Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 4-8)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقضينا : اخبرنا بالوحي . لتعلن : لتطغون . فجاسوا خلال الديار : دخلوها ووطئوها . رددنا لكم الكرة : اعطيناكم الغلبة . اكثر نفيرا : اكثر عدداً . وليتبروا ما علوا تتبيرا : وليهلكوا ويدمروا ما استولوا عليه من بلادكم تدميرا . حصيرا : مكانا للكافرين . بعد ان ذكر تعالى انه أكرم رسولَه محمداً عليه الصلاة والسلام بالإسراء من مكة الى بيت المقدس - ذكر هنا ما أكرم به موسى قبله من إعطائه التوراة ، وجعلها هدى لبني اسرائيل ، لكنهم أعرضوا عنها ولم يعملوا بهدْيها ، بل أفسدوا في الأرض . { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } . فافسدوا واعلوا علوًّا كبيرا . { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } . كانت هذه الحملة الاولى من الملك البابلي نبوخذ نصر سنة 597 قبل الميلاد على مملكة يهوذا ، فاستولى على القدس وسبى اليهود ومعهم ملكهم " يهوياكين " واهل بيته ، واخذ جميع ما عندهم من اموال وذهب وكنوز . ثم عاد نبوخذ نصر في حلمة ثانية سنة 586 قبل الميلاد يعني بعد احد عشر عاما واحتل القدس وخربها واحرق الهيكل وسبى نحو 50 الف من اليهود . وبقي اليهود في بابل الى ان جاء كورش الاخميني سنة 539 قبل الميلاد فسمح لهم بالعودة الى فلسطين ، فعاد قسم وبقي عدد كبير في بابل ولم يعودوا لانهم استوطنوا واصبح لهم أملاك وتجارة ، وحاولوا بناء الهيكل ، فاحتج السكان من غير اليهود والاقوام المجاورين من الحثيين والحوريين والعمونيين والأدوميين ، ولم يتم بناء الهيكل ، وبقي الى ان احتل دارا الأول ملك الفرس البلاد فسمح لهم ببناء الهيكل سنة 515 قبل الميلاد . فاذا اعتبرنا هذه الفترة كلها هي الأولى ، تكون هي المقصودة بقوله تعالى : { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } وتكون هذه الفترة فترة استقرار . ثم جاء عهد اليونان حيث لاقوا اسوأ الحالات في عهد الملك السلوقي انطيوخس الرابع وذلك سنة 175 - 164 قبل الميلاد ، اذ دمر الهيكل ونهب خزائنه واجبر اليهود على نبذ اليهودية واعتناق الوثنية اليونانية . وبقي الصراع بين اليهود يشتد حتى اندلعت ثورة المكابيين ودام عصرهم نحو قرن وربع ، الى ان جاء الرومان ، وعين الملك هيرودس الأدومي فسمح لليهود باعادة بناء الهيكل سنة 39 قبل الميلاد . وفي سنة 66 م . قامت ثورة عارمة شاملة من اليهود على الحكم الرماني ، بعد سلسلة من المعارك سيطر تيطس الروماني على الموقف وتمكن من القضاء على اليهود سنة 70 . واوقع فهيم مذبحة مريعة وخرب المدينة ، واحرق الهيكل ودمره نهائيا فأُزيل من الوجود بحيث لم يعد يهتدي الناس الى موضعه ، وسيق الاحياء عبيدا . ويقول المسعودي ان عدد القتلى من اليهود والمسيحيين بلغ ثلاثة ملايين ، فيكون هذا معنى قوله تعالى : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } . هذا محصل تاريخ اليهود في فلسطين والله اعلم . فاذا تأملنا في الآيات الكريمة نجد النصَّ الصريحَ على ان بني اسرائيل اذا حكموا وسيطروا طغوا وبغوا وافسدوا في الارض وعلَو علّوا كبيرا ، واذا لم يحكموا افسدوا وسيطروا على المال ، وهذا ما نراه اليوم من طغيانهم وبغيهم وتسلطهم في فلسطين . وهم في بقية انحاء العالم ايضا مفسِدون مسيطرون ، يسيِّرون الحكام والزعماء على اهوائهم وحسب ما يريدون ، وينشرون الفساد في كل ارجاء العالم ، وسيظلون على هذا الحال ولا يمكن ان يغيروا من طباعهم وتعاليم دينهم المحرَّف . والله تعالى يقول : { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً } . فالمفهوم أن اليهود عادوا وسيعودون الى الإفساد ما دام لهم سيطرة ، وفيهم بقية ، فلهم جهنم تحصرهم فلا يفلت منهم احد ، وتتسع لهم فلا يند عنها احد . فالمفسرون على اختلاف طبقاتهم اعتبروا المرَّتين مضى زمانُهما ، الاولى في عهد نبوخذ نصر والاخيرة في عهد تيطس الروماني حيث زال الهيكل وزال حكمهم . وفي عصرنا هذا وبعد وجود كيان اليهود الجديد ، كتب بعض المفكرين يقول : ان الفترة الثانية هي هذه بوجود دولة اسرائيل ( ودار نقاشٌ طويل في الصحف ، والمجالس ، وشهدتُ بعض هذا النقاش في المغرب لما كنتُ هناك ) وان الله سيبعث عليهم من يدمرهم . والواقع ان وجود اسرائيل تقوّى وتمركز بتفككنا نحن العرب والمسلمين ، وبعدنا عن ديننا . ونحن الذين جعلناهم اقوياء بخلافاتنا ، ومحاربة بعضنا بعضا . وواقعهم غير صحيح ، ودولتهم تعتمد على شيئين امريكا تمدها بالمال والسلاح ، وضعفنا انشقاقنا وخلافاتنا ، فمتى وحّدنا كلمتنا وجمعنا صفوفنا وعزمنا على استراداد مقدساتنا فان اسرائيل تزول ولا يبقى لها وجود ، والله تعالى : يقول { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [ محمد : 7 ] . قراءات : قرأ حمزة وابو بكر وابن عامر : " ليسوء " بالافراد ، وقرأ الكسائي : " لنسوء " بالنون .