Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 26-30)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى ٱلأَرْضِ } أرض مكة يستضعفكم قريش ، والخطاب للمهاجرين . وقيل للعرب كافة فإنهم كانوا أذلاء في أيدي فارس والروم . { تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ } كفار قريش أو من عداهم فإنهم كانوا جميعاً معادين لهم مضادين لهم . { فَآوَاكُمْ } إلى المدينة ، أو جعل لكم مأوى تتحصنون به عن أعاديكم . { وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ } على الكفار أو بمظاهرة الأنصار ، أو بإمداد الملائكة يوم بدر . { وَرَزَقَكُم مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ } من الغنائم . { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } هذه النعم . { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } بتعطيل الفرائض والسنن ، أو بأن تضمروا خلاف ما تظهرون ، أو بالغلول في المغانم . وروي : ( أنه عليه الصلاة والسلام حاصر بني قريظة إحدى وعشرين ليلة ، فسألوه الصلح كما صالح إخوانهم بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم بأذرعات وأريحاء بأرض الشام ، فأبى إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فأبوا وقالوا : أرسل إلينا أبا لبابة وكان مناصحاً لهم لأن عياله وماله في أيديهم ، فبعثه إليهم فقالوا ما ترى هل ننزل على حكم سعد بن معاذ ، فأشار إلى حلقه أنه الذبح ، قال أبو لبابة : فما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله ، فنزلت . فشد نفسه على سارية في المسجد وقال : والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله علي ، فمكث سبعة أيام حتى خر مغشياً عليه ، ثم تاب الله عليه فقيل له : قد تيب عليك فحل نفسك فقال : لا والله لا أحلها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني ، فجاءه فحله بيده فقال إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأن أنخلع من مالي فقال عليه الصلاة والسلام " يجزيك الثلث أن تتصدق به " وأصل الخون النقص كما أن أصل الوفاء التمام ، واستعماله في ضد الأمانة لتضمنه إياه . { وَتَخُونُواْ أَمَـٰنَـٰتِكُمْ } فيما بينكم وهو مجزوم بالعطف على الأول أو منصوب على الجواب بالواو . { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أنكم تخونون ، أو أنتم علماء تميزون الحسن من القبيح . { وَٱعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوٰلُكُمْ وَأَوْلَـٰدُكُمْ فِتْنَةٌ } لأنهم سبب الوقوع في الإِثم أو العقاب ، أو محنة من الله تعالى ليبلوكم فيهم فلا يحملنكم حبهم على الخيانة كأبي لبابة . { وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } لمن آثر رضا الله عليهم وراعى حدوده فيهم ، فأنيطوا هممكم بما يؤديكم إليه . { يِـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إَن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا } هداية في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل أو نصراً يفرق بين المحق والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين ، أو مخرجاً من الشبهات ، أو نجاة عما تحذرون في الدارين ، أو ظهوراً يشهر أمركم ويبث صيتكم من قولهم بت أفعل كذا حتى سطع الفرقان أي الصبح . { وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ } ويسترها . { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } بالتجاوز والعفو عنكم . وقيل السيئات الصغائر والذنوب الكبائر . وقيل المراد ما تقدم وما تأخر لأنها في أهل بدر وقد غفرهما الله تعالى لهم . { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } تنبيه على أن ما وعده لهم على التقوى تفضل منه وإحسان ، وأنه ليس مما يوجب تقواهم عليه كالسيد إذا وعد عبده إنعاماً على عمل . { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } تذكار لما مكر قريش به حين كان بمكة ليشكر نعمة الله في خلاصه . من مكرهم واستيلائه عليهم ، والمعنى واذكر إذ يمكرون بك . { لِيُثْبِتُوكَ } بالوثاق أو الحبس ، أو الإِثخان بالجرح من قولهم ضربه حتى أثبته لا حراك به ولا براح ، وقرىء { لِيُثْبِتُوكَ } بالتشديد « وليبيتوك » من البيات « وليقيدوك » . { أَوْ يَقْتُلُوكَ } بسيوفهم . { أَوْ يُخْرِجُوكَ } من مكة ، وذلك أنهم لما سمعوا بإسلام الأنصار ومبايعتهم فرقوا واجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره ، فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ وقال : أنا من نجد سمعت اجتماعكم فأردت أن أحضركم ولن تعدموا مني رأياً ونصحاً فقال أبو البحتري : رأيي أن تحبسوه في بيت وتسدوا منافذه غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه منها حتى يموت ، فقال الشيخ بئس الرأي يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من أيديكم ، فقال هشام بن عمر ورأيي أن تحملوه على جمل فتخرجوه من أرضكم فلا يضركم ما صنع ، فقال بئس الرأي يفسد قوماً غيركم ويقاتلكم بهم ، فقال أبو جهل أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاماً وتعطوه سيفاً صارماً فيضربوه ضربة واحدة فيتفرق دمه في القبائل ، فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم ، فإذا طلبوا العقل عقلناه . فقال صدق هذا الفتى فتفرقوا على رأيه ، فأتى جبريل النبي عليهما السلام وأخبره الخبر وأمره بالهجرة ، فبيت علياً رضي الله تعالى عنه في مضجعه وخرج مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه إلى الغار . { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ } برد مكرهم عليهم ، أو بمجازاتهم عليه ، أو بمعاملة الماكرين معهم بأن أخرجهم إلى بدر وقلل المسلمين في أعينهم حتى حملوا عليهم فقتلوا . { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَـٰكِرِينَ } إذ لا يؤبه بمكرهم دون مكره ، وإسناد أمثال هذا ما يحسن للمزاوجة ولا يجوز إطلاقها ابتداء لما فيه من إيهام الذم .