Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 84, Ayat: 6-15)

Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَانُ } يعني بالإنسان الأسود بن عبد الأسد { إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً } إنك ساع إلى ربك سعياً { فَمُلاَقِيهِ } [ آية : 6 ] بعملك ، ثم قال : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } [ آية : 7 ] وهو عبدالله بن عبد الأسد ، ويكنى أبا سلمة { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } [ آية : 8 ] يقول : باليسير ، بأن الله لا يغير حسناته ولا يفضحه . وذلك أن الله عز وجل إذا جمع الخلائق يوم القيامة ، فإنهم يموج بعضهم في بعض ، مقدار ثلاث مائة سنة ، حتى إذا استوى الرب جل وعز على كرسيه ليحاسب خلقه ، فإذا جاء الرب تبارك وتعالى والملائكة صفاً صفاً ، فينظرون إلى الجنة ، وإلى النار ، ويجاء بالنار ، من مسيرة خمس مائة عام ، عليها تسعون ألف زمام ، في كل زمام سعبون ألف ملك ، متعلق يحبسونها عن الخلائق ، طول عنق أحدهم مسيرة سنة ، وعلظها مسيرة سنة ، مابين منكبي أحدهم مسيرة خمسين سنة ، وجوههم مثل الجمر ، وأعينهم مثل البرق ، إذا تكلم أحدهم ، تناثرت من فيه النار ، بيد كل واحد منهم ، مرزبة ، عليها ثلاث مائة وستون رأساً ، كأمثال الجبال ، هى أخف بيده من الريشة ، فيجئون بها فيسوقونها ، حتى تقام عن يسار العرش . ويجاء بالجنة يزفونها كما تزف العروس إلى زوجها ، حتى تقام عن يمين العرش ، فإذا ما عاين الخلائق النار ، وما أعد الله لأهلها ، ونظروا إلى ربهم وسكتوا ، فانقطعت عند ذلك أصواتهم ، فلا يتكلم أحد منهم من فرق الله وعظمته ، ولما يرون من العجائب من الملائكة ، من حلمة العرش ، ومن أهل السماوات ، ومن جهنم ، ومن خزنتها ، فانقطعت أصواتهم عند ذلك . وترتعد مفاصلهم ، فإذا علم الله ما أصاب أولياءه من الخوف ، وبلغت القلوب الحناجر ، فيقوم مناد عن يمين العرش ، فينادى : { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } [ الزخرف : 68 ] ، فيرفع عند ذلك الإنس والجن كلهم رءوسهم والمؤمنون والكفار ، لأنهم عباده كلهم ، ثما ينادي في الثانية : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } [ الزخرف : 69 ] ، فيرفع المؤمنون رءوسهم ، وينكس أهل الأديان كلهم رءوسهم ، والناس سكوت مقدار أربعين عاماً ، فذلك قوله : { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [ المرسلات : 35 ، 36 ] . وقوله : { لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } [ النبأ : 38 ] ، وقال : لا إله إلا الله ، فذلك الصواب ، وقوله : { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } [ طه : 108 ] ، فلا يجبهم الله ، ولا يكلمهم ، ولا يتكلمون هم مقدار أربعين سنة ، يقول بعد ذلك لملك من الملائكة ، وهو جبريل ، عليه السلام : ناد الرسل وابدأ بالأمي ، قال : فيقوم الملك ، فينادى عند ذلك أين النبي الأمي ؟ فتقول الأنبياء عند ذلك : كلنا نبيون وأميون بين ، فيقول النبي العرب الأمي الحرمي ، فيقوم عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرفع صوته بالدعاء ، فيقول : كم من ذنب قد عملتموه ونسيتموه ، وقد أحصاه الله ، رب لا تفضح أمتي ، قال : فلا يزال يدنو من الله تعالى ، حتى يقوم بين يديه ، أقرب خلقه إليه ، فيحمد الله ويثني عليه ، ويذكر من الثناء على الله تعالى والحمد ، حتى تعجب الملائكة منه والخلائق . فيقول الله عز وجل : قد رضيت عنك يا محمد ، اذهب فناد أمتك ، فينادى ، وأول ما يدعو يدعو من أمته عبدالله بن عبد الأسد أبا سلمة ، فلا يزال يدنو فيقربه الله عز وجل منه فيحاسبه حساباً يسيراً ، واليسير الذي لا يأخذه بالذنب الذي عمله ، ولا يغضب الله عز وجل عليه ، فيجعل سيئاته داخل صحيفته وحسناته ظاهر صحيفته ، فيوضع على رأسه التاج من ذهب عليه تسعون ألف ذؤابة ، كل ذؤابة درة تساوى مال المشرق والمغرب ويلبس سبعين حلة من الاستبرق والسندس ، فالذي يلي جسده حريرة