Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 77-81)

Tafsir: Aysar at-tafāsīr li-kalām al-ʿalī al-kabīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

شرح الكلمات : لا تغلوا في دينكم : الغلو : الإِفراط في الشيء ومجاوزة الحد فيه فمثلاً أمرنا بغسل اليدين في الوضوء إلى المرفقين فغسلهما إلى الكتفين غلو أمرنا بتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم فدعاؤه غلو في الدين . أهواء قوم قد ضلوا : جمع هوى ، وصاحب الهوى هو الذي يعتقد ويقول ويعمل بما يهواه لا بما قامت به الحجة وأقره الدليل من دين الله تعالى . وأضلوا كثيراً : أي أضلوا عدداً كثيراً من الناس بأهوائهم وأباطيلهم . عن سواء السبيل : سواء السبيل : وسط الطريق العدل لا ميل فيه إلى اليمين ولا إلى اليسار . لعن : دعى عليهم باللعنة التي هي الإِبعاد من الخير والرحمة وموجباتها . بما عصوا وكانوا يعتدون : أي بسبب عصيانهم لرسلهم ، واعتدائهم في دينهم . لا يتناهون : أي لا ينهي بعضهم بعضاً عن ترك المنكر . لبئس ما كانوا يعملون : قبح عملهم من عمل وهو تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . يتولون الذين كفروا : يوادونهم ويتعاونون معهم دون المؤمنين . ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي : أي لو كانوا صادقين في إيمانهم بالله والنبي محمد صلى الله عليه وسلم ما اتخذوا المشركين في مكة والمدينة من المنافقين أولياء . معنى الآيات : ما زال السياق في الحديث عن أهل الكتاب يهوداً ونصارى فقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { قُلْ } يا رسولنا : { يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } والمراد بهم هنا النصارى { لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ } ، أي لا تتشددوا في غير ما هو حق شرعه الله تعالى لكم ، فتبتدعون البدع وتتغالوا في التمسك بها والدفاع عنها ، التشدد محمود في الحق الذي أمر الله به اعتقاداً وقولاً وعملاً لا في المحدثات الباطلة ، ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وهم اليهود إذ قالوا في عيسى وأمه بأهوائهم فقالوا في عيسى ساحر ، وقالوا في أمه بغي وأضلوا كثيراً من الناس بأهوائهم المتولدة عن شهواتهم ، وضلوا أي وهم اليوم ضالون بعيدون عن جادة الحق والعدل في عقائدهم وأعمالهم وأقوالهم . هذا ما تضمنته الآية الأولى [ 77 ] أما الآيات بعد فقد أخبر تعالى في الآية الثانية أن بني إسرائيل لعن منهم الذين كفروا على لسان كل من داود في الزبور ، وعلى لسان عيسى بن مريم في الإِنجيل وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن فقال تعالى : { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ } . فقد مسخ منهم طائفة قردة ، { وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } حيث مسخ منهم نفر خنازير كما لعنوا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم في غير آية من القرآن الكريم ، وهذا اللعن الذي هو إبعاد من كل خير ورحمة ومن موجبات ذلك في الدنيا والآخرة سببه ما ذكر تعالى بقوله : { ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } . أي بسبب عصيانهم لله تعالى ورسله بترك الواجبات وفعل المحرمات ، واعتدائهم في الدين بالغلو والابتداع ، وبقتل الأنبياء والصالحين منهم : وأخبر تعالى في الآية الثالثة بذكر نوع عصيانهم واعتدائهم الذي لعنوا بسببه فقال : { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } أي كانوا عندما استوجبوا اللعن يفعلون المنكر العظيم ولا ينهى بعضهم بعضاً كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " " إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول : يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده " فلما فعلوا ذلك ضرب الله على قلوب بعضهم ببعض ثم قال صلى الله عليه وسلم : { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } - إلى قوله { فَاسِقُونَ } ثم قال " كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ثم لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه ( تعطفنه ) على الحق أطراً ولتقسرنه على الحق قسراً أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض بعضكم ثم يلعنكم كما لعنهم " " وفي آخر الآية قبح الله تعالى عملهم فقال : { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } ثم قال لرسوله صلى الله عليه وسلم { تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ } أي من اليهود في المدينة يتولون الذين كفروا يعني من المشركين والمنافقين في مكة والمدينة يصاحبونهم ويوادونهم وينصرونهم وهم يعلمون أنهم كفار تحرم موالاتهم في دينهم وكتابهم ، ثم قبح تعالى عملهم فقال : { لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ } نتيجة ما حملتهم عليه من الشر والكفر والفساد ، وهو سخط الله تعالى عليهم وخلودهم في العذاب من موتهم إلى مالا نهاية له فقال تعالى : { لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي ٱلْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ } لا يخرجون منه أبداً . ثم زاد تعالى تقرير كفرهم وباطلهم وشرهم وفسادهم فقال : { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله } كما يجب الإِيمان به وبالنبي محمد وبما جاء به من الهدى ودين الحق وما أنزل إليه من القرآن والآيات البينات ما اتخذوا الكفار المشركين والمنافقين أولياء ، ولكن علة ذلك أنهم فاسقون إلا قليلاً منهم ، والفاسق عن أمر الله الخارج عن طاعته لا يقف في الفساد عند حد أبداً ، هذا معنى قوله تعالى : { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } . هداية الآيات من هداية الآيات : 1 - حرمة الغلو والابتداع في الدين ، واتباع أهل الأهواء . 2 - العصيان والاعتداء ينتجان لصاحبهما الحرمان والخسران . 3 - حرمة السكوت عن المنكر ووخامة عاقبته على المجتمع . 4 - حرمة موالاة أهل الكفر والشر والفساد . 5 - موالاة أهل الكفر بالمودة والنصرة دون المؤمنين آية الكفر وعلامته في صاحبه .