Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 111, Ayat: 1-5)

Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } واسمه عبدالعزى بن عبدالمطلب ، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم وإنما سمي أبو لهب لأن وجنتيه كانتا حمراوين ، كأنما يلتهب منهما النار ، وذلك أنه لما نزلت { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214 ] ، يعني بني هاشم ، وبني المطلب ، وهما ابنا عبد مناف بن قصى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا علي ، قد أمرت أن أنذر عشيرتي الأقربين ، فاصنع لي طعاماً ، حتى أدعوهم عليه وأنذرهم " ، فاشترى على ، رحمة الله عليه ، رجل شاة فطبخها وجاء بعس من لبن ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم ، وبني المطلب إلى طعامه ، وهم أربعون رجلاً غير رجل ، على رجل شاة ، وعس من لبن ، فأكلوا حتى شبعوا ، وشربوا حتى رووا . فقال أبو لهب : لهذا ما سحركم به ، الرجال العشرة منا يأكلون الجذعة ، ويشربون العس ، وإن محمداً قد أشبعكم أربعين رجلاً من رجل شاة ، ورواكم من عس من لبن ، فلما سمع ذلك منه رسول الله صلى الله عليه وسلم شق عليه ، ولم ينذرهم تلك الليلة ، وأمر النبي علياً أن يتخذ لهم ليلة أخرى مثل ذلك ، ففعل فأكلوا حتى شبعوا ، وشربوا حتى رووا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا بني هاشم ، ويا بني المطلب ، أنا لكم النذير من الله ، وأنا لكم البشير من الله إني قد جئتكم بما لم يجىء به أحد من العرب ، جئتكم في الدنيا بالشرف ، فأسلموا تسلموا ، وأطيعونى تهتدوا " ، فقال أبو لهب : تبا لك ، يا محمد ، سائر اليوم لهذا دعوتنا ؟ فأنزل الله عز وجل فيه : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [ آية : 1 ] يعني وخسر أبو لهب . ثم استأنف ، فقال : { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } في الآخرة { وَمَا كَسَبَ } [ آية : 2 ] يعني أولاده عتبة وعتيبة ومتعب لأن ولده من كسبه { سَيَصْلَىٰ } يعني سيغشى أبو لهب { نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } [ آية : 3 ] ليس لها دخان { وَٱمْرَأَتُهُ } وهى أم جميل بنت حرب ، وهى أخت أبي سفيان بن حرب { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } [ آية : 4 ] يعني كل شوك يعقر كانت تلقيه على طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليعقره . ثم أخبر بما يصنع لها في الآخرة ، فقال : { فِي جِيدِهَا } في عنقها يوم القيامة { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } [ آية : 5 ] يعني سلسلة من حديد ، فلما نزلت هذه الآية في أبي لهب قيل لها : إن محمداً قد هجا زوجك ، وهجاك ، وهجا ولدك ، فغضبت وقامت فأمرت وليدتها أن تحمل ما يكون في بطن الشاة من الفرث والدم والقذر ، فانطلقت لتستدل على النبي صلى الله عليه وسلم لتلقى ذلك عليه فتصغره ، وتذله به ، لما بلغها عنه ، فأخبرت أنه في بيت عند الصفا ، فلما انتهت إلى الباب سمع أبو بكر ، رحمه الله عليه ، كلامها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم داخل البيت ، فقال أبو بكر ، رحمة الله عليه : يا رسول الله ، إن أم جميل قد جاءت ، وما أظنها جاءت بخير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم خذ ببصرها " ، أو كما قال . ثم قال لأبى بكر ، رحمة الله عليه : " دعها تدخل ، فإنها لن ترانى " ، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، رحمة الله عليه ، جميعاً ، فدخلت أم جميل البيت ، فرأت أبا بكر ، رحمة الله عليه ، ولم تر النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانا جميعاً في مكان واحد ، فقالت يا أبا بكر أين صاحبك ؟ فقال : وما أردت منه يا أم جميل ؟ قالت : إنه بلغنى أنه هجاني ، وهجا زوجى ، وهجا أولادي ، وإني جئت بهذا الفرث لألقيه على وجهه ، ورأسه أذله بذلك ، فقال لها : والله ، ما هجاك ، ولا هجا زوجك ، ولا هجا ولدك . قالت : أحق ما تقول يا أبا بكر ، قال : نعم ، فقالت : أما إنك لصادق ، وأنت الصديق ، وما أرى الناس إلا وقد كذبوا عليه ، فانصرفت إلى منزلها ، ثم إنه بدا لعتبة بن أبي لهب أن يخرج إلى الشام في تجارة ، وتبعه ناس من قريش حتى بلغوا الصفاح ، فلما هموا أن يرجعوا عنه إلى مكة ، قال لهم عتبة : إذا رجعتم إلى مكة ، فاخبروا محمداً بأني كفرت بـ { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } [ النجم : 1 ] ، كانت أول سورة أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، قال : " اللهم سلط عليه كلبك يأكله " ، فألقى الله عز وجل في قلب عتبة الرعب لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان إذا سار ليلاً ما يكاد ينزل بليل . فهجر بالليل ، فسار يومه وليلته ، وهم أن لا ينزل حتى يصبح ، فلما كان قبيل الصبح ، قال له أصحابه : هلكت الركاب ، فما زالوا به حتى نزل ، وعرس وإبله ، وهو مذعور فأناخ الإبل حوله مثل السرادق ، وجعل الجواليق دون الإبل مثل السرادق ، ثم أنام الرجال حوله دون الجواليق ، فجاء الأسد ، ومعه ملك يقوده ، فألقى الله عز وجل على الإبل السكينة ، فسكنت . فجعل الأسد يتخلل الإبل ، فدخل على عتبة وهو في وسطهم فأكله مكانه ، وبقي عظامه وهم لا يشعرون ، فأنزل الله عز وجل في قوله حين قال لهم : قولوا لمحمد : إني كفرت بالنجم إذا هوى ، يعني القرآن إذ نزل ، أنزل فيه : { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ } يعني لعن الإنسان { مَآ أَكْفَرَهُ } [ عبس : 17 ] يعني عتبة يقول : أي شىء أكفره بالقرآن إلى آخر الآيات . حدثنا عبدالله بن ثابت ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : كانت قريش وأم جميل تقول : مذماً عصيناً ، وأمره أبينا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ومن لطف الله أن قريشاً تذم مذمماً ، وأنا محمد " صلى الله عليه وسلم " .