Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 90, Ayat: 1-20)

Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } [ آية : 1 ] يعني مكة { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } [ آية : 2 ] يعني لم أحلها لأحد من قبلك ولا من بعدك ، وإنما أحللتها لك ساعة من النهار ، وذلك أن الله عز وجل لم يفتح مكة على أحد غيره ، ولم يحل بها القتل لأحد ، غير ما قتل النبى صلى الله عليه وسلم مقيس بن ضبابة الكنانى وغيره ، حين فتح مكة ، قال الله تبارك وتعالى : { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } [ آية : 3 ] يعني آدم وذريته عليه السلام إلى أن تقوم الساعة ، فأقسم الله عز وجل بمكة ، وبآدم وذريته { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } [ آية : 4 ] منتصباً قائماً ، وذلك " أن الله تبارك وتعالى خلق كل شىء على أربع قوائم غير ابن آدم يمشى على رجلين ، نزلت هذه الآية في الحارث بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف القرشى ، وذلك أنه أصاب ذنباً ، وهو بالمدينة ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما كفارته ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اذهب فاعتق رقبة ، أو أطعم ستين مسكيناً " ، قال : ليس غير هذا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو الذي أخبرتك " ، فرجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مهموم مغموم حتى أتى أصحابه ، فقال : والله ، ما أعلم إلا أني لئن دخلت في دين محمد إن مالي لفي نقصان من الكفارات والنفقة في سبيل الله ، ما يظن محمد إلا أنا وجدنا هذا المال في الطريق لقد أنفقت مالاً لبداً ، يعني مالاً كثيراً ، فأنزل الله عز وجل { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } . { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } [ آية : 5 ] يعني بالأحد الله عز وجل ، يعني نفسه ، أيحسب هذا الإنسان أن لن يقدر الله عز وجل على أن يذهب بماله ، وإن أحرزه { يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً } [ آية : 6 ] ثم قال الله تعالى وهو بعده الخير : { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } [ آية : 7 ] أو يحسب هذا الإنسان أن الله تعالى ليس يرى ما ينفق وليس يحصيه ؟ وهو يخلفه عليه ، ثم ذكر النعم ، فقال : { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } [ آية : 10 ] يقول : بينا له سبيل الخير والشر ، ثم حرضه على الكفارة ، فقال : { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } [ آية : 11 ] وهو مثل ضربه الله عز وجل له يقول : إن الذنوب بين يديك مثل الجبل ، فإذا أعتقت رقبة اقتحم ذلك الذنوب حتى تذوب وتذهب ، كمثل رجل بين يديه عقبة فيقتحم فيستوى بين يديه ، وذلك من أصاب ذنباً واستغفر ربه ، وكفره بصدقة تتقحم ذنوبه حتى تحطمها تحطيماً مثل الجبل إذا خر ، فيستوى مع الأرض ، فذلك قوله : { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } . قال : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } [ آية : 12 ] تعظيماً لها ، قال : { فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } [ آية : 14 ] يعني مجاعة { يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } [ آية : 15 ] يعني ذا قرابة { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } [ آية : 16 ] يعني فقيراً قد التصق ظهره بالتراب من العرى ، وشدة الحاجة ، فيستحي أن يخرج ، فيسأل الناس ، وذلك كله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة ، أو أطعم ستين مسكيناً ، يقول الله عز وجل أعجز أن يفعل من هذين الأمرين واحداً ، وكان يظن أن الله تعالى لم يكن يراه إذا أنفق فيخلف عليه تلك النفقة ، فذلك قوله : { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } [ البلد : 7 ] ، يعني الله عز وجل . { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله تعالى وملائكته ، وكتبه ورسله وجنته وناره { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } يعني على فرائض الله تعالى ما افترض عليهم في القرآن ، فإنهم إن لم يؤمنوا بالله ، ولم يعملوا الصالحات ، ولم يصبروا على الفرائض ، لم أقبل منهم كفاراتهم وصدقاتهم ، ثم ذكر الرحم ، فقال : { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ } [ آية : 17 ] يعني بالمرحمة ، يعني بالرحم ، فلا يقطعونها ، ثم قال : { أُوْلَـٰئِكَ } يعني الذين آمنوا وعلموا الصالحات ، وتواصوا بالصبر ، وتواصوا بالمرحمة هم { أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } [ آية : 18 ] الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم يوم القيامة ، قال : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا } يعني القرآن { هُمْ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } [ آية : 19 ] يعني الذين يعطون كتبهم بشمائلهم بلغة بني غطيف حي من مراد ، وكل ذلك يخوف الحارث بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف { عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةُ } [ آية : 20 ] يعني مطبقة وهي جهنم .