Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 76-82)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلَمَّا ءاتَاهُمْ مّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ } منعوا حق الله منه . { وَتَوَلَّواْ } عن طاعة الله . { وَهُم مُّعْرِضُونَ } وهم قوم عادتهم الإِعراض عنها . { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِى قُلُوبِهِمْ } أي فجعل الله عاقبة فعلهم ذلك نفاقاً وسوء اعتقاد في قلوبهم ، ويجوز أن يكون الضمير للبخل والمعنى فأورثهم البخل نفاقاً متمكناً في قلوبهم . { إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ } يلقون الله بالموت أو يلقون عملهم أي جزاءه وهو يوم القيامة { بِمَا أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ } بسبب إخلافهم ما وعدوه من التصدق والصلاح . { وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } وبكونهم كاذبين فيه فإن خلف الوعد متضمن للكذب مستقبح من الوجهين أو المقال مطلقاً وقرىء { يَكْذِبُونَ } بالتشديد . { أَلَمْ يَعْلَمُواْ } أي المنافقون أو من عاهد الله وقرىء بالتاء على الالتفات . { أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ } ما أسروه في أنفسهم من النفاق أو العزم على الإخلاف . { وَنَجْوٰهُم } وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن ، أو تسمية الزكاة جزية . { وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ } فلا يخفى عليه ذلك . { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ } ذم مرفوع أو منصوب أو بدل من الضمير في سرهم . وقرىء { يُلْمِزُونَ } بالضم . { ٱلْمُطَّوّعِينَ } المتطوعين . { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَـٰتِ } روي : أنه صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة ، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وقال كان لي ثمانية آلاف درهم فأقرضت ربي أربعة وأمسكت لعيالي أربعة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت " فبارك الله له حتى صولحت إحدى امرأتيه عن نصف الثمن على ثمانين ألف درهم ، وتصدق عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر ، وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع تمر فقال بت ليلتي أجر بالجرير على صاعين فتركت صاعاً لعيالي وجئت بصاع ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره على الصدقات فلمزهم المنافقون وقالوا : ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء ولقد كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبي عقيل ولكنه أحب أن يذكر بنفسه ليعطى من الصدقات . فنزلت : { وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ } إلا طاقتهم . وقرىء بالفتح وهو مصدر جهد في الأمر إذا بالغ فيه . { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ } يستهزئون بهم . { سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ } جازاهم على سخريتهم كقوله تعالى : { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } [ البقرة : 15 ] { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } على كفرهم . { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } يريد به التساوي بين الأمرين في عدم الإفادة لهم كما نص عليه بقوله : { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } . روي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي وكان من المخلصين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض أبيه أن يستغفر له ، ففعل عليه الصلاة والسلام فنزلت ، فقال عليه الصلاة والسلام : لأزيدن على السبعين فنزلت : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } [ المنافقون : 6 ] وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام فهم من السبعين العدد المخصوص لأنه الأصل فجوز أن يكون ذلك حداً يخالفه حكم ما وراءه ، فبين له أن المراد به التكثير دون التحديد ، وقد شاع استعمال السبعة والسبعين والسبعمائة ونحوها في التكثير ، لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد فكأنّه العدد بأسره . { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } إشارة إلى أن اليأس من المغفرة وعدم قبول استغفارك ليس لبخل منا ولا قصور فيك بل لعدم قابليتهم بسبب الكفر الصارف عنها . { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } المتمردين في كفرهم ، وهو كالدليل على الحكم السابق فإن مغفرة الكافر بالإِقلاع عن الكفر والإِرشاد إلى الحق ، والمنهمك في كفره المطبوع عليه لا ينقلع ولا يهتدي ، والتنبيه على عذر الرسول في استغفاره وهو عدم يأسه من إيمانهم ما لم يعلم أنهم مطبوعون على الضلالة ، والممنوع هو الاستغفار بعد العلم لقوله تعالى : { مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِى قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَـٰبُ الجَحِيم } [ التوبة : 113 ] { فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَـٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ } بقعودهم عن الغزو خلفه يقال أقام خلاف الحي أي بعدهم ، ويجوز أن يكون بمعنى المخالفة فيكون انتصابه على العلة أو الحال . { وَكَرِهُواْ أَن يُجَـٰهِدُواْ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } إيثاراً للدعة والخفض على طاعة الله ، وفيه تعريض بالمؤمنين الذين آثروا عليها تحصيل رضاه ببذل الأموال والمهج . { وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِى ٱلْحَرّ } أي قال بعضهم لبعض أو قالوه للمؤمنين تثبيطاً . { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّا } وقد آثرتموها بهذه المخالفة . { لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } أن مآبهم إليها ، أو أنها كيف هي ما اختاروها بإيثار الدعة على الطاعة . { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } إخبار عما يؤول إليه حالهم في الدنيا والآخرة أخرجه على صيغة الأمر للدلالة على أنه حتم واجب ، ويجوز أن يكون الضحك والبكاء كنايتين عن السرور والغم والمراد من القلة العدم .