Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 16-17)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم ضرب مثلاً حين غروا اليهود فتبرؤا منهم عند الشدة وأسلموهم ، فقال : { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ } وذلك أنه كان راهباً في بني إسرائيل اسمه برصيصا ، وكان في صومعته أربعين عاماً ، يعبد الله ، ولا يكلم أحداً ، ولا يشرف على أحد ، وكان لا يكل من ذكر الله عز وجل ، وكان الشيطان لا يقدر عليه مع ذكره الله تعالى . فقال الشيطان لإبليس : قد غلبنى برصيصا ، ولست أقدر عليه ، فقال إبليس : اذهب ، فانصب لهم ما نصبت لأبيه من قبل ، وكانت جارية ثلاثة من بني إسرائيل عظمية الشرف جميلة في أهل بيت صدق ، ولها إخوة فجاء الشيطان إليها ، فدخل في جوفها فخنقها حتى ازبدت ، فالتمس إخواتها لها الإطباء ، وضربوا لها ظهراً وبطناً ويميناً وشمالاً ، فأتاهم الشيطان في منامهم ، فقال : عليكم ببرصيصا الراهب ، فليدع لها ، فإنه مستجاب الدعاء ، فلما أصبحوا ، قال بعضهم لبعض : انطلقوا بأختنا إلى برصيصا الراهب ، فليدع لها ، فإنا نرجوا البركة في دعائه ، فانطلقوا بها إليه ، فقالوا : يا برصيصا أشرف علينا ، وكلمنا فإنا بنو فلان ، وإنما جئنا لباب حسنة ، وأجر ، فأشرف فكلمهم وكلموه ، فلما رد عليها وجد الشيطان خللا فدخل في جوفه ، ووسوس إليه ، فقال : يا برصيصا هذا باب حسنة وأجر ، تدعو الله لها فيشفيها ، فأمرهم أن يدخلوها الخربة وينطلقوا هم ، فأدخلوها الحربة ومضوا ، وكان برصيصا لا يتهم في بني إسرائيل ، فقال له الشيطان : يا برصيصا انزل فضع يدك على بطنها ، وناصيتها ، وادع لها ، فمازال به حتى أنزله من صومعته ، فلما نزل خرج منه ، فدخل في جوف الجارية فاضطربت ، وانكشفت ، فلما رأى ذلك ، ولم يكن له عهد بالنساء وقع بها . قال الشيطان : يا برصيصا يا أعبد بني إسرائيل ما صنعت ؟ الزنا بعد العبادة يا برصيصا ؟ إن هذه تخبر أخواتها بما أتيت لها فتفتضح في بني إسرائيل فاعمد إليها ، فاقتلها وادفنها في التراب ، ثم اصعد إلى صومعتك ، وتب إلى الله ، وتعبد فإذا جاء أخوتها ، فسألوا عنها ، فأخبرهم أنك دعوت لها ، وأن الجنى طار عنها ، وأنهم طاروا بها ، فمن هذا الذي يتهمك في بني إسرائيل ، فقتلها ودفنها في الحربة ، فلما جاء إخواتها ، قالوا : أين أختنا ؟ فقال : أختكم طارت بها الجن ، فرجعوا وهم لا يتهمونه ، فأتاهم الشيطان في المنام ، فقال : إن برصيصا قد فضح أختكم ، فلما أصبحوا جعل كل واحد منهم يكلم صاحبه بما رأى ، فتكلم بما رأى . فقال الآخر : لقد رأيت مثل ما رأيت ، فقال الثالث : مثل ذلك ، فلم يرفعوا بذلك رأسا حتى رأوا ثلاث ليل ، فانطلقوا إلى برصيصا ، فقالوا : أين أختنا ؟ فقال : لا أدرى طارت بها الجن ، فدخلوا الخربة ، فإذا هم بالتراب ناتىء في الخربة فضربوه بأرجلهم فإذا هم بأختهم فأتوه ، فقالوا : يا عدو الله ، قتلت أختنا ، فانطلوا إلى ذلك فأخبروه ، فبعث إليه فاستنزله من صومعته ، ونحتوا له خشبة ، فأوثقوه عليها فأتاه الشيطان ، فقال : أتعرفنى يا برصيصا ، قال : لا ، قال : أنا الذي أنزلتك هذه المنزلة ، فإن فعلت ما آمرك به استنقذتك مما أنت فيه ، وأطلعتك إلى صومعتك ؟ فقال : وبماذا ؟ قال : أتمثل لك في صورتي ، فتسجد لي سجدة واحدة وأنجيك مما هنا ؟ قال : نعم ، فتمثل له الشيطان في صورته فسجد له سجدة وكفر بالله فانطلق الشيطان ، وتركه ، وقتل برصيصا ، فذلك قوله : كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر { فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [ آية : 16 ] { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ } يعني الشيطان والإنسان { أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا } الشيطان والراهب { وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } [ آية : 17 ] يقول : هكذا ثواب المنافقين واليهود والنار .