وهو اعتراض . { وَٱلدَّارُ ٱلاْخِرَةُ خَيْرٌ لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } مما يأخذ هؤلاء . { أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } فيعلموا ذلك ولا يستبدلوا الأدنى الدنيء المؤدي إلى العقاب بالنعيم المخلد ، وقرأ نافع وابن عامر وحفص ويعقوب بالتاء على التلوين . { وَٱلَّذِينَ يُمَسّكُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ } عطف على الذين { يَتَّقُونَ } وقوله : { أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } اعتراض أو مبتدأ خبره : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } على تقدير منهم ، أو وضع الظاهر موضع المضمر تنبيهاً على أن الإِصلاح كالمانع من التضييع . وقرأ أبو بكر { يُمَسّكُونَ } بالتخفيف وإفراد الإِقامة لإِنافتها على سائر أنواع التمسكات . { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ } أي قلعناه ورفعناه فوقهم وأصل النتق الجذب . { كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ } سقيفة وهي ما أظلك . { وَظَنُّواْ } وتيقنوا . { أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ } ساقط عليهم لأن الجبل لا يثبت في الجو ولأنهم كانوا يوعدون به ، وإنما أطلق الظن لأنه لم يقع متعلقه وذلك أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة لثقلها فرفع الله الطور فوقهم . وقيل لهم إن قبلتم ما فيها وإلا ليقعن عليكم . { خُذُواْ } على إضمار القول أي وقلنا خذوا أو قائلين خذوا . { مَا ءاتَيْنَـٰكُم } من الكتاب . { بِقُوَّةٍ } بجد وعزم على تحمل مشاقه ، وهو حال من الواو . { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ } بالعمل به ولا تتركوه كالمنسي . { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } قبائح الأعمال ورذائل الأخلاق . { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ } أي أخرج من أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرناً بعد قرن ، و { مِن ظُهُورِهِمْ } بدل { مِن بَنِى ءادَمَ } بدل البعض . وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب « ذرياتهم » . { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَا } أي ونصب لهم دلائل ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الاقرار بها حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم : { قَالُواْ بَلَىٰ } فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم منه بمنزلة الإشهاد والاعتراف على طريقة التمثيل ويدل عليه قوله : { أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي كراهة أن تقولوا . { إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَـٰفِلِينَ } لم ننبه عليه بدليل . { أَوْ تَقُولُواْ } عطف على { أَن تَقُولُواْ } ، وقرأ أبو عمرو كليهما بالياء لأن أول الكلام على الغيبة . { إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ } فاقتدينا بهم لأن التقليد عند قيام الدليل والتمكن من العلم به لا يصلح عذراً . { أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } يعني آباءهم المبطلين بتأسيس الشرك . وقيل لما خلق الله آدم أخرج من ظهره ذرية كالذر وأحياهم وجعل لهم العقل والنطق وألهمهم ذلك لحديث رواه عمر رضي الله تعالى عنه ، وقد حققت الكلام فيه في شرحي لكتاب « المصابيح » ، والمقصود من إيراد هذا الكلام ها هنا الزام اليهود بمقتضى الميثاق العام بعد ما ألزمهم بالميثاق المخصوص بهم ، والاحتجاج عليهم بالحجج السمعية والعقلية ومنعهم عن التقليد وحملهم على النظر والاستدلال كما قال : { وَكَذٰلِكَ نُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي عن التقليد واتباع الباطل . { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ } أي على اليهود . { نَبَأَ ٱلَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا } هو أحد علماء بني إسرائيل ، أو أمية بن أبي الصلت فإنه كان قد قرأ الكتب وعلم أن الله تعالى مرسل رسولاً في ذلك الزمان ، ورجا أن يكون هو فلما بعث محمد عليه السلام حسده وكفره به ، أو بلعم بن باعوراء من الكنعانيين أوتي علم بعض كتب الله ، { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } من الآيات بأن كفر بها وأعرض عنها . { فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } حتى لحقه وقيل استتبعه . { فَكَانَ مِنَ الغَاوِين } فصار من الضالين . روي أن قومه سألوه أن يدعو على موسى ومن معه فقال : كيف أدعو على من معه الملائكة ، فألحوا حتى دعا عليهم فبقوا في التيه .