Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 88, Ayat: 1-26)

Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } [ آية : 1 ] يعني قد أتاك حديث أهل النار من قوله : { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } [ المؤمنون : 104 ] ، وكل شىء في القرآن { هَلْ أَتَاكَ } ، يقول : قد أتاك ، ثم أخبر عن حالهم ، فقال : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } [ آية : 2 ] يعني ذليلة { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } [ آية : 3 ] يعني عاملة في النار ، النار تأكله ، ويأكل من النار ، يعني ناصبة للعذاب صاغرة { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } [ آية : 5 ] يعني من عين قد انتهى حرها ، وذلك أن جهنم تسعر عليهم منذ يوم خلقت إلى يوم يدخلونها ، وهي عين تخرج من أصل جبل طولها مسيرة سبعين عاماً ، ماؤها أسود كدردي الزيت ، كدر غليظ كثير الدعاميص ، تسقيه الملائكة بإناء من حديد من نار فيشربه ، فإذا قرب الإناء من فيه أحرق شدقيه ، وتناثرت أنيابه وأضراسه ، فإذا بلغ صدره نضج قلبه ، فإذا بلغ بطنه غلى كما يغلي الحميم من شدة الحر ، حتى يذوب كما يذوب الرصاص إذا أصابه النار ، فيدعوا الشقي بالويل ، فذلك قوله : { تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } . ثم أخبر عن طعام الشقي ، فقال : { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } [ آية : 6 ] وهي شجرة تكون بمكة كثيرة الشوك لا تقربها دابة في الأرض من شوكها ، ولا يستطيع أحد أن يمسكها من كثرة شوكها ، وتسميها قريش ، وهي رطبة في الربيع الشبرق ، وتصيب الإبل من ورقها في الربيع ما دامت رطبة ، فإذا يبست لم تقربها الإبل ، وما من دابة في الأرض من الهوام والسباع ، وما يؤذى بنى آدم إلا مثلها في النار سلطها الله عز وجل على أهلها ، لكنها من نار ، وما خلق الله شيئاً في النار إلا من النار ، ثم قال : { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } [ آية : 7 ] فإنهم لا يطعمون من أجل الجوع ، وإنما من أجل العذاب . ثم ذكر أولياءه من أهل طاعته ، فقال : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } [ آية : 8 ] يعني فرحة شبه الله عز وجل وجوههم بوجوه قوم فرحين ، إذا أصابوا الشراب طابت أنفسهم ، فاجتمع الدم في وجوههم ، فاجتمع فرح القلوب وفرح الشراب ، فهو ضاحك الوجه مبتسم طيب النفس ، ثم قال : { لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } [ آية : 9 ] يعني قد رضي الله عمله ، فأثابه الله عز وجل ذلك بعمله . قال : { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } [ آية : 10 ] وإنما سماها عالية لأن جهنم أسفل منها ، وهي دركات ، والجنة درجات ، ثم قال : { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } [ آية : 11 ] يقول : لا يسمع بعضهم من بعض غيبة ، ولا كذب ، ولا شتم ، قوله : { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } [ آية : 12 ] يعني في الجنة لأنها فيها تجرى الأنهار { سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ } [ آية : 13 ] منسوجة بقضبان الدر والذهب عليها سبعون فراشاً ، كل فراش قدر غرفة من غرف الدنيا ، فذلك قوله : { فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ } . { وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ } [ آية : 14 ] يعني مصفوفة وهي أكواب من فضة ، وهي من الصفاء مثل القوارير مدورة الرءوس ليس لها عرى ولا خراطيم ، { وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ } [ آية : 15 ] يعني الوسائد الكبار العظام مصفوفة على الطنافس ، وهي بلغة قريش خاصة ، ثم قال : { وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } [ آية : 16 ] يعني طنافس مبسوطة بعضها على بعض ، يذكرهم الله عز وجل صنعه ليعتبر عباده فيحرصوا عليها ، ويرغبوا فيها ، ويحذروا النار ، فإن عقوبته على قدر سلطانه وكرامته قدر سلطانه . ثم ذكر عجائبه ، فقال : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ } لأن العرب لم يكونوا رأوا الفيل ، وإنما ذكر لهم ما أبصروا ، ولو أنه قال : أفلا ينظرون إلى الفيلة { كَيْفَ خُلِقَتْ } [ آية : 17 ] لم يتعجبوا لها لأنهم لم يروها { وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ } [ آية : 18 ] من فوقهم خمس مائة عام { وَإِلَىٰ ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } [ آية : 19 ] على الأرض أوتاداً لئلا تزول بأهلها ، ثم قال : { وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } [ آية : 20 ] يعني كيف بسطت من تحت الكعبة مسيرة خمس مائة عام . ثم قال : { فَذَكِّرْ } أهل مكة يا محمد { إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ } [ آية : 21 ] كالذين من قبلك { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ } [ آية : 22 ] يقول : لست عليهم بملك ، ثم نسختها آية السيف في براءة ، ثم قال : { إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ } يعني أعرض { وَكَفَرَ } [ آية : 23 ] بالإيمان { فَيْعَذِّبُهُ ٱللَّهُ } في الآخرة { ٱلْعَذَابَ ٱلأَكْبَرَ } [ آية : 24 ] وإنما سماه الله الأكبر لأن الله كان أوعدهم القتل والجوع في الدنيا ، فقال : الأكبر ، لأنه أكبر من الجوع والقتل ، وهو عذاب جهنم ، ثم قال : { إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ } [ آية : 25 ] يعني مصيرهم { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } [ آية : 26 ] يعني جزاءهم على الله هين .