Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 3-5)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم نعتهم ، فقال سبحانه : { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } ، يعنى يؤمنون بالقرآن أنه من الله تعالى جاء ، وهو أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ، فيحلون حلاله ويحرمون حرامه ، ويعملون بما فيه ، { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ } المكتوبة الخمس ، يعنى يقيمون ركوعها وسجودها فى مواقيتها ، { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ } من الأموال { يُنْفِقُونَ } [ آية : 3 ] ، يعنى الزكاة المفروضة نظيرها فى لقمان ، فهاتان الآيتان نزلتا فى مؤمنى أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم والمهاجرين . ثم ذكر مؤمنى أهل التوراة ، عبدالله بن سلام وأصحابه ، منهم : أسيد بن زيد ، وأسد بن كعب ، وسلام بن قيس ، وثعلبة بن عمر ، وابن يامين ، واسمه سلام ، فقال : { وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } ، يعنى يصدقون { بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } يا محمد من القرآن أنه من الله نزل ، { وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ } على الأنبياء ، يعنى التوراة والإِنجيل والزبور ، { وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } [ آية : 4 ] ، يعنى يصدقون بالبعث الذى فيه جزاء الأعمال بأنه كائن ، ثم جمعهم جميعاً ، فقال سبحانه : { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [ آية : 5 ] . فلما سمع أبو ياسر بن أخطب اليهودى بهؤلاء الآيات ، قال لأخيه جدى بن أخطب : لقد سمعت من محمد كلمات أنزلهن الله على موسى بن عمران ، فقال جدى لأخيه : لا تعجل حتى تتثبت فى أمره ، فعمد أبو ياسر وجدى ابنا أخطب ، وكعب بن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، ومالك بن الضيف ، وحيى بن أخطب ، وسعيد بن عمرو الشاعر ، وأبو لبابة بن عمرو ، ورؤساء اليهود ، فأتوا النبى صلى الله عليه وسلم ، فقال جدى للنبى صلى الله عليه وسلم : يا أبا القاسم ، أخبرنى أبو ياسر بكلمات تقولهن آنفاً ، فقرأهن النبى صلى الله عليه وسلم ، فقال جدى : صدقتم ، أما { الۤمۤ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } ، فنحن هم ، وأما { وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } فهو كتابك ، { وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ } ، فهو كتابنا ، { وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } ، فأنتم هم قد آمنتم بما أنزل إليكم وإلينا ، وآمنتم بالجنة والنار ، فآيتان فينا وآيتان فيكم . ثم قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم : ننشدك بالله أنها نزلت عليك من السماء ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " أشهد بالله أنها نزلت علىَّ من السماء " ، فذلك قوله سبحانه فى يونس : { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّيۤ } [ يونس : 53 ] ، يعنى ويستخبرونك أحق هو ؟ قل : { إِي وَرَبِّيۤ } ، ويعنى بلى وربى إنه لحق . فقال جدى : لئن كنت صادقاً ، فإنكم تملكون إحدى وسبعين سنة ، ولقد بعث الله عز وجل فى بنى إسرائيل ألف نبى كلهم يخبرون عن أمتك ولم يخبرونا كم تملكون حتى أخبرتنا أنت الآن ، ثم قال جدى لليهود : كيف ندخل فى دين رجل منتهى ملك أمته إحدى وسبعون سنة ، فقال عمر بن الخطاب ، رضوان الله عليه : وما يدريك أنها إحدى وسبعون سنة ؟ فقال جدى : أما ألف فى الحساب فواحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون سنة ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال جدى : هل غير هذا ؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " نعم ، { الۤمۤصۤ كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ } " [ الأعراف : 1 ، 2 ] . فقال جدى : هذه أكبر من الأولى ، ولئن كنت صادقاً ، فإنكم تملكون مائتى سنة واثنتين وثلاثين سنة ، ثم قال : هل غير هذا ؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " { الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } " [ هود : 1 ] ، فقال جدى : هذه أكبر من الأولى والثانية ، وقد