Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 87-99)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سبعا من المثاني : سورة الفاتحة . وبعضهم يقول : انها سبع السور الطوال : البقرة ، آل عمران ، النساء ، المائدة ، الانعام ، الاعراف ، ويونس . لا تمدن عينيك : لا تنظر او لا تَتَمنَّ . واخفض جناحك للمؤمنين : تواضع لهم . المقتسمين : اليهود والنصارى . عضين : اجزاء ، مفردها عضة . فاصدع بما تؤمر : اجهر بِهِ . اليقين : الموت . في ختام هذه السورة العظيمة يمن الله على الرسول الكريم أنه اعطاه القرآنَ العظيم ومنه السبعُ المثاني ، ويوصيه ان لا ينظر الى ما عند غيره ، ويتواضع للمؤمنين ، ثم يخلُص الى البيان السابق وهو أمرُ النبي عليه الصلاة والسلام ان يجهرَ بالدعوة ولا يحزنَ عليهم ولا يضيقَ صدرُه بما يقولون ، فان الله تعالى كفاه أمْرَهم ، وسوف يعلمون ، وأمَرَه ان يعبد ربه حتى ينتهي أجلُه من هذه الحياة . { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ } . ولقد اكرمناك ايها النبي بسبع آياتٍ من القرآن هي سورةُ الفاتحة التي تكررها في كل صلاة . وهذه السورة لها مكانتها الخاصة ، لانها تشتمل على مجمل ما في القرآن . فمقاصد القرآن هي : بيانُ التوحيد ، وبيان الوعد والبشرى للمؤمنين ، وبيانُ الوعيد والانذار للكافرين والمسيئين ، وبيانُ السعادة في الدنيا والآخرة ، وقصصُ الذين أطاعوا الله ففازوا ، والذين عصَوا فخابوا . والفاتحة تشتمل بطريق الايجاز والاشارة على هذه المقاصد ولذلك سميت " ام الكتاب " والسبع المثاني . وبعد ان عرف الله رسوله عظيم نِعمه عليه ، نهاه عن الرغبة في الدنيا فقال : { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } . لا تتمنَّينَّ ايها الرسول ما جعلنا من زينة الدنيا متاعاً للاغنياء من اليهود والنصارى والمشرِكين ، فإن هذا كله زائلٌ وزهيد بالنسبة لما أُوتيتَه من كمال الاتصال بنا ومن القرآن العظيم . والخطاب تعليمٌ للمؤمنين ، فقد رُوي أنه أتتْ من بُصرى الشام سبع قوافلَ لقريظة والنضير من اليهود في يوم واحد ، فيها أنواعُ البضائع من الطيِّب والجواهر والألبسة ، فقال المسلمون : لو كانت لنا لتقوَّيْنا بها ، ولأنفقناها في سبيل الله . فالله تعالى يعلّمهم ان هذا كلَّه لا قيمةَ له بالنسبة لما أُوتيتم ، " ولا تحزَن عليهم " بسبب استمرارهم على الغيّ والكفر ، وتواضعْ يا محمد لمن اتبعك من المؤمنين . ثم بيّن وظيفة الرسول عليه الصلاة والسلام فقال : { وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } . وقل ايها الرسول للناس اجمعين أنا النذيرُ لكم من عذابٍ أليم ، فارجعوا الى الله وآمِنوا بما انزلَ اليَّ تربحوا وتفوزوا بالجنة . ثم بعد ان ذَكر الله أنه اكرم الرسولَ بالقرآن العظيم والسبعِ المثاني - يبيّن هنا أن الذين سبقوه من اليهود والنصارى قسّموا القرآن الى أجزاء ، قبِلوا بعضَه وكفروا ببعض منه . فقال : { كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ } . وكم آتيناكَ سبعاً من المثاني والقرآن العظيم ، أنزلْنا من قبلِك على اليهود والنصارى التوراةَ والإنجيلَ ، وهم الّذين اقتسموا القرآنَ فآمنوا ببعضه الذين وافقَ ما عندهم ، وكفروا ببعضٍ ، وهو ما خالفهم . { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . فوا الذي خلقَك ورباك لنسألَنّ الكفارَ جميعاً عن ما كانوا يقولون ويفعلون ، ولنحاسبنَّهم أجمعين . ثم يؤكد الله تعالى على نبيه بالجهر والقوة في تبليغ الرسالة جهد المستطاع فيقول : { فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } . فاجهرْ بدعوة الحق ، وابلاغ ما أُمرتَ به ، ولا تلتفت الى المشركين وما يقولون . ولما كان ما يلاقيه من المشركين امرا عسيرا ، واذى كبيرا ، طمأنه الله بانه هو يكفيه شرهم فقال : { إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } . إنا كفيناك شر المستهزئين من قريش الذين كانوا يسخرون منك ومن القرآن ، وكانوا طائفةً من قريش لهم قوة ، وكانوا كثيري السفاهة والأذى للرسول الكريم ، وقد أبادهم الله وأزال كيدهم ، فهم : الوليدُ بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وعديّ بن قيس ، والأَسود بن عبدٍ يغوث . وقد ماتوا جميعا . ثم وصف هؤلاء المستهزئين بالشرك فقال : { ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } . انهم اتخذوا آلها مع الله يعبدونه ، فسوف يعلمون عاقبة امرهم ، يوم القيامة ، يوم يرون العذاب الشديد . { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } . إنا نعلم ما يصيبك من ضيق وألم نفسي بما يقولونه من الفاظِ الشرك والاستهزاء ، فسّلاه الله تعالى بان يسبح ويلوذ به ، ولا يفتر عن التسبيح بحمد ربه طوال حياته حتى يأتيه اليقين . { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } . وهذا هو ختام السورة : ارشاد من الله تعالى أن يكشف ما يجده من الغم باللجوء اليه بعمل الطاعات ، والاكثار من العبادات ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا حَزَبَه امر واشاد عليه خطب ، فزع الى الصلاة . اللهم وفقنا لطاعتك ، واهدنا لعبادتك ، واجعلنا من المتقين الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليم ولا الضالين .