بيضاء . فذلك قوله : { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } [ الحج : 23 ] ، ويسور بثلاث أسورة ، سوار من فضة ، وسوار من ذهب ، وسوار من لؤلؤ ، ويوضع إكليل مكلل بالدر والياقوت ، وقد تلألأ في وجهه ، من نور ذلك ، فيرجع إلى إخوانه من المؤمنين ، فينظرون إليه وهو جاء من عند الله ، فتقول الملائكة والناس والجن ، والله لقد أكرم الله هذا ، لقد أعطى الله لهذا ، فينظرون إلى كتابه فإذا سيئاته باطن صحيفته ، وإذا حسناته ظاهر كتابه ، فتقول عند ذلك الملائكة ما كان أذنب هذا الآدمي ذنباً قط ، والله ، لقد اتقى هذا العبد ، فحق أن يكرم مثل هذا العبد ، وهم لا يشعرون أن سيئاته باطن كتابه ، وذلك لمن أراد الله تعالى أن يكرمه ولا يفضحه ، قال : فيأتى إخوانه من المسلمين ، فلا يعرفونه ، فيقول : أتعرفونى ؟ فيقولون كلهم : لا ، والله ، فيقول : إنما برحت الساعة ، وقد نسيتوني ، فيقول : أنا أبو سلمة ، أبشروا بمثله يا معشر الإخوان ، لقد حاسبني ربي حساباً يسيراً ، وأكرمني ، فذلك قوله : { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } . { وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ } يقول : إلى قومه { مَسْرُوراً } [ آية : 9 ] فيعطى كتابه بيمينه : { فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } [ الحاقة : 19 ، 20 ] إلى آخر القصة ، ثم ينادى مناد بالأسود بن عبد الأسد ، أخى عبدالله المؤمن فيريد الشقى أن يدنو ، فيتنهرونه ، و يشق صدره حتى يخرج قلبه من وراء ظهره من بين كتفيه ، ويعطى كتابه ، ويجعل كل حسنة عملها في دهره في باطن صحيفته ، لأنه لم يؤمن بالإيمان ، وتجعل سيئاته ظاهر صحيفته ، ويحجب عن الله عز وجل فلا يراه ، ولكن ينادى مناد من عند العرش يذكره مساوئه . فكلما ذكر مساوئه ، قال : أنا أعرف هذا ، لعنه الله ، فتجىء اللعنة من عند الله عز وجل ، حتتى تقع عليه ، فيلطخ باللعنة ، فيصير جسده مسيرة شهر في طول مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن ، ورأسه مثل الأقرع ، وهو جبل عظيم بالشام وأنيابه مثل أحد ، وحدقتاه مثل جبل حراء ، الذي بمكة ، ومنخره مثل الووقين وهما جبلان ، وشعره في الكثرة مثل الأجمة ، وفى الطول مثل القصب ، وفى الغلظ مثل الرماح ، ويوضع على رأسه تاج من نار ، ويلبس جبة من نحاس ذائب ، ويقلد حجراً من كبريت ، مثل الجبل تشتعل فيه النار ، وتغل يداه إلى عنقه ، ويسود وجهه ، وهو أشد سواداً من القبر ، في ليلة مظلمة ، وتزرق عيناه ، فيرجع إلى إخوانه ، فأول ما يرونه يفزع منه الخلائق حتى يمسكوا على آنافهم من شدة نتنه ، فيقولون : لقد أهان الله هذا العبد ، لقد أخزى الله هذا العبد ، فينظرون إلى كتابه ، فإذا سيئاته ظاهرة ، وليس له من الحسنات شىء ، يقولون : أما كان لهذا العبد في الله عز وجل حاجة ، ولا خافه يوماً قط ، ولا ساعة ، فحق لهذا العبد ، إذ أخزاه الله وعذبهن فتلعنه الملائكة أجمعون ، فإذا رجع إلى الموقف لم يعرفه أصحابه ، فيقول : أما تعرفوني ؟ قالوا : لا والله ، فيقول : أنا الأسود بن عبد الأسد ، فينادي بأعلى صوته ، فيقول : { يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ } [ الحاقة : 25 - 28 ] . يقول : يا ليت كان الموت أن أموت فاستريح من هذا البلاء هلك عن حجتي اليوم ، ثم يقول : الويل ، فيبشر أخوه المؤمنين ، ويبشر هذا الكفار ، فذلك قوله : { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً وَيَصْلَىٰ سَعِيراً } [ آية : 12 ] يقول : يدعو بالويل ، ويدخل النار ، يقول : { إِنَّهُ كَانَ فِيۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } [ آية : 13 ] يقول في قومه كريماً ، قال فيذله الله عز وجل يوم القيامة ، قال : { إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ } [ آية : 14 ] يقول : أن لن يبعث الله تعالى { بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ } يقول : الذي خلقه { بِهِ بَصِيراً } [ آية : 15 ] إنه شهيد لعمله .