Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 32-44)

Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱضْرِبْ لهُمْ } ، يعني وصف لهم ، يعني لأهل مكة ، { مَّثَلاً } ، يعني شبهاً ، { رَّجُلَيْنِ } ، أحدهما مؤمن واسمه يمليخا ، والآخر كافر ، واسمه فرطس ، وهما أخوان من بني إسرائيل مات أبوهما ، فورث كل واحد منهما عن أبيه أربعة آلاف دينار ، فعمد المؤمن فأنفق ماله على الفقراء واليتامى والمساكين ، وعمد الكافر فاتخذ المنازل ، والحيوان ، والبساتين ، فذلك قوله سبحانه : { جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا } ، يعني الكافر ، { جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } [ آية : 32 ] . { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَ } ، يعني أعطت ثمراتها كلها ، { وَلَمْ تَظْلِمِ مِّنْهُ شَيْئاً } ، يعني ولم تنقص من الثمر شيئاً ، يعني جمله وافراً ، نظيرها في البقرة : { وَمَا ظَلَمُونَا } [ البقرة : 57 ] ، يعني وما نقصونا ، { وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } [ آية : 33 ] ، يعني أجرينا النهر وسط الجنتين . { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ } ، يقول : وكان للكافر مال من الذهب والفضة ، وغيرها من أصناف الأموال ، فلما افتقر المؤمن ، أتى أخاه الكافر متعرضاً لمعروفه ، فقال له المؤمن : إني أخوك ، وهو ضامر البطن ، رث الثياب ، والكفر ظاهر الدم ، غليظ الرقبة ، جيد المركب والكسوة ، فقال الكافر للمؤمن : إن كنت كما تزعم أنك أخي ، فأين مالك الذي ورثت من أبيك ؟ قال : أقرضته إلهي الملي الوفي ، فقدمته لنفسي ولولدي ، فقال : وإنك لتصدق أن الله يرد دين العباد ، هيهات هيهات ، ضيعت نفسك ، وأهلكت مالك ، فذلك قوله سبحانه : { فَقَالَ } الكافر { لَصَاحِبِهِ } ، وهو المؤمن ، { وَهُوَ يُحَاوِرُهُ } ، يعني يراجعه ، يقول : { أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } [ آية : 34 ] ، يعني وأكثر ولداً . { وَدَخَلَ } الكافر { جَنَّتَهُ } ، وهو بستانه ، { وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ } ، يعني ما أحسب ، { أَن تَبِيدَ } ، يعني أن تهلك ، { هَـٰذِهِ } الجنة { أَبَداً } [ آية : 35 ] . قال : { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً } ، يعني القيامة كائنة كما تقول ، { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي } في الآخرة ، { لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا } ، يعني أفضل منها ، من جنتي ، { مُنْقَلَباً } [ آية : 36 ] ، يعني مرجعاً . فرد عليه ، { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ } المؤمن ، { وَهُوَ يُحَاوِرُهُ } ، يعني يراجعه : { أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ } ، يعني آدم ، عليه السلام ؛ لأن أول خلقه التراب ، ثم قال : { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ } ، يعني خلقك فجعلك { رَجُلاً } [ آية : 37 ] . { لَّكِنّاْ } أقول : { هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } [ آية : 38 ] . ثم قال المؤمن للكافر ، { وَلَوْلاۤ } ، يعني هلا ، { إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ } ، يعني بستانك ، { قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } ، يعني فهلا قلت بمشيئة الله أعطيتها بغير حول منى ولا قوة ، ثم قال المؤمن للكافر يرد عليه : { إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً } [ آية : 39 ] . { فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً } ، يعني أفضل ، { مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا } ، يعني على جنتك ، { حُسْبَاناً } ، يعني عذاباً ، { مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصْبِحَ } جنتك ، { صَعِيداً } ، يعني مستوياً ليس فيه شيء ، { زَلَقاً } [ آية : 40 ] ، عيني أملساً . { أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً } ، يعني يغور في الأرض فيذهب ، { فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً } [ آية : 41 ] ، يقول : فلن تقدر على الماء ، ثم افترقا ، فأرسل الله عز وجل على جنته بالليل عذاباً من السماء ، فاحترقت ، وغار ماؤها بقوله : و { مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } ، { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً } . { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } الهلاك ، فلما أصبح ورأى جنته هالكة ، ضرب بكفه على الأخرى ، ندامة على ما أنفق فيها ، فذلك قوله سبحانه : { فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ } ، يعني يصفق بكفيه ندامة ، { عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } ، يقول : ساقطة من فوقها ، { وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } [ آية : 42 ] . يقول الله تعالى : { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ، يعني جنداً يمنعونه من عذاب الله الذي نزل بجنته ، { وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } [ آية : 43 ] ، يعني ممتنعاً . { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ } ، يعني السلطان ، ليس في ذلك اليوم سلطان غيره ، مثل قوله عز وجل : { وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [ الأنفطار : 19 ] ، ليس في ذلك اليوم أمر إلا لله عز وجل ، والأمر أيضاً في الدنيا ، لكن جعل في الدنيا ملوكاً يأمرون ، ومن قرأها بفتح الواو ، جعلها من الموالاة ، { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّه } ، يعني البعث الذي كفر به فرطس ، { لِلَّه ٱلْحَقِّ } وحده ، لا يملكه أحد ، ولا ينازعه أحد ، { هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً } ، يعني أفضل ثواباً ، { وَخَيْرٌ عُقْباً } [ آية : 44 ] ، يعني أفضل عاقبة لهذا المؤمن من عاقبة هذا الكافر الذي جعل مرجعه إلى النار .