حكم وفصل ، ولئن كنت صادقاً ، فإنكم تملكون أربعمائة سنة وثلاثاً وستين سنة ، فاتق الله ولا تقولن إلا حقاً ، فهل غير هذا ؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " { الۤمۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } " [ الرعد : 1 ] ، فقال جدى : لئن كنت صادقاً ، فإنكم تملكون سبعمائة سنة وأربعاً وثلاثين سنة ، ثم إن جدى قال : الأن لا نؤمن بما تقول ، ولقد خلطت علينا ، فما ندرى بأى قولك نأخذ ، وأيما أنزل عليك نتبع ، ولقد لبست علينا حتى شككنا فى قولك الأول ، ولولا ذلك لاتبعناك . قال أبو ياسر : أما أنا فأشهد أن ما أنزل على أنبيائنا حق ، وأنهم قد بينوا لنا ملك هذه الأمة ، فإن كان محمد صادقاً فيما يقول ، ليجمعن له هذه السنون كلها ، ثم نهضوا من عنده ، فقالوا : كفرنا بقليله وكثيره ، فقال جدى لعبد الله ابن سلام وأصحابه : أما تعرفون الباطل فيما خلط عليكم ؟ فقالوا : بلى نعرف الحق فيما يقول ، فأنزل الله عز وجل فى كفار اليهود بالقرآن { الۤمۤ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ } الذى لا يموت ، { ٱلْقَيُّومُ } يعنى القائم على كل شىء ، { نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } يا محمد { بِٱلْحَقِّ } لم ينزل باطلاً ، { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } يقول سبحانه : قرآن محمد يصدق الكتب التى كانت قبله ، { وَأَنْزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ } يعنى لبنى إسرائيل من الضلالة ، ثم قال عز وجل : { وَأَنْزَلَ ٱلْفُرْقَانَ } [ آل عمران : 1 - 4 ] ، يعنى قرآن محمد بعد التوراة والإنجيل ، يعنى بالفرقان المخرج من الشبهات والضلالة ، نظيرها فى الأنبياء ، { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ } [ الأنبياء : 48 ] ، يعنى المخرج . وفى البقرة : { وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ } [ البقرة : 185 ] . { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } اليهود كفروا بالقرآن ، يعنى هؤلاء النفر المسلمين وأصحابهم ، { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } فى ملكه وسلطانه ، { ذُو ٱنْتِقَامٍ } [ آل عمران : 4 ] من أهل معصيته . وأنزلت أيضاً فى اليهود فى هؤلاء النفر وما يحسبون من المتشابه ، { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } [ آل عمران : 7 ] . فأما المحكمات ، فالآيات الثلاث اللاتى فى الأنعام : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } إلى قوله سبحانه : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ الأنعام : 151 - 153 ] ، فهن محكمات ولم ينسخهن شئ من الكتاب ، وإنما سمين أم الكتاب ؛ لأن تحريم هؤلاء الآيات فى كل كتاب أنزله الله عز وجل . { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } يعنى : { الۤمۤ } { الۤمۤصۤ } ، { الۤرَ } ، { الۤمۤر } ، شبهوا على هؤلاء النفر من اليهود كم تملك هذه الأمة من السنين ، { فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } ، يعنى ميل عن الهدى ، وهم هؤلاء اليهود ، { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ } يعنى الكفر ، { وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } يعنى منتهى كم يملكون . يقول الله عز وجل : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } يعنى كم تملك هذه الأمة من السنين ، { وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } يعنى عبدالله بن سلام وأصحابه ، { يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ } يعنى بالقرآن كله ، { كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [ آل عمران : 7 ] يعنى من كان له لب أو عقل . ثم قال ابن صلام وأصحابه : { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } كما أزغت قلوب اليهود { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } إلى الإسلام ، { وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } [ آل عمران : 8 ] . فآيتان من أول هذه السورة نزلتا فى أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار ، والآيتان اللتان تليانهما نزلتا فى مشركى العرب ، وثلاث عشرة آية فى المنافقين من أهل التوراة .