Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 104, Ayat: 1-9)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ } يعني الطعان المغتاب الذي إذا غاب عنه الرجل اغتابه من خلفه { لُّمَزَةٍ } [ آية : 1 ] يعني الطاغى إذا رآه طغى عليه في وجهه ، نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومى ، ثم نعته ، فقال : { ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ } [ آية : 2 ] يقول : الذي استعد مالاً ليشترى به الخدم والحيوان ، يقول : { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } [ آية : 3 ] من الموت ، فلا يموت حتى يفنى ماله ، يقول الله عز وجل { كَلاَّ } لا يخلده ماله وولده ، ثم استأنف ، فقال : { لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ } [ آية : 4 ] يقول : ليتركن في الحطمة { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ } [ آية : 5 ] تعظيماً لشدتها ، تحطم العظام ، وتأكل اللحم حتى تهجم على القلب . ثم أخبر عنها ، فقال : { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ } [ آية : 6 ] على أهلها لا تخمد ، ثم نعتها ، فقال : { ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } [ آية : 7 ] يقول : تأكل اللحم والجلود حتى يخلص حرها إلى القلوب ، ثم تكسى لحماً جديداً ، ثم تقبل عليه وتأكله حتى يصير إلى منزلته الأولى { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } [ آية : 8 ] يعني مطبقة { فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } [ آية : 9 ] يقول : طبقت الأبواب ثم شدت بأوتاد من حديد من نار ، حتى يرجع عليهم غمها وحرها ، فلا يفتح عليم باب ، ولا يدخل عليهم روح ، ولا يخرج منها غم آخر الأبد . وأيضاً { لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } ، فأما الهمزة فالذي ينم الكلام إلى الناس وهو النمام ، وأما اللمزة ، فهو الذي يلقب الرجل بما يكره ، وهو الوليد بن المغيرة ، كان رجلاً نماماً ، وكان يلقب الناس من التجبر والعظمة ، وكان يستهزىء بالناس ، وذلك أنه أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } [ المدثر : 11 ، 12 ] ، وكان له حديقتان ، حديقة بمكة ، وحديقة بالطائف ، كان لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفاً ، فذلك قوله : { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً } [ المدثر : 12 ، 13 ] ، يعني أرباب البيوت ، وكان له سبعة بنين ، قال : { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } [ المدثر : 14 ] يقول : بسطت له في المال كل البسط ، { ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً } [ المدثر : 15 ، 16 ] ، قال والله ، قسم مالى يميناً وشمالاً على قريش ما دمت حياً ما فنى ، فكيف تعدنى الفقر ؟ قال : أما والله ، إن الذي أعطاك ، قادر على أن يأخذه منك ، فوقع في قلبه من ذلك شىء ، ثم عمد إلى ماله فعده ، ما كان ذهب أو فضة ، أو أرض ، أو حديقة ، أو رقيق ، فعده وأحصاه . فقال : يا محمد تعدنى الفقر والله لو كان هذا خبزاً ما فنى ، فأنزل الله عز وجل : { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلاَّ } لا يخلده ، ثم استأنف ، فقال : { لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ } تعظيماً لها ، فقال : { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } وذلك أن الشقي إذا دخل النار طاف به الملك في أبوابها في ألوان العذاب وفتح له باب الحطمة ، وهى باب من أبواب جهنم ، وهي نار تأكل النار من شدة حرها ، وما خمدت من يوم خلقها الله عز وجل إلى يوم يدخلها ، فإذا فتح ذلك الباب وقعت النار عليه فأحرقته ، فتحرق الجلد واللحم والعصب والعظم ولا تحرق القلب ولا العين ، وهو ما يعقل به ويبصر ، فذلك قوله : تعالى : { ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } ثم تلا : ويأتيه الموت من كل مكان ، وما هو بميت ، يقول : ليس في جسده موضع شعرة إلا والموت يأتيه من ذلك المكان ، ثم قال : { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } وذلك أنه إذا خرج الموحدون من الباب الأعلى ، وهي جهنم ، قال أهل تلك السبعة الأبواب ، وهي أسفل درك من النار ، لأهل الباب السادس : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } يقول : ما أدخلكم في سقر ، { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ } [ المدثر : 42 ، 44 ] إلى آخر الآيات ، ثم يقولون : تعالوا حتى نجزع ، فيجزعون حقباً من الدهر فلا ينفعهم شيئاً ، ثم يقولون : تعالوا حتى نصرخ فيصرخون حقباً من الدهر ، فلا يغني عنهم شيئاً ، فيقولون : تعالوا : حتى نصبر ، فلعل الله عز وجل إذا صبرنا وسكتنا أن يرحمنا ، فيصبرون حقباً من الدهر ، فلا يغني عنهم شيئاً ، فيقولون : { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } [ إبراهيم : 21 ] ، ثم ينادون : { أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } [ المؤمنون : 107 ] ، فينادي رب العزة من فوق العرش : { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] ، فتصم آذانهم ويختم على قلوبهم ، وتغلق عليهم أبوابها ، فيطبق كل واحد على صاحبه ، بمسامير من حديد من نار كأمثال الجبال ، فلا يلج فيها روح ، ولا يخرج منها حر النار ، ويأكلون من النار ، ولا يسمع فيها إلا الزفير والشهيق ، نسأل الله المعافاة منها بفضله وجوده ، ورحمته .